لقد آن الأوان، ان تتغير كل وسائل محاربة الفساد في الأردن، اذ هناك من لا يريد ان يتوقف عن الأخطاء والخطايا، التي تمس المال العام، وتقدم صورة سلبية عن الأردن.
هناك قوانين تحارب الفساد، وهناك هيئات وجهات مختصة، بعضها يعمل بشكل استباقي، وبعضها بشكل لاحق، لكن النتيجة واحدة، اذ هناك قضايا فساد مختلفة، تحت مسميات متنوعة، من الافراط في الصلاحيات، او تجاوزها، مرورا بالتعيينات، وتسخير المؤسسات لمصالح شخصية، وصولا الى الفساد الكبير المرتبط بالمشاريع او العطاءات وغير ذلك.
المشترك بين كل هذه الأنماط ان الفساد ما يزال قائما، برغم كل الضخ السياسي، والإعلامي، والشعبي، ضده، وتجريم انماطه، وحجمه كبيرا كان ام صغيرا.
الذي يقرأ تقرير ديوان المحاسبة للعام 2019، يدرك ان الفساد متنوع من حيث شكله القانوني، وان هناك من يتجرأ على المال العام، ولو عدنا الى تقارير الديوان للأعوام السابقة لوجدنا ان هناك مخالفات جسيمة، بعضها تم التعامل معها، ورد المال الى الخزينة، وبعضها ما يزال قيد الجدل والنقاش والمتابعة القانونية من الجهات المختصة.
الفساد موجود في اغلب دول العالم، وليس في الأردن وحسب، لكننا هنا نتحدث عن تحولات كبرى، تفتح التساؤلات حول الملفات المخفية، والتي لم يتوصل احد لأي معلومات حولها.
لقد تسببت الديمقراطية في الأردن، بأثر إيجابي، اذ باتت كل الملفات من التهرب الضريبي بمئات الملايين سنويا، مرورا بقضايا العمولات والفساد حولها، وصولا الى الرشى الصغيرة، مطروحة للنقاش، لكن اللافت للانتباه هنا، ان هذه الممارسات لا تتوقف، برغم كل الإعلانات السياسية، حولها، واتخاذ قرارات بشأن ملفات فساد من أنماط مختلفة.
الحكومة الحالية، قد تجد تصورا جديدا لمحاربة الفساد في الأردن، خصوصا، ان القصة لا تقف عند حدود تقارير ديوان المحاسبة والمخالفات الكبيرة او الصغيرة فيها، وقد قيل مرارا ان كل المؤسسات والدوائر الخدمية ذات الصلة بالجمهور، او التي على علاقة بالتقديرات المالية، بشتى أنواعها بحاجة الى فتح العيون بشكل مختلف، وهناك أربع مؤسسات لا بد من التدقيق حولها، دون اتهامات مسبقة، كون طبيعتها مرتبطة بالمال او احتياجات المواطنين، وهذه أرضية مناسبة لتفشي الفساد، وهذا الكلام لا يأتي على بساط توجيه الاتهام لأحد، حصرا، لكن من باب الحض على التنبه، وإدارة المشهد بطريقة صحيحة.
بعض المسؤولين حين تتحدث اليهم، عن ملف الفساد، يقولون لك ان هناك مبالغة، ومحاولة لتشويه سمعة الأردن، وان الفساد بات انطباعيا، ويزيدون لك من الشعر بيتا، ويقولون اين الأدلة على ما يقال، ولماذا لا يتقدم الناس بأدلتهم في ظل وجود حماية قانونية لمن لديه معلومات، والرد هنا سهل، اذ ان حالة الفساد تتم مع إجراءات احترازية كثيرة من جانب الفاسد، تجعل الدليل غائبا او ضعيفا، كما يفضل اغلب الناس، ان يتجنبوا الإبلاغ عما لديهم من معلومات، حرصا على انفسهم، وتجنبا لأي مشاكل لاحقة.
لقد تسببت كثرة الحديث عن الفساد، حتى في التقارير الرسمية الموثقة لهذه الحالات، بحالة من عدم الثقة، وهي حالة لا بد من معالجتها، بطريقة مختلفة، خصوصا، كما اشرت في البداية الى ان المحاربة الرسمية للفساد، عبر طرق عديدة، من بينها تقارير ديوان المحاسبة، تثبت ان كثرة لا تتوقف عن افعالها، ولا احد يمنع نفسه من الاستفادة من موقعه.
حين ينظر الناس الى ارقام المديونية، والعجز، المتوارثة حكومة بعد حكومة، يكون الانطباع العام عند اغلبيتهم، ان الفساد هو الذي تسبب بكل هذا المشهد، وفي حالة ثانية تعتبر الغالبية الشعبية، ان سوء إدارة المال العام، هي التي اوصلتنا الى هذه الحالة.
تغيير وسائل محاربة الفساد، وفتح العيون على مؤسسات كثيرة، وعلى اشخاص كثر، هو وحده الذي يحارب الفساد، خصوصا، حين يصير الفساد الصغير شائعا.
لعل رئيس الحكومة، وفريقه، يجمعون كل الجهات ذات الصلة بالحرب على الفساد، ويعصفون ذهنيا، لمراجعة القوانين المرتبطة بملف الفساد، وآليات الحرب على الفساد ووضع المؤسسات التي مهمتها محاربة الفساد، واين هي نقاط الضعف في هذه القصة، حيث لم تعد وسائل وانماط محاربة الفساد كافية، ولا بد للحكومة الجديدة تغييرها.
لعلهم يدركون خطورة الوباء الذي نعيشه، وهو اخطر من كورونا بكثير…أليس كذلك؟.