عمّان- لا يتوقف محتوى الرواية على الحكاية فحسب، بل ينطوي على جملة من الرؤى والأفكار والمعتقدات والأخيلة والفنون، وبالتالي فإن الرواية تمثل معمارا تتداخل فيه الأمكنة والناس ونظرتهم للحياة، وعربة تحمل في صندوقها الأشياء المتوافقة والمتضادة.
فالرواية هي عالم، تُرصد فيها تحولات المجتمع من خلال شخصياتها المتحركة التي تصنع الحدث بمآلات لا تبتعد عن ظنونها وأحلامها وهواجسها، التي تجري الأحدث وفق وجهات نظرها من الكون والوجود.
ولا يبتعد الراوي عن ظل الكاتب/ الشخصيات بما تحمل من أفكار وآراء تتوارى أحيانا في بناءات النص بتمويهات متعددة، وهي من التشابك لدرجة يصعب معها على القارئ الفصل بين الواقعة والحدث والمآل الأيديولوجي.
الناقدة د. حنين إبراهيم معالي تصدّت لهذا الموضوع الشائك في كتابها الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان، بعنوان “الرواية بين الأيديولوجيا والفن.. الرواية الأردنية أنموذجا”.
وهي في هذا الكتاب تعيد السؤال الجوهري الذي طالما توقفت عنده أدبيات النقد العالمي والعربي ومقولاته، بالسؤال عن وظيفة الأدب والفن، إن كان “الفن للفن”، أم الفن للتغيير…
اختارت الكاتبة، وهي حاصلة على الدكتوراه في النقد، عشر روايات محدّدة الإطار الزمني في الفترة (2000 – 2015)، لروائيين مكرّسين مثل، سميحة خريس، هاشم غرايبة، جهاد الرجبي، فاروق وادي، ليلى الأطرش، مفلح العدوان، إبراهيم نصرالله، هزاع البراري، جمال ناجي، وجلال برجس.
تتنوع هذه الاختيارات بين أجيال متنوعة من روائيات وروائيين، وتختلف أساليبهم بين المدارس الفنية المتعددة من الواقعية والواقعية السحرية والغرائبية ..إلخ، كما تختلف تقنياتهم الكتابية بين الحداثي والكلاسيكي.
كان السؤال في الدراسة التي تقع في ثلاثة أبواب وخاتمة وقائمة من المراجع عن العلاقة بين الأيديولوجيا بوصفها اعتقادات مسبقة، والرواية يوصفها نصاً متنامياً، وتأثير ذلك على الفن كظاهرة لها قوانينها الخاصة التي تنأى عن الأيديولوجيا.
قدمت الكاتبة التي صدر لها قبل ذلك “الرؤية والتشكيل الفني في قصص جمال ناجي القصيرة” في الباب الأول إطاراً نظرياً لمفهوم الأيديولوجيا وعلاقتها بالمجتمع والعلوم الأخرى واتصالها بالمنهج والأدب والرواية، وتحديداً الرواية الأردنية.
وتوقف الباب الثاني عند دراسة مضامين الروايات، وهي:”رحيل، والشهبندر، والصحن، وعصفور الشمس، وأبناء الريح، والعتبات، وشرفة الفردوس، وأعالي الخوف، وموسم الحوريات، وأفاعي النار”.
ودرست الباحثة في الكتاب الذي يقع في 368 صفحة من القطع الكبير العناصر الفنية في الروايات قيد البحث، وتقنياتها السردية للكشف عن التمويهات الأيديولوجية التي تركت ظلالها على النص.
وخلصت المؤلفة في دراستها الأكاديمية التي نالت عليها درجة الدكتوراه إلى عدد من الاستنتاجات، ومنها: تعدد الرؤى الأيديولوجية بتعدد الروايات وموضوعاتها وتنوع كتّابها، والقضايا التي تثير الصراع.
إن الروائيين بشكل عام يلجأون للتموية والابتعاد عن المباشر في بيان وجهات النظر بإزاء قضية ما، ومن هنا يأتي تنوع الأساليب والتقنيات، مستدركة أن الرواية الرؤيوية للكاتب “تتضمن بعدا أيديولوجيًّا”، حيث تتأث بأيديولوجية الكاتب عبر ما يحمل الروائي من أفكار لشخوص الرواية، وهي ما تتجلى في الأحداث والقضايا الراهنة التي تناولها الروائيون عن القضية الفلسطيينية وقضايا الإرهاب والتطرف والربيع العربي، وفي كل الأحوال فإن الأيديولوجيا بشكل عام لم تقحم في النص، بل جاءت وفق وجهتي نظر خلافيتين، وضمن حوار جدلي لتشكل صورة متكاملة للعمل الفني، ولم تقلل من أدبية النص.
تقول الكاتبة في المقدمة: “إن تعدد المواقف والرؤى في الرواية يجعل العلاقة بين الفن الروائي والمجتمع علاقة متشابكة، وهذا يؤدي إلى القول أنه لا يوجد عمل أدبي بريء تماما من تأثير كاتبه”.
أما الناقد د. إبراهيم خليل ففي تقديمه للكتاب فقد أثنى على جهد المؤلفة لافتا إلى أهمية الموضوع الذي تناولته خصوصا في “الحقبة التي نمر بها”.
يشار إلى أن المؤلفة حصلت على الدكتوراه من الجامعة الأردنية 2018 ولها ثلاثة كتب منشورة في النقد الحديث، ونشرت العديد من المقالات في الصحف والمواقع الإلكترونية.