قال جلالة الملك عبدالله الثاني، الثلاثاء، إن السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مبني على حل الدولتين، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
وأضاف خلال خطابه في الجلسة العامة للاجتماع الخامس والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه لا يمكن الوصول إلى حل لهذا الصراع، دون العمل للحفاظ على القدس الشريف كمدينة تجمعنا ورمزاً للسلام، لجميع البشرية.
وقال الملك “كصاحب الوصاية الهاشمية، من واجبي الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ولكنّ مسؤولية حماية المدينة المقدسة تقع على عاتقنا جميعاً”.
وتاليا نص الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس،
السيد الأمين العام،
أصحاب الفخامة،
إنها بالفعل أوقات غير اعتيادية في تاريخنا وفي تاريخ الأمم المتحدة، فنحن نجتمع اليوم عبر تقنية الاتصال المرئي لأول مرة منذ 75 عاماً، وهو عمر الأمم المتحدة، فيما يواصل عالمنا مجابهة وباء كورونا وتداعياته بعيدة المدى، وتتطلع شعوبنا إلينا لكي نقودها في تجاوز المجهول بحنكة وشجاعة.
وهو أمر لا يصدق، كيف بدأ كل شيءٍ بفيروس لا يرى بالعين المجردة، أصاب شخصاً واحداً في ركنٍ من أركان العالم، ثم توسع ليهز أساسات نظامنا الدولي، واقتصادنا العالمي، والبشرية بأكملها.
سيكون أمراً لا يصدق أيضاً، إن لم ندرك من هذه التجربة، مدى الترابط فيما بيننا جميعاً، فلا يمكننا التغلب على هذا الفيروس بالانطواء على أنفسنا، لأنه لا يتوقف عند الحدود بين الدول، وكذلك يجب أن يكون التعاون بيننا.
لا يمكننا التغلب على “كورونا” وتداعياتها، إلا عبر تجديد التكامل في عالمنا، وإعادة ضبط العولمة، بحيث تصبح سلامة شعوبنا وازدهارها هما هدفانا الجوهريان، ونستثمر في إمكانيات كل بلدٍ ونقاط قوته وموارده، لتشكيل شبكات أمانٍ إقليمية، تحافظ على تدفق الإمدادات الحيوية دون انقطاع، لتهيئنا بشكلٍ أفضل، للتعامل مع العالم ما بعد الجائحة.
أصدقائي،
سيكون نقص الغذاء من بين التحديات العديدة التي سيتعين علينا مواجهتها، وعلى نطاقٍ أوسع بكثيرٍ من العقود السابقة. وقد بدأ ذلك بالظهور بالفعل، فنحن نرى تهديداتٍ للأمن الغذائي في لبنان، ونرى الجوع يهدد مجتمعات اللاجئين المعرضة للخطر في منطقتنا، والمجتمعات التي تعيش بالفقر في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ومناطق أخرى.
إن التحضير لهذا الخطر أولويةٌ رئيسيةٌ للأردن، ونحن أيضا على استعدادٍ لفعل ما بوسعنا للمساهمة في مساعدة منطقتنا وأصدقائنا، من خلال توجيه قدراتنا للعمل كمركزٍ إقليمي للأمن الغذائي.
وإيماناً منا بأهمية الأمن الغذائي للأجيال القادمة، فنحن ملتزمون بقوة بالحفاظ على المصدر الرئيسي لاستمرار الحياة البشرية، وهي البيئة التي نعيش فيها.
وانطلاقاً من إيماننا بأن حماية البيئة الطبيعية ستفضي في المحصلة إلى حماية كل ما في الوجود، أعد الأردن ميثاقاً، سيعرض أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يمنح أنظمة بيئية محددة، والكائنات الحيّة من نباتات وحيوانات، الحق القانوني بالحياة، وبالتالي، يضمن استمرارية وجود البشرية. إن هذه المبادرة تتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والتي تساهم في الحفاظ على البيئة، لضمان ازدهار عالمنا.
أصدقائي،
وضعت أزمة “كورونا” مرآة أمام عالمنا، لترينا نقاط ضعف نظامنا العالمي، وهكذا، فإنها قد تمنحنا ما يمكن وصفه باللحظة التاريخية لإعادة النظر في دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، لتصبح أكثر تأثيراً في التعامل مع التحديات القديمة والجديدة، سواءً أكانت أوبئةً أو صراعاتٍ محتدمة. وما دام الظلم وانعدام السلام مستمرَّيْنِ في أي مكانٍ في العالم، على الأمم المتحدة ألا تكلّ وأن تستمر في العمل، وعلينا نحن أيضاً أن نواصل العمل بهذا الاتجاه.
إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو الصراع الوحيد الذي بدأ منذ تأسيس الأمم المتحدة، وما زال يتفاقم إلى يومنا هذا. والسبيل الوحيد لإنهاء الصراع المركزي في منطقتي، مبني على حل الدولتين، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. والطريق الوحيد نحو السلام العادل والدائم يجب أن يفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة، والقابلة للحياة، على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، لتعيش في أمن وسلام إلى جانب إسرائيل.
ولا يمكننا الوصول إلى حل لهذا الصراع، دون العمل للحفاظ على القدس الشريف كمدينة تجمعنا ورمزاً للسلام، لجميع البشرية. وكصاحب الوصاية الهاشمية، من واجبي الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ولكنّ مسؤولية حماية المدينة المقدسة تقع على عاتقنا جميعاً.
أصدقائي،
انضم الأردن إلى الأمم المتحدة بعد عقدٍ من تأسيسها، ومنذ ذلك الوقت، عملنا بكل طاقتنا كعضوٍ في هذه المنظمة، للسعي نحو تحقيق السلام العالمي والتنمية المستدامة. وفي الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس هذه المنظمة المهمة، ما زلنا ملتزمين بأهدافها في بناء عالمٍ أكثر ازدهاراً وسلاماً وتقبلاً للجميع. ونحن نرى في هذه الفترة الدقيقة التي نمر بها، فرصةً لتحقيق هذه الأهداف.
دعونا نستفيد من هذه الفرصة لنكون أكثر جرأةً في طموحاتنا، وأكثر جرأةً في أفعالنا، وأكثر جرأةً في إيماننا بقدرتنا على النجاح.
شكراً جزيل