يبدي رئيس مجلس النواب الجديد النائب عبد المنعم العودات تفاؤلاً واضحاً بمجلس نيابي مختلف وبقدرته على أحداث فرق، استهلال طيب وتمنيات مشروعة، وليس متوقعاً من شخصية برلمانية تعتلي موقع الرئاسة أول مرة أن تقول خلاف ذلك.
الرئيس كان حاضراً في المشهد النيابي ويعرف العمل البرلماني وتعقيداته وتشابك الأدوار والتحالفات وصراع المصالح. الأيام وحدها هي من تؤكد تمنياته التي نأمل أن تتحقق فمخزون الإحباط من الأداء البرلماني لا يحتاج لدليل أكثر من العزوف عن المشاركة في الانتخابات بنسبة كبيرة.
العودات شخصية برلمانية برزت خلال البرلمانين السابقين من خلال ترؤسه اللجنة القانونية أكثر من دورة، حضوره كان لافتا في إقرار قوانين مهمة، خبرته القانونية كمحام ممارس وشخصيته المتوازنة البعيدة عن الصدام والاستعراض ساهمتا على ما يبدو في وضعه تحت نظر دوائر صناعة القرار ولم يكن مفاجئاً ابداً أن يتولى موقع رئاسة الغرفة البرلمانية الأولى.
لم يكن متوقعاً وفي ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة التي قدمت 98 نائبا لأول مرة وبنسبة 75 % من المجلس ألا تنعكس بالضرورة على تغيير الرئاسة في إطار الرغبة ببروز شخصيات برلمانية جديدة تتسق أيضاً مع التغيير الحكومي الذي سبق الانتخابات النيابية بشهر والتي اكتفت فيه حكومة الدكتور الخصاونة بعودة ثمانية وزراء فقط من الحكومة السابقة.
المصادفة أيضا التي يمكن أن تساعد على انسيابية وسلاسة العلاقة بين رئاسة الحكومة ورئاسة النواب هو وجود شخصيتين قانونيتين على رأس الحكومة والنواب وإن كان رئيس الحكومة أيضاً شخصية سياسية ودبلوماسية.
اللجنة القانونية واللجنة المالية هما أهم لجنتين تحرص أطراف اللعبة السياسية على الحضور فيهما، السلطة التنفيذية معنية بأن يكون نفوذها الناعم غير المرئي حاضراً بقوة حتى لا تمرر القوانين خارج ما يقرؤه عقلها المركزي وألا تتعرض لضغوط في موضوع الموازنة العامة، المؤكد أن الرئيس الجديد يدرك أهمية الأداء فيهما كمؤشر رئيس.
هناك تعريف دقيق لمصفوفة مصالح الدولة وهي في الأصل عابرة للحكومات وليس بالضرورة أن تتطابق مع بعض الأطراف في البرلمان والقوى السياسية التي قد تذهب ايضاً للدفاع عن مصالحها أو ما تعتقد أنها مصالح ناخبيها بما في ذلك عدم الاخذ في الحسبان كلفة الإصرار حد المغامرة على موقفها من بعض التشريعات أو التلكؤ في إقرارها، هذا طبيعي ومفهوم ومبرر لكل طرف في اللعبة السياسية التي يعتبر البرلمان ساحتها.
المتوقع بعد الرد على خطاب العرش يوم الأحد المقبل البدء في تشكيل اللجان الخمس عشرة، المهم هنا ألا يطغى منطق الترضيات والتوافقات، والأصل اعتماد تخصص وخبرة النائب وبما يضمن حضور جميع الأطياف السياسية وبحسب وزنها النسبي في المجلس وحتى لا يتم تكرار ما كان يجري سابقاً بأن التوافقات على المكتب الدائم يجعل من عضوية اللجان جوائز ترضية.
يدرك النواب انهم جاؤوا في ظروف غير عادية فرضتها جائحة كورونا وامامهم فرصة يمكن استغلالها لعبور هذا التحدي بالعمل الجاد وعقلانية الخطاب البرلماني والانتماء لقضايا الناس الحقيقية دون التنافس على الشعبويات التي استهلكت من رصيد المجالس وصورتها سابقاً وهي مسؤولية حكومية أيضاً بالتعاون مع المجلس وقراءة الأولويات وهو ما اشارت له بوضوح خطبة العرش في افتتاح الدورة غير العادية.
الاشتباك الأول بين الحكومة والمجلس سيكون على الأرجح بداية العام المقبل عند مناقشة بيان الثقة على الحكومة ومناقشة مشروع قانون الموازنة وهي فرصة لتقديم نموذج مختلف مبني على التشاركية المنتجة التي تخدم الجميع عندها يصبح تفاؤل الرئيس واقعياً.