“الحكومة أمام الله وأمام الشعب في تحمل مسؤوليتها تجاه هذا المقترح”.. بهذه الكلمات المقتضبة توّج رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة أمس إسدال الستارة نيابيا على المطالبة الشعبية بإسقاط وإلغاء اتفاقية الغاز مع كيان الاحتلال، على إثر تصويت النواب بالإجماع على إحالة مقترح قانون حظر استيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي إلى الحكومة.
لكن هذه الكلمات والاكتفاء بإقرار مقترح القانون من قبل النواب لن يعفيهم من غضبة الحملة الشعبية الواسعة لرفض اتفاقية الغاز خاصة وأن التوقعات الآن تذهب باتجاه لجوء الحكومة إلى التهرب من الالتزام بالمقترح النيابي وترحيله والمماطلة بإقراره، يساعدها في ذلك اقتراب حل الدورة العادية والأخيرة لمجلس النواب ومرورها سالمة من نفق إقرار قانون الموازنة العامة، وبالتالي فإنها تراهن على شراء الوقت والمماطلة لعدم الالتزام بوضع مشروع القانون فيما هي تعرف أن النواب لم يعودوا يمتلكون أي أداة للضغط الحقيقي عليها بعد أن أسقطوا مبكرا سلاح طرح الثقة بها والاكتفاء بإقرار مقترح القانون “أمام الله والشعب”!!
قد يختلف الأردنيون في قضايا السياسة الخارجية على كل شيء وتتباين الآراء والاستقطابات بينهم حولها سواء تجاه القضية السورية أو إيران او ليبيا أو حتى الموقف من الأزمة الخليجية الداخلية وغيرها، لكنهم تجاه العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي ورفض التطبيع معه واعتباره الخطر الاستراتيجي الأول والأكبر تجدهم مجمعين ومتفقين وغير مهادنين في ذلك، لذلك قلما تجد قضية توحد الأردنيين على رفضها والتحذير منها كما هي قضية استيراد الغاز الفلسطيني المسروق من قبل الاحتلال الإسرائيلي واتفاقيتها، وهي اتفاقية تكاد لا تجد من يدافع عنها علنا حتى من قبل الرسميين رغم سريان تنفيذها!
لذلك لا يتوقع أن يجدي موقف النواب وطلقته الأخيرة بإقرار مقترح القانون في كسب رضا الرأي العام الأردني الذي كان ممثلون عنه يحتجون خارج أسوار البرلمان خلال مناقشة جلسة النواب للمقترح أمس على سريان الاتفاقية وبدء تدفق الغاز الفلسطيني المسروق وفرض التطبيع على الأردنيين مع هذا العدو. ويبدو واضحا أن الرأي الغالب شعبيا يذهب باتجاه أن موقف مجلس النواب من هذه الاتفاقية لم يكن على قدر المسؤولية وأنه أسهم بتراخيه مع الحكومة وعدم حشرها بالزاوية في تمرير الاتفاقية ولأن يصبح استيراد الغاز من الاحتلال أمرا واقعا ومفروضا.
من سوء حظ النواب في المجلس الحالي، الذين يستعد كثير منهم لخوض الانتخابات المقبلة المتوقعة قبل نهاية العام الحالي، أن يختتم مجلسهم ولايته الدستورية بهذا الموقف القاصر تجاه إحدى أبرز القضايا الوطنية التي شغلت وما تزال تشغل الرأي العام الأردني وعدم قدرة هذا المجلس، رغم رفضه شبه التام للاتفاقية، على اسقاطها ومنع تمريرها. لن يتذكر الناس مقترح القانون بمنع استيراد الغاز من كيان الاحتلال لأنه سيبقى -كما هو متوقع- مجرد مقترح على رفوف الحكومة! بل سيتذكرون غدا أن النواب عجزوا عن التصدي الحقيقي لفرض هذه الاتفاقية الخطيرة على الشعب الأردني بكل ما تحمله من أبعاد مبدئية واستراتيجية سلبية، ورغم كل ما شابها من التباسات واختلالات دستورية وقانونية وسياسية!
لا يتوقع أن يخفت الصوت الشعبي الرافض لاتفاقية “العار” مع إسرائيل بعد سريانها وفرضها أمرا واقعا على الجميع، لكن إسدال الستار عليها نيابيا، على الأقل حتى قدوم المجلس المقبل بعد أكثر من عام من الآن، يسقط من اليد الشعبية أداة مهمة كان يراهن عليها كثيرا لإسقاط وإلغاء هذه الاتفاقية، لذلك لن تصب خلاصة الموقف النيابي في صالح تقييم دور هؤلاء النواب وستسجل على أنها فشل آخر ومهم في حصاد الأربع سنوات الماضية من عمر مجلسهم الذي شارف على الرحيل!
الموضوع السابق
الموضوع التالي