تحتاج الدول إلى عشرات السنين، حتى تبني سمعتها، سواء على صعيد موقف مواطنيها منها، داخل الدولة ذاتها، ونظرتهم اليها، أو نظرة دول العالم إليها.
صناعة السمعة تعتمد دوما على أحد خيارين، إما أن تكون هناك منجزات كبيرة، على كل المستويات، ترتد من حيث أثرها على سمعة الدولة ومؤسساتها، على الصعيدين الداخلي والخارجي، أيضا، وأما أحيانا تركن الى الزيف فتضخمه وتكبره، لحسابات داخلية وخارجية، فيسمع المواطن شيئا، ويعيش شيئا آخر، والنتيجة التراكمية في غاية السوء هنا.
نحن الآن في الأردن سندخل مئوية ثانية، ولا بد من وضع خطة لصناعة السمعة، على الصعيدين الداخلي والخارجي، بعد الأضرار الكبيرة التي نالت من كل القطاعات، وبسبب الأزمات والتراجعات التي نعيشها، ودون هذه الصناعة، لا يمكن أن توحد الجمهور، وتحفظه ذخيرة بقوة مفترضة، ولا يمكن هنا إعادة صناعة السمعة، وتعزيزها على مستوى الدولة والمؤسسات وكل الأسماء، دون منجزات على الأرض، على المستويين الاجتماعي والاقتصادي وبقية المؤسسات، بما يؤدي الى تعزيز الحياة وترقيتها، وحل الإشكالات القائمة، وتحسين القطاعات الجيدة، وحسم الملفات الخلافية، وبلورة رؤية عملية واقعية للمستقبل.
حين تخسر الدول سمعتها، كلياً أو جزئياً، بسبب مشاكل كثيرة، وتراجعات لا يمكن وقفها، وبسبب الأزمات التي لا تعالج بشكل صحيح، وبسبب عدم وجود مشروع محدد للدولة، وسيطرة الاستسلام أمام الأزمات والمشاكل، ستحتاج الى عقود حتى تسترد هذه السمعة.
هنا لا تعني السمعة مجرد الإشادة، والإشارة بشكل إيجابي الى أي بلد، فهي تلخيص للاستقرار، وللعدالة، وللنمو، والرفاه، وهي أيضا دليل على حيوية الدولة، وإدراكها التغيرات، فهي علامة جودة سياسية، لا تحصل عليها أي دولة مجانا، وإذا ادعت دولة ما وجودها، وهي غير موجودة، فإن الوقائع تنسف الادعاء، وتحوله الى مجرد فخر زائف، يثبت الواقع عكسه.
لقد قيل مرارا إن الأردن بحاجة الى مشروع، وإلى فريق يفهم التغيرات، وأن يتخلى عن مبدأ الاستسلام للمشاكل والأزمات، فريق يدير ثنائية، من صناعة السمعة، كونها علامة جودة سياسية، وفي الخط الموازي، قراءة في واقع البلد، على كل المستويات والملفات، من الملف الاجتماعي مرورا بالاقتصادي، وصولا الى بقية الملفات، بما في ذلك تحويل الأخطار في الداخل والخارج، الى عناصر تزيد من تماسك البنية الداخلية، لكن ليس على أساس الشعارات، بل على أساس وجود منجزات، وقد سبقتنا دول كثيرة، كانت في ظروف أسوأ منا، لكنها قررت أن تنهض، وأن تعيد التموضع في كل طبيعة إدارة أمورها، وملفاتها، وحياتها.
صناعة السمعة هنا حساسة جدا، لأن الصناعة الجيدة، لا تعني النفاق والتملق وتحسين كل واقع رديء لإقناع المتلقي أنه غير رديء، بل تعني الذهاب الى جذور الأزمات، وحل الإشكالات من أساسها، بحيث تتحسن السمعة تدريجيا، وتنعكس حتى على الروح المعنوية للناس، وتطلعهم للمستقبل، وهي أيضا تخلصهم من حالة الشك واللايقين، والحذر، والخوف من المستقبل، ودون هذه الصناعة أيضا، لا يمكن أن تقنع مستثمرا أن يأتي بدينار واحد الى هذه البلاد، ولا أن تقنع مواطنا بأن الأمور ممتازة، فيما يرى العكس في كل شيء.
بهذا المعنى تكون السمعة الحسنة، نتيجة قبل أن تكون هدفا، نتيجة لوجود خطة، تتجاوز اليومي، نحو الذي نريده، فلم يؤذنا هنا إلا الإدارة اليومية، بذريعة الأزمات الثقيلة، لكن لا تسمع مثلا، عن حكومة واحدة عقدت اجتماعات مغلقة لتناقش تردي التعليم الجامعي مثلا، أو تراجعات قطاع الصحة، أو ملف الإعلام، أو كيف ينظر العالم لنا، أو تفشي البطالة، أو انخفاض الروح المعنوية، وقضايا كثيرة، كلها متروكة لتصاريف الأيام، بما ينعكس سلبا على سمعة الدولة أمام مواطنيها، وأمام العالم، فيما لا يمكن تحسين السمعة بمجرد أغان وأهازيج تقول شيئا غير الواقع، أو عبر شعارات لا علاقة لها بالواقع، أو عبر تعهدات لا يتم تنفيذها.
لقد آن الأوان أن ننتبه الى سمعتنا داخليا وخارجيا، وإلى أين نذهب، وأن نتذكر أن صناعة السمعة الإيجابية، بحاجة الى مشروع وخطة عمل، وإلى أن صناعة السمعة على مستوى أي دولة في العالم، ومؤسساتها، بحاجة الى جهد، وإلى خبراء، ومشروع وخطة قبل كل شيء.
صناعة السمعة من أخطر الصناعات.