14.1 C
عمّان
الأحد, 24 نوفمبر 2024, 12:58
صحيفة الأمم اليومية الشاملة

سياسيون: الموقف الاردني الرافض لسياسات الضم الاسرائيلي مشرف وشامخ

 يستمر الاردن قيادة وحكومة ودبلوماسية في موقفه الرافض رفضا قاطعا لمشروع اسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية، كما لم يتردد في التأكيد غير مرة، على “انه لن يقف مكتوف الأيدي، ويدرس كل الخيارات” إذا مضت تل أبيب في ذلك المخطط، وذلك لحماية مصالحه الوطنية وعدالة القضية الفلسطينية، في وقت يُذكّر فيه سياسيون ومعنيون، ان المخطط الاسرائيلي هذا قديم، ويتجدد كلما اشتد التطرف الاسرائيلي.

ويؤكد السياسيون والمعنيون ان الموقف الاردني من مشروع الضم يبرز بشموخ، وهو موقف مشرف و ينطلق من الثوابت الاردنية العروبية التي لا تساوم ولا تهادن، بشأن كل ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، واقامة السلام وفقا للشرعية الدولية، منعا للفوضى والتطرف، وسعيا لمنطقة تسودها قيم العدل والاستقرار والاعتدال والتعايش والتنمية.

ويشيروا الى رفض الاردن لاي اجراءات اسرائيلية احادية الجانب، والى ضرورة ان يوسع تحالفاته مع الاقطار التي تعارض المخططات الاسرائيلية اقليميا ودوليا، لكسب التأييد والحشد لموقف عالمي يكبح جماع اسرائيل التوسعية، ويبرز دور وأهمية حل الدولتين كسبيل منطقي لاحلال السلام.

يقول أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبدالله توفيق كنعان: إن السياسة الاستعمارية التي تتبعها اسرائيل في فلسطين التاريخية المحتلة، تنطلق في مُجملها من ضرورة تنفيذ أهداف الحركة الصهيونية العالمية، وفي مقدمة هذه الأهداف السيطرة الكاملة على أرض فلسطين، وذلك بالاستناد إلى سياسة الأكاذيب القائمة على التزييف التاريخي وابتداع الأساطير الدينية التي تروج لها إسرائيل عبر اعلامها العالمي، إضافة الى سعي السياسة الاسرائيلية تحقيق هدف آخر، هو السيطرة على الأراضي والثروات العربية وتهديد وجودها وأمنها.

ويتابع: لذلك فإن سياسة الضم هي جزء من هذا المخطط الاستراتيجي الشامل، إذ تريد منه اسرائيل ترسيخ وشرعنة مشروعها الاستيطاني، الذي جعل من الجغرافيا الفلسطينية مناطق مقسمة مبعثرة يصعب توحيدها مستقبلاً، كذلك جعلها معزولة عن محيطها وعمقها العربي، مما يخدم استراتيجية القضاء على مشروع الدولة الفلسطينية التي طالبت بها وأقرتها الشرعية الدولية والمبادرة العربية والاتفاقيات الاسرائيلية الفلسطينية.

ويلفت كنعان الى ان ما ساعد اسرائيل في مساعيها وتنفيذ مخططاتها هو الواقع العربي الحالي، اضافة إلى التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة والعالم مؤخراً، كما يشكل الدعم والمساندة التي تقدمها الادارة الامريكية الحالية قوة مهمة لاسرائيل.

ويتناول مخاطر مشروع الضم الاسرائيلي في حال تنفيذه، فيقول: ان ذلك سيؤدي للقضاء على حل الدولتين بما في ذلك اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، وسيقود لاشعال حالة من الصراع الذي لا يمكن التنبؤ بنتائجه، وسيجعل من قانون الغاب وشريعة القوة سياسة بديلة للشرعية الدولية، لافتا الى وجود مواقف دولية رافضة للضم، منها الموقف الأوروبي، واصوات محذرة منه، في الداخل الامريكي، وفي اسرائيل أيضا.

ويشير كنعان الى شجاعة الموقف الاردني من موضوع الضم، واصفا اياه بالموقف الثابت والراسخ، وعلى الرغم من التحديات الجسيمة، يعلن رفضه لمشروع الضم، لافتا الى ان عقلانية الملك وجهت الدبلوماسية الاردنية لحشد الرأي العام الدولي بخاصة الاوروبي منه، لمواجهة هذا المشروع، كذلك وجه جلالته لبذل المزيد من جهود دعم صمود ورباط اهلنا في فلسطين والقدس وبكل الامكانيات المتاحة ومهما كانت التضحيات وبلغ الثمن.
من جهته يقول استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات الاردنية الدكتور غازي ربابعة: ياتي عزم رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو بشأن ضم مستعمرات الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، في سياق سباق انتخابي، اذ يقترب عدد سكان تلك المستعمرات من 800 الف مستوطن، فيما تعد اسرائيل القدس الشرقية عاصمتها الابدية، وهي وفقا للمفهوم السياسي الاسرائيلي “القدس الكبرى” التي تمتد من منطقة الخان الاحمر في الغور وحتى “عمواس ويالو” في اقصى الغرب على مشارف اللد والرملة، و”من كريات اربع” في الخليل، الى بيت ايل قرب رام الله.

ويضيف، وهو الخبير العسكري والاستراتيجي: أن مشروع الضم هذا ليس بجديد، وليس حصرا بنتنياهو، انما هو مشروع زعيم حزب العمل الاسرائيلي الاسبق ايغال الون، بُعيد احتلال الضفة الغربية عام 1967، وهو ايضا مشروع وزير الدفاع الاسرائيلي في حرب 1967موشي دايان، كما انه جاء في سياق اتفاقية كامب ديفيد.

ويعلق الدكتور ربابعة، وهو استاذ التاريخ العسكري سابقا، ما اريد قوله ان المشروع القديم الجديد، مُخطط لينفّذ على مراحل، متسائلا: أما لماذا تم انعاشه مجددا؟ فلأن نتنياهو يستغل الاوضاع المحلية والاقليمية وانشغال العالم بكورونا، وسياسة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي هو بامس الحاجة لاصوات اليهود في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ناهيك عن ايمان ترامب ومناصريه، بان فلسطين لليهود من النهر الى البحر، في وقت اعتبرت فيه الخارجية الاميركية قرار الضم، “شأنا اسرائيليا داخليا”.


ويزيد: يرصد المراقبون مفارقة لافتة، ففي الوقت الذي تعلن فيه اسرائيل مدعومة بتأييد امريكي عن قضم اراض محتلة، وعلى رأسها مدينة القدس، يُلحظ أن الموقف العربي في حالة صمت وتراخ، ولا يبرز في هذا الوقت الصعب الا الموقف الاردني المشرف، الذي لم يتخل يوما عن دعمه لكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

ويرى الدكتور ربابعة، انه ولتعزيز الموقف الاردني الثابت والرافض لكل المخططات الاسرائيلية احادية الجانب والتي تضرب بعرض الحائط عملية السلام، يتعين على الاردن توسيع دائرة تحالفاته مع الاقطار التي تعارض المخططات الاسرائيلية اقليميا ودوليا، لكسب التاييد والحشد لموقف عالمي رافض لسياسات اسرائيل التي تهدد الامن والاستقرار في المنطقة، مؤكدا ان الاردن تعرض لمواقف اكثر صعوبة من ذلك، بيد انه دائما يخرج اقوى واكثر تماسكا.

من جانبها تقول المفكرة السياسية نوال الفاعوري إن قضية الضم والقضم والتهويد والإستيطان وهدم البيوت وتدمير المقدسات ليس أمراً جديداً بل هو قائم مع قيام دولة الإحتلال، وهذا له علاقة بموازيين القوى الدولية والإقليمية التي أخذت تميل لصالحه بشكل كبير، ولا علاقة له بالإنتخابات، والدليل على ذلك حكومة الوحدة الوطنية التي أقاموها .
وتؤكد إن موقف الأردن مبدئي وجيد، وليكون الموقف الأردني أكثر تأثيرا لا بد ان يدعم بحلفاء اقوياء يساندونه في الوقوف مع فلسطين، وربما يجدهم الأردن في بعض الدول العربية والإسلامية التي تهتم بمقدسات المسلمين وتاريخهم وثقافتهم، مشيرة الى ان المواقف المبدئية والشجاعة تتطلب تضحيات و توحيد جهود الشعوب بناءً على المصالح العليا، بعيداً عن بعض مصادر الإعلام التي تزيف الحقائق لتضليل الناس.

بدوره يقول النائب السابق الدكتور هايل ودعان الدعجة تشكل الظروف والاجواءالاقليمية والدولية فرصة مناسبة للكيان الاسرائيلي للتفكير بضم غور الاردن مع وجود ادارة اميركية داعمة ومنحازه له بشكل غير مسبوق ، مما يضعها امام فرصة تاريخية لاتخاذ هذه الخطوة الاحادية، اضافة الى حالة الضعف التي تعاني منها الدول العربية ، مترافقة مع تراجع ملف القضية الفلسطينية على الاجندات العربية والاقليمية ، واسهم في توفير البيئة الملاءمة لخدمة المشروع الاسرائيلي ، حيث بدأ الحديث وبقوة عن توجه الحكومة الاسرائيلية اليمينية لضم غور الاردن بعد حصولها على ضوء اخضر اميركي تمثل في اعتراف ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالسيادة الاسرائيلية على مرتفعات الجولان وبشرعنة الاستيطان، وسبق ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي ونقل السفارة الاميركية اليها ،وقطع المساعدات المالية عن الفلسطينيين ، ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية واسقاط حق العودة وانهاء ملف اللاجئين.

ويضيف: من المخاطر والتداعيات التي قد تترتب على عملية ضم غور الاردن ، انها تمثل انتهاكا وخرقا للقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية ، وتقويضا لحل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية وعملية السلام وربما تؤدي الى تصفية القضية الفلسطينية ، وجعل الجانب الفلسطيني امام خيار الحكم الذاتي او عيش مواطنيه كمواطنين من الدرجة الثانية على خلفية قيام اسرائيل بممارسة مظاهر عنصرية وتكريس نظام الفصل العنصري .

ويتابع الدكتور الدعجة، كذلك فان الضم سيؤدي الى فقدان الضفة الغربية ل ٣٠% من مساحتها ، وسيفقد الجانب الفلسطيني ٥٠% من المساحة الزراعية ، و٦٠% من اجمالي ناتج الخضار ، و ١٧٠ مليون م3 من المياه، الى جانب احتمال حل السلطة الفلسطينية للإلقاء بمسؤولية الأراضي المحتلة على عاتق الاحتلال الإسرائيلي ، وما يترتب على ذلك من اكلاف امنية ومالية واقتصادية واجتماعية باهظة على الكيان الاسرائيلي ، ونقل الملف الفلسطيني إلى الأمم المتحدة وتحميلها المسؤولية وتسليمها مقاليد الأمور في مواجهة دولة الاحتلال.


ومن تداعيات الضم الاخرى وفقا للدعجة اطالة امد الصراع وتفجير المزيد من العنف وزعزعة امن الحدود الشرقية لاسرائيل واستقرارها والتي تمتاز بالهدوء، وإحياء خيار المقاومة والانتفاضة والعمليات الفلسطينية الهجومية ضد الكيان الاسرائيلي ودخوله في مواجهات مفتوحة مع الشعب الفلسطيني وعناصر المقاومة، إلى جانب إنهاء التنسيق الأمني الذي خدم كثيرا هذا الكيان من خلال كشف الكثير من البنى والعناصر والهياكل التنظيمية الفلسطينية .
ويتابع: كذلك فان عملية الضم ستؤثر سلبيا في مستقبل العلاقات مع الاردن وبمعاهدة السلام, وقد يؤدي قرار الضم الى فتح تحقيق ضد اسرائيل وملاحقات وتقديم لوائح اتهام بحق شخصيات اسرائيلية سياسية وعسكرية من قبل المحكمة الجنائية بارتكاب جرائم، كذلك سيؤدي الى قطع التواصل الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والانساني مع الضفة الغربية.


ويقول الدكتور الدعجة: ان الموقف الاردني من عملية الضم سيستند الى الرهان على القرارات والمرجعيات الدولية والمطالبة بتفعيلها وتطبيقها، عبر توظيفه الدبلوماسية الاردنية التي يقودها جلالة الملك، التي مكنت الاردن من فتح العديد من قنوات التواصل والاتصال بفواعل النظام الدولي انتصارا للجانب الفلسطيني وتأكيدا على حقوقه المشروعة، وهو يضع هذه الاطراف المؤثرة امام مسؤولياتها القانونية والاخلاقية والسياسية والتاريخية بضرورة النهوض بدورها بتفعيل المرجعيات الدولية في هذا المجال، مما يعكس جهود جلالته المكثفة والدؤوبة التي أسهمت في بلورة حراك سياسي دولي داعم للجانب الفلسطيني، تأكيدا على المواقف والمبادئ والثوابت الأردنية تجاهها لتمتعها بالاولوية على الاجندات الملكية كقضية اردنية وطنية واستراتيجية، منوها الى ان الاردن قد حذر من التبعات الخطيرة لأي إجراءات أحادية إسرائيلية تستهدف فرض حقائق جديدة على الأرض، مثل ضم الأراضي وتوسعة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

بدوره يقول الكاتب والمحلل الدكتور ثروت المصالحة: يشكل قرار الضم الاسرائيلي، تحدياً كبيراً للاردن، وللقضية الفلسطينية برمتها، فهو يعني القضاء التام على فكرة حل الدولتين، حيث سيصعب انشاء دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة ، كما يعني اخلالاً بنصوص معاهدة وادي عربة لجهة عدم اتخاذ اي اجراءات احادية من طرفي المعاهدة، تؤثرعلى الطرف الآخر، لاسيما في القضايا الاساسية مدار المباحثات مثل الحدود واللاجئين والقدس وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

ويتابع: وحيث يسارع رئيس الحكومة الاسرائيلية الزمن لفرض الامر الواقع وانجاز عملية الضم مستغلاً الدعم الامريكي اللامحدود، مع اقتراب موعد الانتخابات الامريكية ومستفيداً من انشغال العالم والمنطقة بجائحة الكورونا وآثارها الاقتصادية، يجتهد الاردن بقيادة جلالة الملك في محاولة منع الضم، وذلك من خلال حملة دبلوماسية نشطة يقودها جلالته مع الشركاء الاوروبيين في محاولة لثني ولجم اندفاعة نتنياهو تلك.


وفي تطور لافت، كما يزيد الدكتور المصالحة، يبدو أن تغييرا ما طرأ على الموقف الامريكي حيال دعم مشروع الضم، بعد رسالة وزير الخارجية الالماني للاسرائيليين خلال زيارة له لتل ابيب، تمحورت حول معارضة الاتحاد الاوروبي لاجراءات الضم والتهديد بفرض عقوبات على اسرائيل، الامر الذي ربما اسهم في تاجيل تنفيذ نتنياهو لقراره، والذي بدأ يُلمح للاكتفاء في هذه المرحلة بضم المستوطنات فقط دون غور الاردن.

Share and Enjoy !

Shares