خالد خازر الخريشا
تعود أحداث نكبة عام 1948 بذاكرة الفلسطينيين إثنان وسبعون عاماً إلى الوراء، لتفتح من جديد فصول تلك النكبة التي يتوارث مأساتها الفلسطينيون جيلاً بعد جيل، بحثاً عن جواب عن السؤال الجوهري: كيف سقطت الأرض الفلسطينية في أيدي بضعة آلاف من قوات العصابات الصهيونية ؟ إذ كتائب الجيوش العربية كانت في طريقها من سبع دول عربية لتتولى إدارة الشؤون الفلسطينية في الخامس عشر من مايو 1948 من القوات البريطانية، وفق اتفاق بريطاني مع تلك الدول العربية، فأين كان دور تلك الجيوش في الدفاع عن فلسطين وحماية أراضيها ومقدساتها ؟
في الخامس عشر من أيار (مايو) من كل عام يحيي الفلسطينيون، ومعهم اشراف الأمة العربية والاسلامية ، ذكرى نكبة فلسطين التي ألمت بنا في عام 1948، وتمثلت في نجاح الحركة الصهيونية – بدعم من الاحتلال (الانتداب) البريطاني- في السيطرة بقوة السلاح على القسم الأكبر من فلسطين وإعلان قيام “دولة إسرائيل” وترافق هذان الأمران مع طرد وتهجير الفلسطينيين من 20 مدينة ونحو 400 قرية غدت أملاكها ومزارعها جزءاً من “الدولة الجديدة” آنذاك (إسرائيل) .
وخلال تلك الأحداث التي رافقها تدخل عسكري عربي ضد الاحتلال اليهودي لفلسطين- لقي عشرة آلاف فلسطيني على الأقل مصرعهم في سلسلة مجازر وعمليات قتل ما زال معظمها مجهولاً وأصيب ثلاثة أضعاف هذا الرقم بجروح وهجر 60% من سكان فلسطين (أي نحو 700) ألف .)
فنكبة فلسطين هي نكبة احتلال المقدسات، وفصل الشعب عن أرضه وطرد أهالي 531 مدينة وقرية من ديارهم عام 1948 وفصولها بدأت حين خانت بريطانيا وعودها للعرب بمنح الاستقلال لبلادهم بعد إنهاء الحكم العثماني وأصدرت على لسان وزير خارجيتها “وعد بلفور” في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 الذي “ينظر بعين العطف” إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .
وخلال 28 عاما من حكم الانتداب البريطاني، سنّت بريطانيا القوانين واتخذت الإجراءات التي سهلت إنشاء هذا الوطن حتى أصبح دولةً عام 1948.. وكان عدد اليهود بفلسطين خلال الاحتلال (الانتداب) البريطاني 56 ألف (أي 9% من مجموع سكان فلسطين) غالبيتهم من رعايا الدول الأجنبية .
وما إن انتهى الانتداب عام 1948 حتى أصبح عددهم 605 آلاف يهودي نتيجة الهجرة الظاهرة والخفية التي سمحت بها بريطانيا، رغم معارضة أهالي فلسطين ومقاومتهم وثوراتهم وأهمها ثورة 1936 وهكذا أصبح اليهود يمثلون 30% من سكان فلسطين الذين بلغ عددهم حوالي مليوني نسمة عام النكبة .
أما على الصعيد الإنساني فقد خلفت هذه النكبة وراءها حوالي (900) ألف لاجئ طردوا من 531 مدينة وقرية، نزحوا إلى الجنوب المتبقي في قطاع غزة وإلى الشرق فيما أصبح يعرف بالضفة الفلسطينية وإلى الشمال نحو سوريا ولبنان .
في هذه الذكرى والنكبة الاليمة والمستمرة لا نجد ما نقول الا كلمات الشاعر عندما أنشد :
من أيـنَ أَبـدأُ يـا تارِيـخُ أَشْعَـاري .. من دفْقَةِ الدَّمِّ أمْ مـنْ وَصْمَـةِ العـارِ
منْ أينَ أَبْـدأ .. والآهـاتُ صائحـةٌ .. مَن بَاع أرضي ..؟ أسمسارٌ لسمسارِ؟
مِنْ أَيْـنَ أَبـدأ .. والأوطـانُ نائِحـة …منْ باعَ شَعْبـي ..؟! أجـزارٌ لجـزارِ
يا وصْمَةَ العَـارِ فِـي سِيمـاء أمَّتنـا…ما حن بحر لمرأى المركب الجـاري
يا هَولَ نكبتِنـا .. يـا طُـولَ ذِلَّتِنَـا…مِنْ بَعْدِ ثَورتنا .. نُشرى بـدولارِ..؟
والقلبُ ينْزِفُ فَـوقَ الأَرْضِ مُنْتَفضـا…ذِبْحا تـردَّى علَـى سِكِّيـن جَـزَّارِ
روح الحَمَامِ عَلـى الأشْـلاء هائمـةٌ…والوحْشُ ينهَش فِـي الأكبَـادِ والـدَّارِ
والقُدْس تصْرخ من يصغي لصرختهـا…بين الشَّظايا وفِي أكنـاف إعصَـارِ؟
ناحت على جبـل الزيْتُـون وانتحَبَـتْ…صمُّ الحجـارة تدعُـو الشَّعْـبَ للثَّـارِ
والمجْرِمُـونَ عَلَـى أنّـاتِ صَخْرتنـا…صِياحُهُـم يتعالـى خلْـفَ زمَّــارِ
غنَّوا وما ههنـا فـي القلْـبِ متسـعٌ…لغيـرِ جُـرْحٍ يُغنِّـي بَيْـنَ أَخْطَـارِ
باعوا .. وما خجلوا .. خانوا وما ندموا…يا خِسَّـةَ البَائِـعِ الغَـدَّارِ والشَّـارِي
مِن أين أختـمُ يـا تاريـخُ أَشْعَـاري …من طلقة العزِّ .. أم من وصمة العـارِ