شارك جلالة الملك عبدالله الثاني، اليوم الخميس، في أعمال منتدى “فالداي” للحوار، الذي تستضيفه مدينة سوتشي الروسية في دورته السادسة عشر، تحت عنوان “فجر الشرق والنظام السياسي العالمي “.
كما شارك في أعمال المنتدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، والرئيس الكازاخستاني قاسم جومارات توكاييف، والرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي.
وألقى جلالة الملك كلمة خلال الجلسة الرئيسية للمنتدى، الذي حضره سمو الأمير هاشم بن الحسين، كبير أمناء جلالة الملك، وسمو الأمير غازي بن محمد، كبير مستشاري جلالة الملك للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي لجلالته، فيما يلي نصها:
“بسم الله الرحمن الرحيم
صديقي العزيز، فخامة الرئيس بوتين،إخواني فخامة رؤساء أذربيجان وكازاخستان والفلبين،أصحاب السعادة، شكرا لكم جميعا على حفاوة الترحيب. يسعدني أن أعود إلى روسيا وأكون بين العديد من الأصدقاء، ومن ضمنهم الرئيس بوتين، صديقي العزيز منذ حوالي عشرين عاما.
فخامة الرئيس، لطالما كنت من أكبر الداعمين لمستقبل منطقة الشرق الأوسط. وأشكركم على ثبات شراكتكم مع الأردن.
إن دور روسيا اليوم بالفعل هو محوري في العديد من المناطق والميادين، كالشؤون الاقتصادية والسياسية والأمنية، وحوار الأديان الذي يحمل أهمية حيوية للمستقبل. هذا ما يميز منتدى فالداي، فهو يحظى بسمعة عالمية، ليس لمعالجته لقضايا دولية مهمة فحسب، بل لأنكم تتيحون من خلاله لشركاء روسيا فرصة المساهمة. إنه لمن دواعي سروري الانضمام إلى الحوار هنا اليوم.
أصدقائي، في عام 2009، وقع الاختيار على الأردن لاستضافة أول مؤتمر لمنتدى فالداي في الشرق الأوسط لمناقشة قضايا المنطقة ومستقبلها.
كان ذلك قبل عشرة أعوام، وكما تعلمون، فإن هذه الفترة شهدت بروز العديد من القضايا الجديدة التي تستدعي الحديث عنها، إلا أن بعض الحقائق بقيت ثابتة منذ ذلك الحين، فما زال الأردن وروسيا متفاهمين حول الحاجة للتعاون الفاعل والعملي لتحقيق السلام على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ويبقى الأردن وروسيا ملتزمين أيضا بالقيم الأساسية التي تربطنا جميعا، والعمل بها هو أهم سلاح لدينا لمواجهة التطرف والانقسام. وكذلك يستمر الأردن وروسيا بالسعي نحو شرق أوسط ينعم بالسلام والاستقرار.
إن التعقيد الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط يفرض تحديات ولكنه يوفر فرصا في الوقت ذاته، لذا فعلينا دور في السعي لتحقيق نظام عالمي إيجابي جديد. هذه هي رؤية الأردن المستقبلية للنمو الشامل والمستدام، على الرغم من الاضطرابات الإقليمية، فنهج الاعتدال والاستقرار في بلدنا، وشبابنا الطموح والمنفتح على العالم مكّننا من بناء شراكات في جميع أنحاء العالم.
ويجمعنا مع شركائنا حرص مشترك على حل الأزمات في الشرق الأوسط، فالتهديد الذي يشكله المتطرفون، والأزمة السورية، وقبل كل شيء، استمرار إنكار حق قيام الدولة الفلسطينية، كلها قضايا عالمية وليست إقليمية فحسب.
في سوريا، تعرض تنظيم داعش الإرهابي لهزائم كبرى، وأدى وقف إطلاق النار إلى تراجع كبير في أعمال العنف هناك. لقد عمل الأردن إلى جانب روسيا والولايات المتحدة وشركاء دوليين آخرين على تحقيق الاستقرار في جنوب سوريا. وكذلك ما زلنا نتحمل أعباء اللجوء الهائلة، مخففين بذلك من تأثيرها على مناطق أخرى في العالم، ولكن ما تزال أزمة اللاجئين وخيمة ومكلفة.
لن تنتهي هذه الأزمة إلا بحل سياسي يحفظ وحدة سوريا أرضا وشعبا، ويضمن عودة طوعية وآمنة للاجئين. فالأردن يدعم مسار جنيف والمبادرات المنبثقة عنه، خاصة اجتماعات أستانا، وفقا لقرارات الأمم المتحدة. وهذا ما كان ليحقق نتائج دون دور روسيا.
أما بالنسبة للتهديد الإرهابي، فعلى الرغم من الانتصارات الإقليمية على الخوارج، علينا ألا ننسى طبيعة هذا التحدي الدولية وذات المدى الطويل، فهذا التهديد من الخوارج ومن العنصريين المتطرفين ومروجي الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) ، يشكل خطرا على كل منطقة في العالم. ويعمل الأردن من خلال مبادرة اجتماعات العقبة وغيرها مع دول من آسيا وأفريقيا وأوروبا لمواجهة هذا التهديد ضمن نهج شمولي. وقبل كل شيء، علينا أن نضمن أن شبابنا يملكون الأمل.
إن الحديث عن الأمل يقودني إلى الأزمة المحورية في منطقتنا والعالم، وهي إنكار حق قيام الدولة الفلسطينية، فالأردن وروسيا متفقان على الحاجة الملحة لحل الدولتين، ولن تتمتع منطقتنا بالأمن والاستقرار حتى ينتهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولن يتحقق ذلك دون حل الدولتين، الذي يحقق السلام الحقيقي وينهي الصراع وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وبما يفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل.
كما أن حماية القدس والأماكن المقدسة والإرث الإسلامي والمسيحي التاريخي فيها هو هاجس مشترك لدينا جميعا. ويعمل الأردن، من خلال الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، للحفاظ على السلم والحد من التوتر، لكن تقع على عاتق جميع الدول المسؤولية في المحافظة على إرث المدينة المقدسة لتكون مدينة تجمعنا ورمزا للسلام.
أصدقائي، لقد أصبح واضحا بعد سبعين عاما أن السلام في الأرض المقدسة لا يمكن أن يتحقق من خلال قرارات أحادية أو بالعنف، ولا يمكن فرضه من خلال سلب الأراضي وبناء الجدران لتفصل بين الجيران، ولا يمكن أن يأتي عن طريق خرق القانون وحقوق الإنسان. إن البديل عن حل الدولتين هو دولة ثنائية القومية بنظام غير ديمقراطي وقوانين غير متساوية. علينا أن نختار طريقا أفضل وأكثر فاعلية، ولكل منا دور حيوي في تحقيق ذلك.
قبل عشر سنوات عندما عقد منتدى فالداي أول اجتماع له حول الشرق الأوسط، كان عنوانه “الشرق الأوسط 2020: هل يمكن تحقيق حل شامل؟” إن إجابتي اليوم هي “نعم”، ورغم كل الصعوبات، فإن السلام الشامل ممكن، بل هو ضروري، ولكنه لن يتحقق إلا بمساعدتكم.
أتمنى النجاح لمنتدى فالداي، وأشكركم على قيادتكم للحوار حول القضايا الحرجة في عصرنا”.