مندوبا عن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، رعى وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور محمد الخلايلة، الاحتفال الذي أقامته الوزارة اليوم الأربعاء، بالتعاون مع دائرتي قاضي القضاة، والإفتاء العام للمملكة، والمركز الأردني لبحوث التعايش الديني بمناسبة أسبوع الوئام العالمي بين الأديان “الأردن أنموذج الوئام بين أتباع المذاهب والأديان”.
وقال الخلايلة: قبل نحو 12 عاما قدم جلالة الملك عبدالله الثاني، مبادرة الوئام بين الأديان، هدية للمجتمع الإنساني، ومنذ ذلك الوقت والعالم، بمختلف دوله وأجناسه، يحتفل بهذه المناسبة الخيرة التي انطلقت من رحم شريعتنا السمحة، وتاريخنا المزدحم بصور العيش المشترك، ومن بلدنا الأردني الهاشمي الذي يشكل أنموذجا فريدا لقيم السلام والمحبة، واحترام التعددية، والحفاظ على كرامة الإنسان.
وأضاف: “نجتمع اليوم في هذا الحمى الأردني العزيز، مسلمين ومسيحيين، موحدين في إطار المحبة والاحترام، لكي نبعث للعالم برسالة الوئام الحقيقي، ونموذجها الحي الصادق، فالعالم اليوم أحوج ما يكون لمثل هذه الرسالة في ظل ما يشهده من اضطرابات خطيرة، تعصف به وبمنطقتنا، وبلداننا العربية والإسلامية، أبرزها ما يحدث في فلسطين المحتلة، وما تتعرض له مقدساتنا الإسلامية والمسيحية من انتهاكات على يد الاحتلال، وهي فرصةٌ للتذكير بالخطر الداهم على اتباع الأديان كلّها، فالوئام في أدق معانيه هو احترام الآخر، وعدم المساس بمقدساته ورموزه الدينية، ولا يمكن للوئام بين أتباع الأديان أن يأخذ فرصته الحقيقة، ما دام الاحتلال قائما، والمقدسات تتعرض للتهديد، ومنع اتباعها من إقامة العبادة فيها”.
وأشار إلى أنه في القرآن الكريم ترتبط قيمةُ الإنسان وكرامته بالعدالة والحرية والمسؤولية، وتنطلق من اعتبارات عديدة أهمها أن الإنسان خليفة الله، وهو وحده من تحمل الأمانة، ولهذا فإن تكريم الإنسان في شريعتنا الإسلامية، هو تكريم لذاته، باعتباره إنسانا، وتكريم لدوره، ووظيفته في عمارة الأرض.
وقال: يقوم التصور الإسلامي على حقيقتين: وحدانية الله تعالى، وتنوع الخلق، ليعكس الوئام بين البشر، وخاصة اتباع الأديان، باعتباره حقا وضرورة إنسانية، ذلك أن دائرة التوافق والانسجام والمشتركات الدينية والإنسانية، تقع في صميم العقل وصواب الفكرة، حيث العباد عيالُ الله، وأحبهم إليه أنفعهم لخلقه.
وأكد الخلايلة أن الإسلام صاحب النداء الأول لدعوة البشرية إلى الوئام، كما أن مقاصد الدين الحنيف كلّـها ارتكزت على حفظ حياة الناس، وأموالهم وأعراضهم وأديانهم، وإقامة العدل بينهم، ورد الظلم والعدوان عنهم، تلك كانت وصية الرسول عليه الصلاة والسلام لحاكم العقبة حين اقترب من مشارفها، ووصية الخليفة عمر بن الخطاب في العهدة العمرية، حين دخل القدس فاتحا، وقبل ذلك كان حلف الفضول الذي عقدته قريش، نداء خير وتضامن، لنصرة المظلوم، وهو الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم (لو دعيت إليه لأجبت).
على هذا الأساس المستقيم، انطلقت كلمة سواء عام 2007 التي دعا من خلالها الأمير غازي بن محمد العلماء المسلمين والمسيحيين، لحوار بنّاء على أساس وصيتين هما، حبُ الله، وحبُ الجار، دون المساس بأي من المعتقدات الدينية الخاصة بهم، وعلى هذا الأساس جاءت مبادرة أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني في تشرين الأول العام 2010، وتم تبنيها من قبل الأمم المتحدة بالإجماع، وفي مجال الحوار بين المسلمين، من اتباع المذاهب والمدارس الفقهية، جاءت رسالة عمان عام 2004 من قبل جلالة الملك، لتصارح العالم بحقيقة الإسلام، وتدعو الإنسانية، على اختلاف أديانها وأجناسها إلى الوئام والسلام، وتحذر من الفهم المغلوط للإسلام، ومن الإساءة لاتباعه، ومن صراعات باسم الدين قد تنشأ بسبب سوء الفهم بين الإنسان وأخيه الإنسان.
وبين “أن رسالتنا اليوم للعالم كله، تختصرها الكلمات العميقة التي قالها جلالة الملك في أحد خطاباته أمام العالم (الوئام الذي نريده يعني الحديث عن القدس والمقدسات، وعن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وهذا لا يتم إلا بحصول الوئام في المسجد الأقصى المبارك والمقدسات جميعا).
وأشار الخلايلة إلى أن ما يفعله الاحتلال اليوم يتعارض مع كل القيم التي ندعو إليها، ومعنا العالم كله، وعليه نضم صوتنا لأصوات كل الخيرين والمنصفين والعقلاء من القيادات الدينية، وأتباع الأديان في العالم، كي نتحد جميعا لمواجهة أي اعتداء أو إساءة، تمس مقدساتنا الدينية، وقيمنا الروحية المشتركة، وقضايانا العادلة، ذلك أن الاعتداء على قيم الإنسان ورموزه وحقوقه، هو اعتداء على مستقبل الإنسانية كلها، وحق أجيالها بالسلام والأمن والوئام.
من جانبه، قال سماحة مفتي عام المملكة، الشيخ عبدالكريم الخصاونة، “يعيش الأردنيون -مسلمون ومسيحيون- في تعايش سلمي منذ سنين طويلة ويمثلون نموذجا من نماذج الشراكة في الوطن و المصير، حيث بنوا الوطن، وأصبح الأردن بفضل الله وقيادته الهاشمية، عائلة واحدة.
وأضاف الخصاونة أن التعايش يعد من القيم الاجتماعية الأساسية للمجتمعات العالمية، ولا يمكن أن ينهض أي مجتمع إلا بالتعايش السلمي المستند إلى الأدلة العلمية والأصول الدينية من نبذ التطرف والإرهاب والتكفير عدو التعايش، مشيرا إلى أن ما أصاب التعايش اليوم من خلل هو ما قام به الإرهابيون من تنكر لكل روابط المجتمع الدينية والتاريخية والمواطنة الصالحة، فهم خرجوا على الأديان التي تدعو إلى التسامح والمحبة وتنادي بكرامة الإنسان وخرجوا على حب الأوطان.
وأكد أن المؤسسات الدينية في الأردن تبنت نبذ التطرف والإرهاب ومعاداة التكفير ودعت إلى خطاب الاعتدال والتسامح والتعايش السلمي بين مختلف المكونات الدينية والثقافية، فالله تعالى جعل الناس متنوعين إلى شعوب وقبائل مع اختلاف دينهم وعرقهم ولونهم من أجل التعارف والتألف لا للتنافر والتخالف، وهذا التعاون يجب أن يكون لجلب المصالح ودرء المفاسد.
بدوره، أشار سماحة قاضي القضاة، الشيخ عبدالحافظ الربطة، إلى أن الله تعالى يقول: ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )، حيث أن هذه الآية اشتملت على معنى كلي من كليات الشريعة في التعامل الواجب من المسلمين تجاه اتباع الشرائع السماوية ولا نحتاج بعدها إلا إلى إنفاذها والسير وفق هداها إذ جعلها الله دستوراً واضح المعالم فشرع الله فيها البرّ والقسط، (والقسط هو العدل وأما البر فهو أمر فوق العدل من حسن المعاملة والإِكرامُ).
وأضاف الربطة “أننا إذ نلتقي اليوم بهذا الحدث السنوي (أسبوع الوئام بين الأديان) لنستذكر فيه معنيين رئيسين، الأول، الرؤية الملكية الهاشمية والاهتمام من لدن جلالة الملك عبدالله الثاني والجهد الذي بذله ويبذله للتذكير والتأكيد في كل المناسبات المحلية والعالمية على سمو قيم المواطنة وقيم التفاهم المتبادل والحوار بين أتباع الشرائع السماوية وجعل ذلك ثقافة عالمية واجبة السيادة والاعتبار بعيداً عن أي فكر غال يعمل معتقدوه والمنظرون له إلى الانعزال أو إلغاء الآخر أو اعتباره عدواً لمجرد الاختلاف معه، والمعنى الثاني، ضرورة مراجعة دول العالم حكومات وجهات ومفكرين ومنظرين لهذه المفاهيم ومدى انطباق الواقع عليها أو انحرافه عنها سواء في بلاد المسلمين أو في غيرها والتأكيد على محاربة ما من شأنه أن يهدد السلم والأمن الاجتماعي انطلاقا من خطاب الكراهية أو الاعتداء على المقدسات والرموز الدينية ليبقى العالم واضحا في رؤيته للوئام بين أتباع الشرائع المتعددة.
وتابع “تأكد لنا في هذا العام ضرورة هذه المناسبة ووجوب التعاطي الدولي معها والحاجة إلى رفع التوعية بمفاهيمها في كل دول العالم وبما تستحق، خاصة بعدما حصل من أحداث في بعض الدول الغربية والتي قام بها فئة متطرفة اعتدت على مقدسات المسلمين انطلاقا من معتقدات عنصرية وطائفية لإثارة الكراهية وإذكاء التطرف ونشر العداء، وكذلك ما يفعله المتطرفون والمستوطنون من تعرض وانتهاك للمسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى نبينا ومعراجه إلى السماء، كل ذلك يشكل انعطافة خطيرة تهدم في لحظات ما يتم بناؤه في سنوات وتهدد المشتركات التي يأمل الناس أن يتعايشوا من خلالها لتحقيق رفاه الإنسان ومصلحته وتضمن عصمة الدماء والأعراض والأموال وتمكين الناس من القيام بشعائرهم التعبدية وبما يعلي من قيم الكرامة، والسلم، والعدل، والأمن الشامل، وحسن الجوار”.
وأكد أن من واجب الجميع في مثل هذه الظروف بيان حقيقة رسالة الإسلام، هذه الرسالة الخاتمة العالمية التي تعترف بالاختلاف وتؤطر له قواعده وتؤسس له أحكامه مستندين إلى قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، ونحن نعتز في الأردن أن جعلنا من ذلك منهجا لا نتجاوزه مهما اختلفت الظروف وتعددت الأحوال فصنعنا وطنا أنموذجا عنوانه العريض مواطنة يتشارك فيها الجميع الحقوق والواجبات والآمال والآلام ولا يمنعهم ذلك من احترام خصوصية المعتقد وحرية العبادة وواجب حمايتها ومنع التعرض لها اعتقادا وسلوكا وطريقة حياة.
وبين أن هذه المعاني هي التي خاطب بها جلالة الملك عبدالله الثاني العالم من خلال رسالة عمان لتكون بيانا مفصّلا لحقيقة الإسلام كما أراده الله، ومن أجلها رعى جلالته وفي السياق ذاته وثيقة من أهم الوثائق على مستوى العالم والتي حملت عنوان: “كلمة سواء بيننا وبينكم”، حيث أصّلت هذه الوثيقة لوصيتين عظيمتين يشترك فيهما الدين الإسلامي والدين المسيحي، وهما حب الله، وحب الجار، لتتكون منهما قاعدة للحوار والتفاهم.
إلى ذلك، قال مدير المركز الأردني لبحوث التعايش الديني، الأب الدكتور نبيل حداد: “إن مقام الوئام، اقترحه ملك مؤمن، وانبثقت فكرته من روح أم الوثائق رسالة عمان ومن رحمها، مقترح حمل فكر ملك وإرث وطن مبارك، فقبلته شعوب الأرض الممثلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة”.
وأضاف: “نحن اليوم لا نعبر إلى الوئام من باب هذه الاحتفالية على جمالها ورمزيّتها، بل من باب قناعتنا أننا ننفّذ رسالة السماء ووصيتها الرحمة والمحبة”.
وقال: “لأن الكراهية لا تولد إلا مزيداً من بغضاء، فإن خيارنا هو في نبذها وفي مواجهتها واقتلاع جذورها ومعالجة آثارها بالحكمة والموعظة الحسنة، والذهاب بعيداً إلى نشر المودة وصنع السلام، في موقف يأخذ رسوخه من إيماننا ويصدر عن طاعتنا للسماء، لذلك تتعاظم قيمة وئامنا الديني بل والوطني، وكذلك التأكيد على فصول حضورنا الإقليمي والدولي الذي ميّزتنا به مكانة قائدنا ورسالة وطننا ودوره. فبحكمته وحنكته يتجدد فينا الأمل وتنبعث الحيوية في مسيرة وطن، لتضعنا جميعا أمام مسؤولية متابعة النهوض والأمانة لأنموذجنا.
وحضر الاحتفال النائب الأول لرئيس مجلس النواب الدكتور أحمد الخلايلة، وسماحة مفتي عام القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي العقيد الدكتور حسن مخاترة، ومفتي مديرية الأمن العام العقيد الدكتور سامر الهواملة، ونواب وأعيان، ومدراء عامون، وسفراء معتمدون لدى المملكة، ووزراء سابقون، وعلماء، إضافة إلى مفتين وقضاة الشرع الشريف وأئمة ووعاظ وخطباء وواعظات، ورجال الدين المسيحي، وضباط وضباط صف من القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي والأجهزة الأمنية، وممثلات عن القطاع النسائي.