لن تقف آثار انتشار وباء فيروس كورونا عالميا ومحليا عند الأبعاد الصحية، رغم أن الجبهة الصحية هي اليوم التي تتصدر المشهد وسلم الأولويات في سعي محموم لمحاصرة المرض والحد من انتشاره تجنبا للكوارث الإنسانية التي يمكن أن يتسبب بها.
العمل على هذه الجبهة الصحية ترك وسيترك بلا شك آثارا قاسية وخطيرة على الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية في ظل حظر الحركة والتجمعات والأعمال، حيث تزداد حدة الفقر وتتسع شريحته مع انضمام عشرات آلاف العاملين بالمياومة وفي القطاع غير المنظم والمحال والحرف الصغيرة إلى طوابير العاطلين عن العمل وانقطاع دخلهم، وهي مشكلة مرشحة للتفاقم والمزيد من التعقيد كلما طال التعطيل الرسمي والحظر الذي تفرضه سياسة الوقاية من الوباء.
وبالتوازي مع تأثر الشرائح السابقة سلبيا بالظرف المستجد وانقطاع دخولها لا تبدو شرائح واسعة أخرى من العمال والموظفين في القطاع الخاص المنظم بمنأى عن الآثار السلبية المتوقعة لتعطل الإنتاج والعمل بالمؤسسات والشركات أو تقلصه للحدود الدنيا، أي أن الخطر الذي يلوح بالأفق وربما قبل أن تهدأ المدافع على الجبهة الصحية هو خطر معيشي واجتماعي واسع وحاد يطال عشرات آلاف الأسر ويهدد استقرار المجتمع والدولة.
الأداء الرسمي للحكومة وأجهزة الدولة على الجبهة الصحية متقدم ومنتج وبات يثمر نتائج إيجابية على الأرض، محاصرةً للمرض وقدرة على تقديم العلاج المناسب للمرضى وتنفيذا جيدا لسياسات العزل الصحي للحالات المشتبه بها وتنظيما كفؤا للحظر الاجتماعي ومنع التجول الجزئي، أما على الجانب الاقتصادي والاجتماعي فإن المعركة ما تزال في أولها وهي المعركة الأصعب التي لا يمكن تحميل استحقاقاتها للحكومة وأجهزة الدولة فقط، خاصة في دولة محدودة الموارد وتعاني ما تعانيه من تحديات اقتصادية ومالية معروفة.
لا نريد أن نثقل أو نحمل بالحكم على القطاع الخاص، ونتفهم أن هذه الظروف الطارئة قد ألقت أعباء كبيرة عليه بوقف الإنتاج والتعطيل الاضطراري وتوقف التدفقات النقدية على مدى الأسبوعين الماضيين والتي قد تستمر أسبوعين أو شهرا آخر، لكن غير المفهوم ولا المقبول هو تسابق بعض المؤسسات والقطاعات للتلويح بالاستغناء عن عمالها وموظفيها بحجة توقف العمل والإنتاج دون تقدير للآثار المعيشية والاجتماعية والأمنية السلبية التي ستنتج عن ذلك.
التلويح بالاستغناء عن العمال والموظفين بهذه الظروف الطارئة وبعد أسبوعين فقط من توقف الإنتاج والعمل هو تهرب من المسؤولية المجتمعية وقفز من السفينة عند أول موجة تتعرض لها. المجتمعات والدول اليوم هي بأمس الحاجة للتشاركية في الغُنم والغُرم لإنقاذ السفينة أمام ما سببه انتشار هذا الوباء المفاجئ، ولا يمكن أن يكون الخلاص فرديا. لذلك كانت قوانين الدفاع والطوارئ في العالم كله والتي تعني بجانب رئيسي منها أنّ لا مصلحة تعلو على المصلحة العامة والجماعية للمجتمع والدولة في الظروف الطارئة.
الحكومة والدولة مطالبة بدور فاعل وضابط في الجانب الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي وعدم التهاون مع الراغبين بالخلاص الفردي والقفز من السفينة ولديها من الأدوات القانونية والمشروعية الكثير لتؤدي هذا الدور تماما كما تؤدي دورها على الجبهة الصحية.
أما المجتمع نفسه وقطاعاته الأهلية المختلفة وأفراده الميسورون فمطلوب منهم اليوم الكثير أيضا لعبور هذه الأزمة في جانبها الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، خاصة تجاه شريحة الفقراء والعاملين بالقطاعات غير المنظمة والمياومة، وقد أحسنت الحكومة بإنشاء صندوق مستقل للتبرعات لمساعدة هذه الشرائح الهشة وعلينا أن نثق بها كما وثقنا بدورها على الجبهة الصحية لأن من مصلحتها أيضا كما المجتمع عدم تفريخ الأزمة الطارئة لبؤر إنسانية وأمنية قاسية سترتد بأخطارها على الجميع.
الموضوع السابق
الموضوع التالي