احتفلنا الأسبوع الماضي بيوم اللغة العربية، وهو اليوم الذي نحاول من خلاله استذكار واحدة من اللغات العظيمة التي صاغت الوجدان العالمي خلال فترة طويلة من التاريخ، وإعادة الاعتبار لدورها في الحضارة الإنسانية، خصوصا أنها مثلت، في فترة ما، لغة العلم والفكر والفن والثقافة، وكان تعلمها واجبا لكل من أراد الخوض في غمار تلك القطاعات.
وأيضا، في يوم اللغة العربية، فإننا نحاول الإشارة إلى التحديات التي تواجهها، وهي كثيرة جدا في الوقت الراهن، خصوصا مع انفجار المعرفة والاتصال، وعدم تميز الإنتاج المعرفي العربي الأصيل، والاعتماد على اللغات الأخرى في تحصيل المعرفة والاطلاع عليها، بسبب ضعف النتاج العربي، وأيضا بسبب ضعف الترجمة من اللغات الأخرى، وعدم وضع منهجية معينة لها على شكل مشروع قومي يتصدى لنقل المعرفة من اللغات العالمية الحية.
لكن التحديات أمام اللغة العربية لا تتوقف عند هذه الحدود فقط، فالتحدي الأكبر يكمن في سلوك أبنائها من خلال عدم احترامهم لها بواسطة سلوكيات غير صحية، والتي تؤثر على تأصيلها بشكل حقيقي في جميع أوجه حياتنا.
في المدرسة والشارع والعمل والحياة اليومية، يساء استخدام اللغة العربية، بحيث نزيد الهوة بيننا وبينها، ففي المدرسة يتم التركيز على اللغات الأجنبية، خصوصا الإنجليزية، وذلك لأنها، بحسب واضعي سياساتنا التعليمية، هي اللغة الأهم لتقدم المسار الوظيفي للفرد، بحيث تكون هي المتطلب الأهم لنيل اي وظيفة عند اتقانها، بينما لا تكترث الشركات والمؤسسات بالسؤال عن مدى اتقان اللغة العربية، وكأنما هذا الأمر لا ضرورة له في الحياة العملية!
مدارس خاصة كثيرة أهملت اللغة العربية بشكل شبه كامل، فبينما اكتفت بمبحث وحيد للغة العربية في الصفوف جميعها، نراها قد لجأت إلى تدريس جميع المباحث الأخرى من رياضيات وعلوم ومجتمع باللغة الإنجليزية، لتخرّج، بالتالي، طلبة غير قادرين على صياغة جملة واحدة يتيمة بعربية سليمة، وهي بذلك تتقصى مزيدا من التغريب بين العربي ولغته.
لكن، وحتى في المدارس الحكومية التي تعتمد منهاجا وطنيا للطلبة، نرى أن الكتب التي تعتمد اللغة العربية مثقلة بالنصوص التراثية الثقيلة التي تعمل على تنفير الطلبة من لغتهم نظرا لصعوبتها الكبيرة، بينما نعلم أن اللغة العربية تطورت كثيرا خلال القرنين الأخيرين، واشتملت على تراكيب واستخدامات عصرية في الشعر والنثر زادت من جمالياتها، ونستطيع من خلال إدخالها في التعليم لفت انتباه الطلبة إلى هذه الجماليات وإلى روعة العربية.
على المستوى الجمعي، ففي حين أصبحت شبكة الإنترنت وجهة مهمة للبحث والمعرفة، فإن المحتوى العربي عليها لا يشكل سوى 0.6 %، متراجعا من 1.6 % في العام 2011، وهو تراجع لا يمكن تفسيره إلا بالتقصير الشديد في فهم أهمية هذه الشبكة في تعزيز اللغة العربية، وجعلها مصدرا للبحث والعلم والمعرفة.
ومع ذلك، لا يمكن لنا أن ننكر أن هناك جهات عديدة تعمل من أجل صالح لغتنا، خصوصا مجمع اللغة العربية برئاسة أستاذنا الدكتور خالد الكركي، فقد أقر المجمع قانون حماية اللغة العربية الذي يسعى إلى تصويب وضعها في الحياة العامة ودور العلم، وأوجد امتحان الكفاية في اللغة، لكن الأمر المحبط هو أن هذا القانون لم يوضع حتى اليوم حيز التنفيذ من قبل السلطة التنفيذية التي نطالبها بأن تمنح أولوية له كونه يدافع عن هويتنا ووجداننا.
الموضوع السابق
الموضوع التالي