شهدت الفترة الأخيرة جدلًا واسعًا في الوسط المالي الأردني، وتحديدًا بين المتداولين في الأسواق المالية، بعد تصاعد حملة إعلامية تتهم – دون دليل – كبرى شركات التداول في السوق بالاستيلاء على أموال لأشخاص ادّعوا أنهم مستثمرون، بمبالغ تجاوزت النصف مليون دولار.
ووفقا لما أبلغت الشركة موقع خبرني، فإن الأطراف التي شاركت في هذه الحملة وظهرت في الفيديو المنشور ليسوا أصلًا من عملاء الشركة، ولم يسبق لهم التعامل معها مطلقًا، وهو ما يكشف بوضوح طبيعة الأهداف الحقيقية وراء هذا التصعيد.
وقد استُغلت هذه الحملة كشماعة من قبل بعض الأصوات أو الأطراف لتعميم الاتهامات، وتحميل الشركات مسؤولية قرارات فردية أو تعاملات تمت دون دراية كافية أو وعي بمخاطر السوق.
وبعيدًا عن العاطفة والانفعال، ينبغي أن يعي الشخص الذي يتعامل في الأسواق المالية أن احتمالية الخسارة واردة وبنفس درجة احتمالية الربح، وأن قرار دخول السوق يتم طوعًا بناءً على اهتمام مسبق أو رغبة بخوض هذه التجربة.
لذا، فإن اعتبار الخسارة ضربًا من الاحتيال من قبل شركات التداول، يعكس في حقيقته غياب الوعي الكافي لدى بعض المتعاملين حول طبيعة الأسواق المالية وتعقيداتها، والمعروفة بتقلباتها العالية كما أسلفنا.
ويتجلى غياب هذا الوعي بطبيعة الأسواق عند البعض – للأسف – عند التداول بعقود السلع أو العملات أو المؤشرات، إذ يعتقد المتعامل الذي يجهل طبيعة هذه المنتجات أن التداول يعني شراء الأداة فعليًا، في حين أن التعامل يتم على فروقات الأسعار من خلال عقود مالية معروفة عالميًا. بالتالي، الحديث عن “تسليم الذهب” أو امتلاك العملة أو التعامل مع هذه الأدوات كسلع مادية يعكس فهمًا خاطئًا لطبيعة المنتجات الاستثمارية.
وتناولت الحملة اتهام بعض المتداولين الشركات بالتلاعب بالأسعار لصالحها، أو التسبب بانزلاقات سعرية متعمدة، علمًا بأن الأسعار لدى شركات التداول المرخصة تخضع لحركة السوق العالمية، وأن الفروقات السعرية والانزلاقات تحدث لأسباب طبيعية مثل العرض والطلب، سرعة التنفيذ، والسيولة، ولا يمكن تحميل الشركات مسؤولية كل حركة سعرية أو خسارة.
ومن النقاط الأخرى التي تقع على عاتق المتداول لا على عاتق الشركات، استيعاب المفاهيم الأساسية للتداول، مثل إدارة رأس المال، استخدام الرافعة المالية، وفهم شروط تصفية المراكز. فالمتداول الذي يدخل السوق دون هذه المعرفة يعرض نفسه لخطر حتمي، ويتحمل مسؤولية قراراته بالكامل.
يميل الكثير من المتعاملين الجدد إلى توقع أرباح سريعة وضمانات غير واقعية، متناسين أن الأسواق المالية بطبيعتها تنطوي على مخاطر، وعندما تحدث الخسائر، يكون من السهل توجيه اللوم إلى الشركات بدلًا من مراجعة الذات.
في هذا السياق، المطلوب هو بيئة تداول شفافة، تنفيذ عادل للأوامر، وسهولة في عمليات الإيداع والسحب — وهو ما تلتزم به شركات التداول المرخصة.
انطلاقًا من كل ما سبق، لا بد من التأكيد على ضرورة أن يتحلى المتعاملون بالوعي المالي الكافي، وفهم طبيعة المنتجات التي يتداولون بها، والتوقف عن البحث عن “كبش فداء” بعد الخسارة.
ولا ينفي ذلك حق العملاء بالمطالبة بالمزيد من الشفافية والتوضيح من الشركات، وخصوصًا في حال تكررت شكاوى موثقة من نوع محدد.
وهنا يبرز دور هيئة الأوراق المالية، التي لا تعمل على حماية السوق فحسب، بل تتابع من خلال أذرعها الفنية كل شكوى ترد إليها، وفق تحقيقات مستقلة وبما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، لضمان بيئة تنظيمية تحمي المتعاملين ورؤوس أموالهم.
ختامًا، على كل من يهاجم هذا القطاع الحيوي أن يعي أن الهجوم في حقيقته يمس بجهود الهيئة ودورها التنظيمي، وأن تجاوز المسار القانوني وشن حملات التشويه والابتزاز لا يخدم مصلحة السوق ولا المستثمرين، بل يهدد صورة البيئة الاستثمارية الأردنية ككل.

الموضوع السابق