31.1 C
عمّان
الأحد, 30 يونيو 2024, 18:24
صحيفة الأمم اليومية الشاملة

أسس إختيار الفريق الوزاري ما بين النظرية والواقع

جرت العادة في الأردن بعد خطاب التكليف السامي أن يقوم الرئيس مباشرة بالتفكير بالطاقم الوزاري والذي عادة ما يكون في اللحظات الأولى الشغل الشاغل للرئيس بالبحث عن كيفية الخروج بفريق مميز يحقق المتطلبات ويتوافق مع خطاب التكليف السامي بأعلى درجة من الفاعلية في حدود الامكانات المتوفرة.

ويبدأ الرئيس جولته في عصف ذهني لم يمر به من قبل في حياته ويبدأ بتقليب شريط مساره المهني والسياسي وحصر الأشخاص المميزين الذين قابلهم وتركوا طابع مميز لديه بسبب كفائتهم ونزاهتهم في العمل العام.

وفي الآونة الاخيرة بدأنا نسمع عبارة ترددت في أكثر من موقف وهي انسجام الفريق الوزاري واسرع ما يتبادر للمتابع هي عبارات الضد بالمقابل أي انقسام الفريق الوزاري ُطرح السؤال متى يكون الفريق الوزاري منسجما ومتى يكون منقسما وللبحث عن وهنا وللبحث عن جواب يجب علينا البحث في معايير وأسس اختيار الفريق الوزاري السليمة والتي تبدأ من شخص الرئيس الذي يجب أن لا ينقسم على نفسه منذ اللحظة الاولى لتكليفه فكيف ينقسم الرئيس على نفسه وماهي العقبات التي يواجها الرئيس في اختيار فريقه الوزاري وهنا ايضا يجب ان نتطرق لأنواع الرؤساء قبل البحث في الفريق وهناك أربعة أنواع من الرؤساء او اكثر وقد يكون بينهما تقطاعات.

الرئيس المتشدد

وعادة ما يكون الرئيس المتشدد من دوائر المؤسسة العسكرية أو المشابه لها أو من دوائر العمل العام المرتبطة بالقوانين او دوائر العمل العام المرتبطة بإدارة الاموال وهذا الرئيس يعتبر من الندرة لعدم قدرته في معظم الأحيان على تشكيل الحكومات وعادة ما تكون مشكلته دائما مع الاشخاص من حيث المبدأ والتشدد والطوعية والالتزام بالبرامج العامة واكثر ما يميز هذا الرئيس إن وجد انه يعمل ضمن اطار الامان العام ويبتعد عن المخاطر ويعمل ببطء شديد لغايات التطوير وهو عادة ما يكون من المدرسة الكلاسيكية القديمة التي تجمع ما بين العمل العام الخدمي وما بين السياسة المتشددة وهذا النوع من الرؤساء لا يصمد طويلا لانه لا يستند بشكل رئيسي على البرامج العامة قصيرة المدى والتي عادة تصاحبها المخاطر ولديه قصورعام في مجال التطوير الاقتصادي وايجاد الحلول للازمات الاقتصادية الطارئة اما هاجسه الأكثر تشددا هو الحفاظ على النظام العام ويعمل على ديمومة الاستقرار وعادة ما يكون تمثيله السياسي متوسط.

الرئيس الاكاديمي أو صاحب النظرية

وهذا الرئيس غالبا ما يكون من المجتمع الوسطي يعنى بالدراسات وهو منظر مبدع لم يكن يوما يعمل ضمن مجال التطبيق كقائد ميدان يرى الواقع من منظور علمي ولا يؤمن بالتخبط ويركز اكثر في مجال العلاقات الانسانية ويعمل على تطويرها يبتعد عن التحديات لحداثة خبرته في قيادة مختلف القطاعات اوارقه كثيرة ويصطدم في الواقع في مجال المتابعة والاستمرارية في تنفيذ الخطط وتنفيذ الاستراتيجيات على الرغم من كثرة اجتماعاته وهو سريع التحول في البرامج العامة واكثر ما يميز هذا الرئيس بأنه من ذوي الشفافية ويعلق الاخطاء او القصور في برامجه لاحداث سابقة ويحتاج الى وقت اكثر من غيره للبدء في التطبيق وهو دائما معني بالفرعيات في العمل العام ويفقد بوصلته في رئيسيات العمل العام لكثرة انشغاله بالتفاصيل والتي عادة ما تكون مرتبطة بالنظرية والتي يعتبرها المثل الاعلى والمعيار الصحيح لغايات التطبيق وهو دائما يفقد كثيرا من الوقت في البرامج العامة ولديه شغف دائم في خلق حالة عامة من العدالة الاجتماعية وغالبا ما يكون من ذوي القصور في التمثيل السياسي للدولة .

الرئيس القادم من دوائر الاعمال والربحية

وهذا الرئيس اهم ما يميزه البحث الدائم عن النجاح ويعتمد مبدأ الربحية كمعيار في تقييم اداؤه ويواجه المشاكل في اسقاط خبراته وتجاربه على العمل العام ويعتمد في مسيرته على تجارب الاداء لكافة القطاعات وهو اكثر استعدادا لتطبيق التجارب السابقة في الدول المتقدمة مقتبس ومقلد على الرغم من انه صاحب افكار ومبتكر في التفاصيل ويبحث عن تطويرها وهو الرئيس الاقرب للواقع العام نظرياً. مبدأ الاستثمار اساس عمله وهو دائم البحث في الخطط والبرامج التنموية قصيرة المدى مفاوض ماهر وله سقطات عادة ما تعيده للمربع الاول والبدء من جديد يؤمن بتوزيع الادوار ضمن حدود اللامركزية وهو معني ايضا بدوائر الرقابة المختلفة تمثيله السياسي دائما منقوص وطابعه العام انه الابعد عن البرامج العامة للطبقات المتوسطة والفقيرة وهو الرئيس الاكثر عرضة للرقابة والانتقاد ويبقى دائما تحت المجهر الشعبي في كافة تصرفاته وقراراته وادوات التشكيل التي يتبعها وعادة ما يصاحب عمله كرئيس الكثير من الانقسامات وفريقه دائما في حالة عدم انسجام وهذا الرئيس دائماً يعنى بالإعلام الغير رسمي ويتأثر به سلبياً وإيجابياً بسبب المرجعية الأولى وهي المال والأعمال والربحية.

الرئيس من دوائر العمل العام المعينة والمنتخبة

وهذا الرئيس يشكل حالة امتداد للعمل العام يخلو من التجديد وعادة ما يسير على نفس النسق بالروتين العام ولا يملك فكرا متجددا لغايات التطبيق يؤمن بالتنسيق وكثير المراسلات ويلجأ للأحكام العامة في طرح مبادراته ولا يأتي بشيء جديد . يركز على اعادة الهيكلة في تصحيح الأمور ولا يفقد بوصلته ولكنه وسطي في اتخاذ القرارات ويعتمد على البرامج طويلة المدى في تحقيق الأهداف وفريقه الوزاري عادة ما يكون من اصحاب الخبرات في العمل العام ويؤمن بالمركزية كداعم لدوائر الرقابة في مختلف القطاعات ولا يملك اي تصحيح في المسارات الاقتصادية وتسكن البيروقراطية في مختلف مفاصل ادارته ويستند الى البروتوكولات العامة المختلفة في اتخاذ قرارته ويعتمد القانون كفيصل في انتقاد الدوائر المختلفة وإنصاف حكومته واهم ما يميز هذا الرئيس تمثيله السياسي الذي يغلب في واقع العمل العام الخدمي وفريقه الوزاري عادة ما يكون منسجم في الظاهر العام ويخلو من الانسجام في الباطن وتشوبه التكتلات بسبب الفجوة الدائمة ما بين الرئيس والفريق .

ومن هذا البحث يمكننا تصنيف مسارات التشكيل للفريق الوزاري ما بين الواقع والنظرية ضمن المعايير المحددة واسقاطات الدوائر الأخرى ومن هنا تبدأ جولة الرئيس المكوكية في التشكيل ضمن وقت محدد لا يسعفه دائما في تطوير فريقه الوزاري بالشكل المرضي والمطلوب وأول ما يعصف بذهن الرئيس الجديد الفريق الوزاري السابق . وتبدأ جولته الاولى ضمن البدائل المحصورة بالفريق السابق بالبحث عن نخبة النخبة ضمن معيار تقييمي غير اساسي يشمل عهد الوزارة السابقة ودور كل وزير ويأخذ الرئيس في ذلك التقييم ثلاثة مبادئ اولها مبدأ الجدارة والمقصود بهذا المبدأ هل هناك من هو اجدر من هذا الوزير من خارج الفريق السابق ُ وهنا يبحث الرئيس في دوائر معرفة لديه سواء على المستوى الشخصي او العاملين في مختلف دوائر الدولة أو المتقاعدين منها ويتراجع هذا المبدأ  كاساس في التقييم كلما قلت معرفة الرئيس على المستوى الشخصي وقلت معرفته بالدوائرالمختلفة.

اما المبدأ الثاني فهو مبدأ النزاهة في العمل العام وهذا المبدأ يرتبط بشخص الوزيرومدى أمانته في متابعة كافة الاعمال الموكولة له بشفافية وموضوعية وتفاني واخلاص وهذا بدوره يشكل عاملا مهما في انتقال الوزير للفريق الجديد. أما المبدأ الثالث فهو مبدأ خفي لا يتم مناقشته علانية ويبقى محصور ضمن دوائر الرئيس المغلقة وهو مبدأ التبعية والمحسوبية ويعتمد هذا المبدأ في التقييم الرئيس نفسه وليس أحدا من فريقه وهذا المبدأ هو الأكثر سببا في التأثير بشكل ايجابي او سلبي في موضوع ما يسمى بإنسجام الفريق الوزاري والذي ينعكس لاحقا على مدى انجاح الفريق الوزاري في تنفيذ البرامج العامة.

وبعد الانتهاء من هذه المرحلة يبدأ الرئيس جولته الثانية في تشكيل الفريق الوزاري واكثر ما يشغله الوزارات التي لها الاثر الكبير في إنجاح حكومته وخاصة وزارة الخارجية ووزارة المالية ووزارة التخطيط ووزارة الداخلية ووزارة الصناعة والتجارة ويضع جل تركيزه وبحثه في الخيارات التي تناسب تلك الوزارت اخذين بعين الاعتبار ان وزارة العدل هي ايضا من الوزارات الحساسة ولكن لوفرة البديل فيها وسهولة الخيار ضمن نطاقين واسعين اولها الجسم القضائي وثانيهما قطاع المحامين ونظرا للوفرة الكافية تكون مهمة الرئيس في الاختيار اسهل بكثير في هذه الوزارة مقارنة بالوزارات الحساسة الأخرى.

اما المرحلة الثالثة التي ينطلق بها الرئيس باحثا عن استكمال فريقه الوزاري يأتي على باقي الوزارات وعادة ما تكون ضمن خيارات مختلفة ومتعددة يظهر بها اسماء جديدة يأمل بها الرئيس إحداث نوعا من الفرق عن سابقات عهدها 

إن النتيجة الاستدراكية في مواجهة العقبات في التشكيل الوزاري يأتي ضمن العوامل التالية:

اولا: العامل الزمني وتعتبر الفترة الزمنية ما بين التكليف والتشكيل هي فترة قصيرة جدا وتؤثر سلبا على التشكيلة النهائية للفريق.

ثانياً: عامل الجدارة ويعتبر هذا العامل من العوامل المهمة في التشكيل ويحتاج لطرح اكبر كم من البدائل المتاحة حتى يحقق أعلى درجاته كمعيار للتقييم في تشكيل الفريق الوزاري.

ثالثاً: عامل النزاهة وهذا العامل هو صاحب الدور الرئيسي في انجاح تشكيلة الفريق وشفافيته مستقبلا وهو من أكثر العوامل التي يجب التأكد منها قبل التشكيل خلال مرحلة البحث عن الفريق الوزاري.

رابعاً :عامل التبعية والمحسوبية وهو عامل مخالف للموضوعية سواء كان لشخص الرئيس او الوزير لاحقا ضمن تشكيلة الفريق وإن ظهر هذا المعيار في التقييم فإنه سوف يؤثر سلباً على باقي المعايير الأخرى في إجراء التقييم خلال فترة التشكيل.

لذلك يحتاج تشكيل الفريق الوزاري الكثير من التأني والتفكير والبحث . ويجب أن يتوافق مع كتاب التكليف السامي والذي بدوره يشكل عنوانا رئيسيا للمسار العام للفريق في وضع الخطط وتنفيذ البرامج العامة التي تحاكي الواقع وتلبي المتطلبات.

أما النتيجة الختامية في كيفية تعيين الفريق الوزاري وتشكيله ضمن الأسس والمعايير القابلة للتطبيق عملياً وبما يتناسب مع الواقع العام وينسجم مع مكونات كتاب التكليف السامي فإنه لا بد أن يحظى الرئيس المكلف بفرصة أخرى في التشكيل دون المساس بأداء الرئيس خلال بحثه الأ ُ ول في التشكيل وهنا فإننا نقترح أن يتم إستبدال ما ظهر مؤخرا من عرف المئة يوم الأولى للفريق وإستبداله بآلية أخرى أكثر قابلية في التطبيق وتناسب الواقع العملي في قياس مستوى الأداء للفريق بحيث أن تكون المئة يوم الأولى للفريق هي بمثابة قياس لتجارب الأداء دون الإلتزام بتثبيت الوزير في الفريق وإعطاؤه صفة الوزير رسمياً ما لم يكن قد تجاوز المئة يوم الأولى وتعتبر هذه الفترة كافية للرئيس في استخدام كافة المعايير السابقة في تقييم الأداء والخروج بفريق وزاري مكتمل ويحاكي الواقع العام ويتفاعل مع كتاب التكليف السامي في تنفيذ الخطط والبرامج العامة للدولة.

وفي نهاية هذا البحث الذي تناولنا به أسس ومعايير التشكيل للفريق الوزاري يجب أن يميز الرئيس ما بين أنه يتبع الخطوات والتدابير العلمية والعملية اللازمة في تشكيل الفريق وما بين الإنقسام على نفسه منذ اللحظة الأولى للتكليف ويجب على الرئيس إستبعاد العامل الرابع في التقييم وهو عامل التبعية والمحسويبة حتى يصل إلى أعلى مستوى في إنجاح التقييم والخروج بفريق وزاري متميز.

إعداد الباحث المتخصص في إدارة الحكومات

محمد مياس

Share and Enjoy !

Shares