بقلم الخبير السياسي والدستوري الدكتور المحامي زياد العرجا.
في بداية الحديث سوف اتطرق للمبدأ العام للدستور حتى يتم الوصول الى استخلاص نتيجة منطقية لهذه التعديلات، حيث ان الدساتير في حياة الدولة هي ثمرة جهدها وسعيها لاستقرار اوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اوطانها، لهذا تجيء الدساتير انعكاسا للواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد في بلد ما، تسجيلاً للتطورات التاريخية وتعبيراً للقوى الاجتماعية السائدة في المجتمع والموجهة لسيرها وتطورها، كما تجئ الدساتير تعبيراً للنظرية الفلسفية السائده في الفكر السياسي في الدولة وعن العلاقات التي يجب ان تربط بين الاجهزة او السلطات، ونستذكر قصة كفاح المملكة الاردنية الهاشمية، ضد الاستعمار البريطاني وتطورها السياسي والدستوري للوصول الى قيادة هاشمية واستئثار هذه المملكة بنظام سياسي عتيد مستقل عن اي استعمار وتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة، فقد كان القانون الاساسي لشرق الاردن
والصادر في سنة 1928 دستور وضعته السلطة الانجليزية المنتدبة لتأمين مصالحها، وجعل الحكم والسلطان في يد الاردنيين صورة وفي يد الانجليز واقعاً، وتحت ضغط المد الشعبي وتطور الكفاح السياسي عدلت المعاهدة الانجليزية الاردنية وتحولت إمارة شرق الاردن الى مملكة سميت (المملكة الاردنية الهاشمية) وتم وضع دستور جديد سيادة ونظام الحكم فيها وراثي، ورغم أن هذا الدستور قد حقق تقدماً دستورياً إلا انه جاء قاصراً عن تحقيق أماني الشعب الاردني في الديمقراطية الكاملة، وأثر نكبة فلسطين، وبعد ضم القسم المتبقي من اراضي غرب الاردن الى المملكة الاردنية الهاشمية، صدر دستور جديد في سنة 1952 لتلافي النواقص التي تضمنها دستور 1928 ودستور 1946.
وحيث أنه يعتبر وجود المجتمع السياسي من الناحية القانونية الشرط الاساسي لوجود الدستور وهذا يعني أن وجود الدولة وان تكن ناقصة السيادة أو ذات نظام جمهوري أو ملكي أو نظام برلماني أو دكتاتوري شرط اساسي لوجود الدستور أو القواعد الدستورية، فقد كان لكل دولة على مر العصور دستور ينظم العلاقات بين الافراد والهيئات العامة التي تتولى المسؤوليات السياسية والإدارية فيها، ولكن الدساتير كانت في الماضي تقوم على العرف وترتكز على النظام الملكي المطلق الذي لا يعترف بالحقوق الفردية ولا يحترم الحريات العام، أما اليوم فغالبية الدساتير اصبحت مدونة تحمي الحقوق وتصون الحريات العامة ومختلف الحقوق الفردية والجماعية والاقتصادية والاجتماعية.
ونلاحظ ايضاً أن الغالبية الساحقة في الدول العربية، بفعل التقلبات التي طرأت على نظامها السياسي ، قد غيرت دساتيرها منذ استقلالها أكثر من مرة، باستثناء دولة لبنان التي حافظت على دستورها الذي وضع في عام 1926م في عهد الانتداب الفرنسي.
وقد تم شرح ذلك من خلال مؤلفاتي في كتاب “العون في القانون الدستوري والنظام السياسي الاردني ” & كتابي الاخر بعنوان ” الفادي في تاريخ الاردن السياسي والدستوري” .
ومن هنا وعلى الرغم من إجراءات تعديل الدستور التي لا تنحصر في صورة معينة إلا أننا يمكن أن نتناول أهم تلك الصور وهي إما ان يعدل الدستور بالاجراءات نفسها التي وضع بها وهو ما يطلق عليه قاعدة توازي الاشكال، وإما أن يعدل باجراءات خاصة ومشددة غير تلك الاجراءات التي تعدل بها القوانين العادية وذلك حينمايسند التعديل للهيئة التشريعية.
في الوقت الذي أعلنت الحكومة الاردنية، إحالة مشروع تعديل للدستور الاردني، أضافة الى مشروعي قانوني (الانتخاب والاحزاب) الجديدين للسنة 2021 الى البلمان للسير بالاجراءات الدستورية لإقرارها وقد تم إدراج المخرجات بنوداً جديدة في الدستور تنص على تمكين المرأة والشباب وذوي الاعاقة وربط الاحزاب مباشرة بالهيئة المستقلة للانتخاب إدارياً ومالياً وقانونياًوإعادة تعريفها لتكون جزءاً من المشاركة في تشكيل الحكومات وتضمنت التعديلات الدستورية المقترحة إلغاء الجمع بين المنصب الوزاري والنيابة في البرلمان وخفض مدة رئاسة مجلس النواب الى عام واحد فقط بدلاً من عامين ومنح البرلمان صلاحية عزل رئيس مجلس النواب أما اكثر التعديلات الدستورية المقترحة في صفوف السياسيين والاقتصاديين جدلاً التي اضافتها الحكومة وهو ما يتعلق “بإنشاء المجلس الامن الوطني(قومي) وتعديلاًت تتعلق ببعض صلاحيات التعيين للملك.
وهنا بدأ الجدل السياسي والقانوني والدستوري الاردني مبكراً في مواجهةحزمة مفاجأة ومباغته تم الإعلان عنها من خلال التعديلات الدستورية، ارسلتها الحكومة إلى مجلس النواب لإقرارها ضمن حزمة مخرجات وتوصيات وثيقة لتحديث المنظومة السياسية في البلاد، ويبدو أن بعض التعديلات التي تقترحها الحكومة تثير جدلاً مبكراً، وعلى أكثر من صعيد خصوصاً وسط إجماع المعترضين وأصحاب الصوت القانوني والسياسي الذين يرفضون بعض هذه التعديلات على اساس أن ها تؤثر بالولاية العامة للحكومة، وتسحب صلاحيات كثيرة خارج منظومة الدستور من السلطة التنفيذية إي من الحكومة . بمعنى أن الحكومة الحالية هي التي ترسل نصوصاً واقتراحات بتعديل نصوص دستورية تحد من صلاحياتها ومن صلاحيات اي حكومة لاحقة في المستقبل الحديث ، هنا بشكل خاص يتم الحديث عن تأسيس مجلس جديد للامن الوطني ودسترة تأسيس هذا المجلس وبصورة تجعله مؤسسة سيادية مستقلة الى حد كبير عن السلطة التنفيذية، ويتحدث عن تشكيل مجلس للامن الوطني يترأسه الملك شخصياً ويضم رئيس الوزراء ووزراء الداخلية والدفاع والخارجية ورئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات المسلحة الاردنية ومدير المخابرات العامة إضافة الى شخصين يختارهما الملك، وهو نص يتحدث ايضاًعن الواجب الاساسي لمجلس الأمن الوطني الجديد وهو الاشراف على القضايا الامنية الداخلية وعلى السياسة الخارجية في صيغة جديدة وغير محسوبة. ويعتقد أنها تعيد انتاج صلاحيات مجلس الوزراء وتؤشر على نمط جديد في الولاية العامة والسلطة التنفيذية ، لكن هذا الجزء من التحديث لم يشرح بعد للرأي العام ولم تقدم الحكومة للشارع أو للقوى السياسية والشعبية والحزبية تفسيرات محددة حول خلفية ومبررات ومسوغات مثل هذه التعديلات الدستورية وهو ما يؤخذ على الحكومة وكان عليها لزاماً اتخاذ هذه المبادرة، والتي على الحكومة شرحها مع مراعاة أن هذه الدورة النيابية للمجلس التاسع عشر من أخطر مراحل مجلس النواب على مدار ثلاثين عاماً، لأن المطلوب فيها من هذا المجلس إقرار توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية للدولة الاردنية.
وبالرغم انه تم اجراء تعديلات دستورية عام 2011 والتي شملت ما يزيد عن أكثر من ثلث مواد الدستور وبهدف الاصلاح السياسي ولها تحفظات امنية وسياسية وعسكرية تمت من خلال حصر صلاحيات تعين قائد الجيش ومدير المخابرات العامة بجلالة الملك مباشرة دون تنسيب من رئيس الوزراء أو الوزراء المختصيين والمذكورة في نص المادة (127) بعد التعديل لعام 2014 والمادة (67) من الدستور تم التعديل عليها ايضا في ذات العام.
ولكي نكون موضوعيين بشأن المجلس الوطني، هناك تجارب عالمية وعربية استفادت منه الحكومة في مشروع التعديل كمجلس الامن القومي في بريطانيا وفرنسا والسعودية والمغرب ومصر ولبنان والامارات، والهدف المرجو منها هو التنسيق الامني والعسكري والاستخباراتي للتعاون مع الحكومة في الشؤون الداخلية والخارجية، علماً بأن فكرة إنشاء المجلس الوطني ليست وليدة اللحظة، فالجدير بالذكر أن الملك قد عين المشير سعد خير رحمه الله، مدير المخابرات السابق مستشاراً للمجلس القومي في عام 2005 وكانت الجهود المكثفه حينها لدسترة هذا المجلس ليمارس صلاحياته وفق الدستور، حيث أن الملك قد وجه دائرة المخابرات العامة لتركيز طاقاتها في مجالات اختصاصها المهمة للامن الوطني حينما بعث جلالة الملك رسالة الى مدير المخابرات العامة اللواء احمد حسني حاتوقاي بتاريخ 16/ 2 / 2021 لذات الغاية.
أما موقف الدستور الاردني من مشروع التعديلات الدستوري فهو ثابت من خلال الرجوع لنصوص الدستور فقد حددت المادة رقم (126) من الدستور الاردني متعلقات عملية التعديل اصالة وكذلك المواد ( 91،92،95) من الدستور نفسه بطريقة الاحالة .
ويا حبذا لو ترك أمر التعديلات الدستورية لأصحاب الاختصاص من فقهاء القانون الدستوري إذا كانوا متواجدين أصلا في مجلس النواب ورغم أنه سيتم أحالة التعديلات الدستورية الى اللجنة القانونية، فلا مانع من الاستعانة باصحاب الاختصاص الدستوريين.
ونسأل الله العلي القدير أن يحفظ أردننا في ظل صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني المفدى أدام الله ملكه .
الخبير السياسي والدستوري
الدكتور المحامي زياد العرجا
الموضوع التالي