8.1 C
عمّان
الإثنين, 25 نوفمبر 2024, 14:32
صحيفة الأمم اليومية الشاملة

العبسه: تداعيات اتباع “الفيدرالي الامريكي” لزيادة الفوائد أكبر من ايجابياته

* اي ارتفاع اضافي في اسعار الفائدة سيفرض صعوبات جديدة على الاقتصاد المحلي

* زيادة نسب الفائدة لن يقلل اسعار السلع في السوق ولن يدعم توفرها

– جرت العادة ان يتبع البنك المركزي الاردني سياسة الفيدرالي الامريكي فيما يتعلق باسعار الفائدة انخفاضا او ارتفاعا على حد سواء، كون الدينار الاردني مربوطا بالدولار الامريكي، وذلك دون النظر الى مدى ملاءمة الوضع الاقتصادي المحلي لمثل اتباع هذه السياسات، على اعتبار ان ما يناسب الولايات المتحدة الامريكية، يتناسب معنا، حيث قام الفيدرالي الامريكي برفع سعر الفائدة مرتين الاولى في ايار الماضي بمقدار نصف نقطة مئوية، وخلال حزيرن تم رفع سعر الفائدة 75 نقطة مئوية، اي ان هذه الزيادة على الاساس المئوي بلغت 125 نقطة اساس.

بالطبع كانت تبريرات البنك المركزي الاردني بأن رفع اسعار الفائدة على الدينار جاء لتعزيز أسس الاستقرار النقدي في المملكة والمحافظة على جاذبية الدينار الأردني كوعاء ادخاري، وتعزيز الودائع والتي تشكل أحد الروافد الأساسية لتوفير الاحتياجات التمويلية للاقتصاد الوطني، كما يأتي القرار في ضوء تنامي الضغوط التضخمية الخارجية وما نجم عنها من ارتفاع في أسعار الفائدة السائدة في الأسواق المالية الدولية والإقليمية، إلى جانب توجيه تكاليف اقتراض البنوك في السوق النقدي لتبقى ضمن مستويات مقبولة لتمكينها من الحفاظ على كفاءة إدارة السيولة وعلى نشاط سوق الائتمان المصرفي وفعاليته.

هذه المقدمة ضرورية لاستعراض مبررات قيام البنك المركزي الاردني باتباع سياسة الفيدرالي الامريكي المعلنة والتي نصت بقيامه برفع اسعار الفائدة عدة مرات حتى نهاية العام الحالي لكبح جماح التضخم هناك والذي ناهز 9% لاول مرة منذ 40 عاما.

في المقابل فان هناك تداعيات لاتباع سياسة رفع اسعار الفائدة المرشحة لان يصل معدل ارتفاعها بحسب “الفيدرالي الامريكي” حتى نهاية العام الحالي الى 3.4% (تتراوح حاليا ما بين 1.5-1.75)، فاننا حتما سنواجه صعوبات تفرض قصرا على الاقتصاد الاردني الذي يعاني الكثير وزادت هذه المعاناة مع ازمة جائحة فيروس كورونا، واضيفت اليه التحديات العالمية التي فرضتها العملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا.

تفصيلا لهذه التداعيات، قالت الكاتبة والخبيرة الاقتصادية لما جمال العبسة إن الولايات المتحدة اتخذت من الحل الكلاسيكي لمعالجة مشكلة نسب التضخم غير المسبوقة لديها برفع اسعار الفائدة، التي مهما زادتها فلن تستطيع توفير السلع على رفوف المحال التجارية هناك ولن تتمكن من خفض اسعار الطاقة وبالتأكيد ستنعكس سلبا على قطاعات مختلفة لديها.

واضافت “في الاردن من المؤكد ان هذا النهج التصاعدي في اسعار الفائدة لا يخدم الاقتصاد ولا يحفز باي حال من الاحوال الاستثمارات، فقبل قرارات الرفع الاخيرة كانت هياكل الفائدة لدى الجهاز المصرفي مرهقة للمستثمرين والافراد، فكيف سيكون الحال في ظل هذه الزيادة؟”، قائلة اذا ما كان مبرر رفع اسعار الفائدة ليس له علاقة بالتضخم الذي يناهز 3% في الاردن، فانه يتعلق بالحاجة الى ضمان استقرار أسعار الصرف واستقرار حركة رؤوس الأموال والتحويلات المالية، بالمقابل فان هذه الزيادة لابد وان تتسبب في تراجع معدلات النمو الاقتصادي.

واشارت الى انه اذا كان السبب تعزيز الدينار كوعاء ادخاري، فان هذا الامر قد يفيد قلة قليلة من المودعين، ذلك ان هامش سعر الفائدة الدائنة والمدينة مرتفعة، حيث لا تقوم البنوك المحلية بعكس الاسعار الجديدة على الودائع بالشكل الامثل، فيما يتم تطبيقها بشكل فوري وبذات النسب المرتفعة على التسهيلات، وعلى نطاق اوسع فان التعويل على هذا السبب في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي يعانيها المواطن الاردني وارتفاع تكاليف معيشته، وما يعانيه اقتصاده عموما لا توحي بان هناك فائضا ماليا لدى السواد الاعظم للاحتفاظ به كودائع لدى البنوك، فالاردن يعاني من بطالة اقتربت من 30% وزيادة ملموسة في معدلات الفقر، اي ان المستفيدين من النسب البسيطة لارتفاع اسعار الفوائد على الودائع محدود قياسا بمن لديهم حسابات مصرفية لدى البنوك المحلية.

اما اذا ما كان المبرر الاستفادة من نتائج رفع سعر الفائدة على الدولار سيؤدي الى ارتفاع قيمة الدينار الاردني كونه مرتبطا بالدولار، وبالتالي جعل وارداته اقل كلفة وبالتالي يساهم في الحد من ارتفاع الاسعار، الا انه بالمقابل سيؤدي الى تراجع تنافسية صادراته التي ارتفعت كلفتها نظرا لارتفاع الفائدة على الدولار.

اما بخصوص الاستثمارات، اوضحت العبسه ان رفع اسعار الفوائد يعني زيادة كلفة الاموال التي تعد اهم العناصر التي ينظر لها المستثمر، بالتالي فان هذه الزيادات ستنعكس على حجم الاستثمارات المتوقعة خلال السنوات المقبلة ومدة كلفة الاموال المستخدمة فيها، وفي حال كان هناك استثمارات فان مخرجاتها ستكون باسعار مرتفعة، وستعاني منها قطاعات متعددة، فعلى سبيل المثال فان القطاع الزراعي سيتأثرمباشرة ومنتجاته ستكون مرتفعة الاسعار محليا وغير منافسة في الاسواق الخارجية، اما القطاع العقاري فان معاناته مزدوجة فعلى صعيد المستثمر سترتفع كلفه بشكل ملفت، وعلى صعيد المستفيدين منه فان حصولهم على وحدات سكنية سيكون باسعار عالية في حال الرغبة في التملك، وهذا ما لا يتناسب مع الكثيرين ومن المرشح ان يعاني هذا القطاع ركودا في وقت لاحق، بالاضافة الى ذلك، فان هناك فرصة لكي تقوم رؤوس الاموال بالبحث عن دول ذات اسعار فائد اقل.

ومن المتوقع ان يزيد ارتفاع اسعار الفائدة الاعباء على موازنة الدولة، خاصة وان حجم الدين العام كبير، فبالاضافة الى زيادة خدمة الدين الخارجي، قد ترتفع معه خدمة الدين الداخلي وبالتالي مأساة جديدة تضاف الى مالية الدولة.

اما القطاع المصرفي، قالت العبسه “يعتقد الكثيرون انه المستفيد الاكبر من رفع اسعار الفائدة، فان هذا الامر صحيح لكن ليس بالصورة التي يتوقعونها، ففي جانب عدم فرض الارتفاع الجديد على اسعار الفوائد للقروض القائمة حاليا، فان نسب تعثر السداد في الاساس ترتفع يوما بعد الاخر نظرا للحالة الاقتصادية التي تزيد سوءا يوما بعد الاخر للكثير من المقترضين، وبحسب قرار البنك المركزي فان هذا الرفع الجديد سينعكس على القروض الجديدة وبذلك نعود للمربع الاول، بمعنى ان هذه الزيادة طاردة للاستثمار، وعلى صعيد الافراد من المؤكد تراجع حجم الاقتراض في جانب هذه الفئة لعدم تيقنها من قدرتها على السداد في ظل وضع اقتصادي صعب يؤثر على القطاعات المختلفة دون استثناء، مع احتمالية تاكل مداخيلهم الشهرية نظرا لارتفاع الاسعار بشكل فج مقارنة بمعدلات الدخل.

اما فيما يتعلق بايرادات القطاع المصرفي، اوضحت إنه يتأتى عادة من بيع النقد المودع بهامش الفائدة، وفي حال زيادة الفائدة بهذا الشكل الكبير والمستمر حتى نهاية العام الحالي فان هذا النقد سيتراكم في ظل الاعراض ولو نسبيا عن الاقتراض، وبالتالي ستتاثر ارباحها سلبا، ففي جانب سيكون هناك مقتدرين على الايداع وبالتالي زيادة المطلوب من المصارف لدفع هذه الفوائد للمودعين، في وقت سوف يقل معه الاقتراض، مما يؤدي الى تعطل بشكل ما لاساسيات عمل البنوك.

وفيما يتعلق بقروض الأفراد المتعاقد عليها سابقا قبل البدء برفع أسعار الفائدة فانه من غير المجدي تطبيق رفع سعر الفائدة عليها نظرا لكونها ممولة من مصادر ودائع تقل تكلفتها على المصارف عن 2% بالمعدل في حين تبلغ نسبة الفائدة عليها فوق 6% ولا يتوقع ارتفاع كلفة تمويلها في افق يزيد عن 5 سنوات من الان، ذلك ان المصارف كما ذكرنا لا تعكس الارتفاع على هيكل الودائع التي يشكل ثلثيها ودائع طلب وادخار ذات التكلفة الصفرية أو ما دون 0.5% على مدى السنوات العشر الماضية والتي شهدت تذبذبات أسعار فائدة أمريكية وصلت من 5% الى صفر% ، بالاضافة الى الاثر السلبي الاكيد المتوقع في جانب زيادة نسب التعثر المالي للافراد وزيادة الركود الاقتصادي في حالة تطبيق رفع أسعار الفائدة على القروض المتعاقد عليها سابقا.

واكدت العبسه ان اتباع السياسة النقدية الامريكية بهذا الشكل له اثار سلبية كبيرة وان من الاولى اعادة تقييم هذه القرارات على اقتصادنا الباحث عن بداية طريق لانقاذه ومعالجة ما يعانيه من ادواء تصنف في الفهم الاقتصادي بانها خطيرة كارتفاع المديونية وزيادة البطالة ومتلازمتها الفقر وارتفاع نسب التضخم، ومدى تأثير هذا كله على النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة وصولا للامن الاجتماعي المعتمد اساسا على الامن الاقتصادي.

Share and Enjoy !

Shares