الإثنين, 3 مارس 2025, 9:03
صحيفة الأمم اليومية الشاملة
حكمة القيادة في مواجهة التحديات: مقاربة سياسية بين صلح الحديبية وقرار التهجير

كتاب واراء

صيحة حق هاشمية

فيصل أسامة النجداوي

‎بقلم: فيصل أسامة النجداوي

‎لم تكن المرة الأولى التي يقف فيها جلالة الملك أمام قادة وشعوب العالم مخاطباً الضمائر الحيّة الساكنة والعدالة الإنسانية النائمة تجاه ما يحدث من جرائم صهيونية بشعة بحق المدنيين والأبرياء أطفالاً ونساءً وشيوخاً.
‎صوت ملكي هاشمي جسور، ينبّه إلى أنّ الأمم المتحدة أمام محك صعب، وأن مجلس الأمن يكاد يكون فقدَ مصداقيته وأضاع بوصلة الأمن في العالم، وأن هذا العالم قد غدا للأقوى لا للأنقى، وأن نار الغضب ستُلهِب الشعوب وهي ترى هذا الصلف والغطرسة وآلة الظلم تُعمِل قتلاً بالأبرياء.!

‎خطاب الملك الواضح والصريح والشجاع كان عنواناً للحق والعدل في زمن تسابقت فيه الكثير من الدول والزعماء لإرضاء القَتَلة والمعتدين والباغين على حساب الآمِنين والمستضعفين والمظلومين، فجاء هذا الصوت الهاشمي ليقول للعالم أنْ كفى ظلماً واعتداءً ووحشيةً وانحيازاً المعتدي والقاتل.!

‎هذا خطاب يجب أن يُدَرّس في كليات العلوم السياسية ومعاهد القانون، فقد وضع النقاط المناسبة على الحروف الصحيحة، وتحدّث عن العدالة من باب الحرص الشديد على سلامة الأمن العالمي وصون الكرامة الإنسانية، ورفع الظلم عن المظلومين شعوباً ودولاً، وكفّ آلة القتل ورفعها عن رقاب الأبرياء في كل مكان.

‎هكذا هم الهاشميون دعاة حق وعدل وسلام عالمي، يكافحون من أجل أن تنال الشعوب المستضعفة حقوقها، وأن تُكَفّ أيدي الظَلَمَة والقَتَلَة والمعندين، فلا أمن ولا تنمية ولا سلام في العالم وفي هذه المنطقة الملتهبة من العالم تحديداً ما لم يقف العالم كله في وجه إسرائيل لردعها عن غيّها وصلفها وهمجيتها واستكبارها واعتداءاتها. ويجبرها على الانصياع للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن تجاه القضية الفلسطينية، وبغير ذلك لن يحل السلام ولن ينعم أحدٌ بالسلام، وستبقى المنطقة على فوّهة بركان.!

‎نرفع رؤوسنا عالياً بشموخ وكبرياء واعتزاز بالخطاب الملكي الرصين لجلالة سيّدنا، أدام الله عزّه وحفظه وأمدّ في عمره، وجعل النصر والفتح والأمن والسلام على يديه.

Share and Enjoy !

Shares

الإدمان العربي على الغرب

د. جواد العناني*

في اقتباس مشهور عن رئيس الوزراء البريطاني الجديد، كير ستارمر يقول فيه إن مشكلتنا مع المسلمين ليست مع قادتهم فنحن نستطيع تغييرهم متى نشاء، ولكن مشكلتنا مع الدين الإسلامي، والعرب هم حملته وسدنته. ومن هنا يأتي الخلاف. وبعبارة أخرى، فإنه يصف الموقف بين العرب والغرب بأنه صراع حضاري.

والواقع أن الغرب الأوروبي قد تراجع دوره بعد الحرب العالمية الثانية، ونما مكانه الدور الأميركي الذي كان قوياً في عدائه للعرب، وفي السعي لتفريقهم. وقد بات من المطلوب حالياً أن نضع دراسة شاملة لتقييم هذه العلاقات. والسبب أن العرب قد أدمنوا الحضارة والمنتجات والخبرات والثقافة الغربية إلى حد الهوس. ولكن، وبعدما ازداد إدراك الدول العربية لحجم مقدراتها، بات الغرب أكثر ميلاً إلى التعامل مع الوطن العربي.

وتحولت العلاقات حتى مطلع القرن الحادي والعشرين من احتلال واستعمار إلى تفاعل اقتصادي واجتماعي وتكنولوجي للاستفادة من فوائض الأموال العربية، وإعادة الميزان التبادلي لصالح الغرب خاصة بعد عام 1973، أو بعد حرب أكتوبر وما تلاها من شراكات ومؤتمرات وندوات واتفاقات واستثمارات وشركات ذات امتياز (Franchises). وقد ساعد الغربَ على ذلك أمران: أولهما تراجع دور الاتحاد السوفييتي وسقوط تلك الإمبراطورية بوصفها دولة منافسة للغرب، والأمر الثاني دخول الصين والهند إلى عالم التكنولوجيا الرقمية والصناعية. وحاجة كليهما في ذلك إلى الغرب المتطور.

ولهذا تمتعت الولايات المتحدة بتفوقها الذي جعلها تقف وحيدة وقطباً واحداً على قمة هرم العالم من حيث القوتين الناعمة والخشنة. وقد بدأ الغرب بعدها يعزز مكانته مستثمراً ذلك الحدث العجيب الذي وقع يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، قبل أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً، حيث حصل غزو للعراق بدون مبرر عام 2003، والربيع العربي منذ 2010 حتى بداية وباء الكوفيد -19، ومن بعده حرب أوكرانيا حتى وصلنا إلى الحرب على غزة، والآن الحرب على لبنان.

ولم يبق من الدول العربية أحد لم يتأثر بما جرى خلال هذين العقدين الأخيرين من القرن الحادي والعشرين. ولكن بعض الدول وجدت لنفسها طريقاً لكي تجتاز تلك المحن من خلال السعي للتفاهم مع الغرب بدلاً من أن تقف أمامه متحديةً. ومن الأمثلة على ذلك الأردن خارج نطاق دول الخليج، ودول الخليج الست باستثناء ما شاب العلاقات الأميركية السعودية بسبب قضية جمال خاشقجي. ولقد وجدت السعودية ضالتها في شخص دونالد ترامب الذي هزم هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016، وعقد صفقات مع السعودية أراحتهم ووفرت لغروره فرصة للتباهي.

المهم أن الوطن العربي بعد كل هذه الأحداث يجد نفسه يتساءل: هل هنالك وطن عربي؟ هل هنالك حتى عالم عربي؟ والبعض ينتقض هذا الاصطلاح من أطرافه حتى يوصله إلى مرحلة التساؤل هل هناك أقطار عربية؟ وما يزال البعض يرى في الوطن بحكم وحدة اللغة والجغرافيا والتاريخ والمصالح أشياء تجمعه نظرياً. ولكنها في الواقع تفصله عن بعضه البعض، كما قال الكاتب والشاعر الإنجليزي الأيرلندي أوسكار وايلد بعد زيارته الشهيرة للولايات المتحدة التي طالت لمدة عام وانتهت عام 1883. وقد قال عام 1887 في تعليق له على المقارنة بين الجزر البريطانية والولايات المتحدة: نحن دولتان متشابهتان ولكن تفرقنا لغة واحدة.

أما العرب، فقد أصبح كل وجه شبه أو تماثل بينهم ظاهرة سالبة تفرقهم. فهم مختلفون في اللغة وأسلوب استخدامها ويستعيضون عنها باللغات الأوروبية، خاصة الإنجليزية ثم الفرنسية، والدين قد فرقهم بين سنة وشيعة إلى غيرها من التقسيمات، وصارت الهوية الدينية الفرعية مرجعيتنا لنحكم على من هم أعداؤنا وأصدقاؤنا، وكذلك التاريخ الذي عشناه يخضع لتفسيرات وإعادة تأريخ من أجل اثارة النعرات والفتن، بدلاً من أن نستخدمه لخدمة المستقبل الجامع. وبلغ التشكيك في رواياتنا التاريخية حداً صرنا نشكو عنده استغراقنا في الماضي بدل البناء والعمل لما هو آت في المستقبل.

ورافق ذلك كله هجمات شرسة على ديننا مأخوذة عن ممارساتنا لهذا الدين، والتي يرقى بعضها إلى حد مخالفة نصوص الدين صراحة. نحن نختلف حول المحرمات، والقصاص، ومعاملة المرأة، وتمكينها، ومفهوم التعامل مع أهل الديانات الأخرى، وحول تعدد الزوجات، والمعاملات المصرفية والمالية، ودور الصحابة من آل البيت، وغيرها. وهذه كلها أوقعت الشباب في حيرة. وقد هرب كثير من شبابنا للتعلم والعمل في الغرب لأنه يوفر فرصاً أفضل، وحياة أكرم، ووطناً أرحب من الوطن العربي الذي تضيق فرص الحياة الكريمة فيه، وتغلق الحدود أمام الحركة بين أقطاره، ويتصاعد التمييز ضد بضائعه، وقد رأينا كل ذلك يسير لصالح الغرب.

وفي عصر العولمة التي هجرها الغرب وأضعف كل مؤسساتها مثل حقوق الانسان، والتعاون البيئي، ومنظمة التجارة العالمية، وحتى منظمة الأمم المتحدة، فإننا وجدنا أنفسنا بعدما رَجوْنا وعدلنا قوانيننا لكي نصبح أعضاء في هذه المؤسسات، أن الشيء الذي كان فائضاً لدينا، وهو المال، قد أصبح مصدر ضغط علينا.

نحن نسلم الغرب المعادي لنا كل مقدراتنا، فأموالنا في بنوكهم، ومؤسساتهم الغربية تستخدم مالنا المودع لديهم لمقاطعتنا وتهديدنا، وكذلك استثمرنا عندهم بمقدار لا يقل عن ( 2) تريليون دولار لنكون تحت رحمة قراراتهم، وأولادنا النجباء نودعهم في جامعاتهم ومدارسهم، وخبراؤهم هم الذين يشيرون علينا بماذا نفعل، وبضائعهم تمثل بالنسبة لنا أغلى السلع وأجودها. ونحتاج خدماتهم البحرية، والمعلوماتية والاستثمارية، للاستفادة من الطاقة الشمسية التي حبانا الله بوفرة منها، وما زال نفطنا وغازنا يستخرج من قبلهم، وينقل عبر العالم بسفنهم. وأفلامنا وكتبنا وقراءاتنا وأدويتنا وأثاثنا يأتي جزء كبير منها من بلدانهم. وذهب الحد في البعض ليقول لنا كما فعل الكاتب الأميركي توماس فريدمان في كتابه الشهير “الليكزس وشجرة الزيتون” حين كتب: “لم تدخل دولتان في حرب بعدما سمحتا للقوس الذهبي (شعار ماكدونالز) أن يدخل حدودهما ويفتح فروعاً له فيهما”.

وجاءت حرب غزة، فرأينا أن الحب والانبهار الذي نكنه للغرب الذي يكرهنا ولا يريد مهاجرينا ويهاجم كل شيء يشكل هويتنا لم يكن متبادلاً على الاطلاق. صحيح أن بعضهم مدفوعاً بما يعلمه عن تاريخ إسرائيل الأسود، أو بحكم معرفته بمواطنين من أصول عربية، أو بحكم إيمانه الديني الأصيل وفهمه الأساسي للمسيحية، قد خرج للشوارع مؤيداً ومؤازراً الأهل في قطاع غزة وشاجباً الوجه الإسرائيلي القبيح، ولكن هذا لا يغير رأي الأكثرية في أنهم تربوا على كره الإسلام والخوف منه، واتهام أهله بالبربرية.

وبدا واضحاً أن المقاطعة العربية للبضائع الأميركية والأوروبية، خاصة شركاتهم الكارهة للإسلام أو المؤيدة لبطش الاحتلال والضالعة في تمويل إسرائيل وعدوانها ومستعمراتها في فلسطين، قد بدأت تشعر بعمق أثر المقاطعة عليها تسويقاً وتمويلاً. وهذه بداية متميزة لأنها فتحت أعيننا على حقيقة أساسية، وهي أن الغرب يربح منا مليارات الدولارات سنوياً، ونحن نغض الطرف عما يفعله بنا من تآمر وقتل، خاصة ضدنا نحن العرب.

إن الغرب يستخدم وسيلة المقاطعة ضدنا دائماً ويهددنا مرة بالحجر على أموالنا في مصارفهم، وتارة بوقف تزويد الأسلحة الدفاعية وقطع الغيار، ومرة بمنع شركائنا من الاستثمار في قطاعات يعتبرونها حساسة، وإذا قمنا نحن بالرد عليهم بإجراءات مماثلة أقاموا الدنيا علينا وما أقعدوها.

لم يعد هذا العالم أحادي القطبية. ونحن كعرب يجب أن نبني استراتيجية لا لكي نصبح متكاملين متوحدين، بل للحفاظ على وحدة الأقطار وكرامتها، ولكي نعزز حدودنا ومشروعاتنا الاستراتيجية لربط اقتصاداتنا مع بعضها البعض، ونعطي أنفسنا حق اختيار الشريك الاقتصادي الذي يعطينا أحسن الشروط.

هذا الافتتان بالغرب بات مكلفاً، وسوف نخسر هويتنا، وحضارتنا، وثقافتنا، وثرواتنا، وأموالنا إن بقي حبنا له على ما هو عليه… أحادي الطرف.

“العربي الجديد”

Share and Enjoy !

Shares

غضبة الملك من أجل غزة وفلسطين

نيفين عبد الهادي

خطاب هو الأهم والأقوى والأعمق، والأجرأ، والأكثر مواجهة لإجرام الاحتلال، خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في دورتها التاسعة والسبعين، خطاب يصعب وصفه أو اختصاره رافقه لغة الجسد من جلالة الملك تحكي غضبته من كل ما يحدث في غزة وفلسطين والقدس والمنطقة العربية.

غضبة الملك أمام أكثر المحافل أهمية على مستوى دولي، نقلها جلالته بالكلمة والإصرار ولغة الجسد للعالم، بعمق سياسي وإنساني لم تشهده المرحلة، وبحسم حازم أن إسرائيل تجاوزت الممكن والمعقول، والمقبول، حتى أضاعت كل ركائز الإنسانية والسلام والعمل الإغاثي، وحقوق الإنسان، وجعلت من كل شيء انتقائيا، ووزعت هذه المبادئ والمعايير على بعض الشعوب التي هي فوق القانون.

الملك عبدالله غاضب، حقيقة نقلها خطاب جلالته الناري أمام الأمم المتحدة، واضعا جلالته الأمم المتحدة والعالم أمام مسؤولياتهم بكل وضوح، بتأكيد على أن إسرائيل تتجاوز الخط الأحمر تلو الآخر، وفي ذلك رسالة تدعو ليقظة عملية وسريعة، وبكل شفافية قال جلالته «بعد مضي عام تقريبا على هذه الحرب، أثبت عالمنا فشله سياسيا، ولكن هذا لا يستوجب أن تخذل إنسانيتنا أهل غزة بعد الآن». عظمة القول وعبقرية الطرح، وجرأة الموقف، الموقف الأقوى منذ أشهر وقوفا بصف الأهل في غزة، ودعمهم أمام أكبر المحافل الدولية، ودعم حقهم، بل وحمايته وصونه.

اختارت إسرائيل مزيدا من العزلة لنفسها، وباتت الكثير من دول العالم تراها على حقيقتها، ويرونها «بعيون ضحاياها» وفقا لجلالته، فقد كشفت نفسها بنفسها بعد هذه الحرب على غزة، التي تعدّ الأعنف والأخطر، ولكن كما قال جلالته يجب ألا تخذل إنسانيتنا أهل غزة، في السعي نحو تحقيق السلام وأن تعيش الشعوب حياة آمنة بعيدا عن الحروب، فلا بد من تحقيق السلام العادل المبني على القانون الدولي والحقوق المتساوية.

وفي رسالة، دعا جلالته العالم إلى الانضمام للأردن لإيصال المساعدات للأهل في غزة، بفرض بوابة دولية للمساعدات وقال جلالته «أدعو جميع الدول للانضمام إلى الأردن في فرض بوابة دولية للمساعدات الإنسانية إلى غزة، كجهد إغاثي ضخم لإيصال الغذاء والمياه النظيفة والدواء وغيرها من الإمدادات الحيوية لمن هم في أمس الحاجة إليها. يجب ألا تكون المساعدات الإنسانية أداة حرب أبدا»، ومن سيضع يده بيد الأردن سينتصر للحق الفلسطيني، وينقذ شعبا جعلته الحرب يحتاج كل مقومات الحياة ومستلزماتها، والأردن ماض ولن يتوقف بهذا الدرب.

وقوف عظيم على كافة تفاصيل المشهد، بدءا من السابع من تشرين الأول 2023، وما شهدته غزة من حرب إبادة وكوارث نتيجة الحرب الإسرائيلية، والواقع الأليم للأهل في غزة، والأسرى، والمجاعة والأمراض، واستهداف موظفي المؤسسات المعنية بالعمل الإنساني، وإيصال المساعدات، واستهداف الأطفال، وغيرها من تفاصيل وضعها جلالة الملك بكل وضوح أمام العالم، ليس هذا فحسب إنما بغضب بدا على ملامح جلالته وحسم بأن عالمنا أثبت فشله سياسيا.

وفي الكلمة الحسم، رفض جلالة الملك أن يُترك للأجيال القادمة مستقبل يحكمه «الاستسلام» هذه هي القوة النادرة والعظيمة يا سيدي، يجهلها الكثيرون، فالاستسلام لم يُخلق للعظماء يا سيد الانتصارات، فهو إرثك يا سيدي الذي تفخر به، وتبني عليه، داعيا المجتمع الدولي إلى التحلي بالشجاعة، حيث قال جلالته «أستذكر كلمات والدي قبل 64 عاما في الدورة الخامسة عشرة للهيئة العامة: «أدعو الله أن يتحلى مجتمع الأمم هذا بالشجاعة لاتخاذ القرار بحكمة وجرأة، وأن يتخذ الإجراءات العاجلة بالحزم الذي تتطلبه هذه الأزمة، والذي تمليه علينا ضمائرنا». لقد كان والدي رجلا قاتل من أجل السلام إلى آخر رمق، ومثل والدي تماما، فإنني أرفض أن أترك لأبنائي أو لأبنائكم مستقبلا يحكمه الاستسلام». عظيم القول والفعل يا سيدي، وخطاب بحجم ما يحتاجه العالم من استنارة للدرب وحلول للأزمات.

الدستور

Share and Enjoy !

Shares

خطاب الملك في الجمعية العامة للأمم المتحدة

د. ليث كمال نصراوين

ألقى جلالة الملك خطابه السنوي في افتتاح الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تجتمع هذه الجمعية في دورة عادية تبدأ يوم الثلاثاء من الأسبوع الثالث من شهر أيلول في كل عام، عملا بالمادة (20) من ميثاق الأمم المتحدة وأحكام النظام الداخلي للجمعية العامة الصادر استنادا للمادة (21) من الميثاق الأممي.

وكالعادة، فقد كان الرئيس البرازيلي هو المتحدث الأول الذي يلقي كلمته في الاجتماع السنوي، حيث ترسخت هذه الممارسة الدولية خلال السنوات الأولى من عمر الهيئة الدولية، عندما كانت البرازيل هي أول دولة تطلب الحديث أمام الجمعية العامة، وذلك بسبب تردد باقي الدول الأخرى في القيام بذلك، وقد بقي هذا التقليد الأممي حتى يومنا هذا. ثم تلاه في ترتيب الكلام الرئيس الأمريكي باعتباره حاكم الدولة المضيفة لمقر الأمم المتحدة في نيويورك.

إن الوصف العام لخطاب جلالة الملك أنه قد جاء ساخطا بكلامه وحادا في انتقاده للممارسات الإسرائيلية، محملا حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عما يُرتكب من مجازر دموية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي ترقى إلى اعتبارها جرائم ضد الإنسانية جرى إدانتها من قبل محكمة العدل الدولية، التي اعتبرت أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو سلوك غير مشروع وفق القانون الدولي، ويتعارض مع الحقوق الأساسية المقررة للفرد بالعيش بحرية وسلام وطمأنينة.

وقد حرص جلالة الملك وفي بداية خطابه على توضيح خطورة الأوضاع الحالية التي تعصف بالعالم اليوم بقوله “أنه طالما قد وقف على هذا المنبر والصراعات الإقليمية والاضطرابات العالمية والأزمات الإنسانية تعصف بمجتمعنا الدولي وتختبره، إلا أنه لا يذكر وقتا أخطر مما نمر به الآن”. فاسرائيل كما وصفها جلالة الملك لا تريد السلام، وأن حصانتها من تطبيق القانون الدولي عليها والتي امتدت لعقود من الزمن قد أصبحت أسوأ عدو لها، “فلسنوات امتدت الأيادي العربية إلى اسرائيل عبر مبادرة السلام العربية وأبدت استعدادها للتطبيع معها مقابل السلام، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت تختار المواجهة ورفضت السلام”.

وفي رده على أية أفكار أو مشاريع يخطط لها الكيان الإسرائيلي تخص دفع الشعب الفلسطيني إلى الخروج من مدنه وقراه، كان جلالة الملك حازما أكثر من أي وقت مضى، حيث أعلن وعلى الملأ أمام المجتمع الدولي رفضه المطلق لفكرة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مؤكدا بأن الأردن لن يكون وطنا بديلا، وبأنه يرفض فكرة حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، فأي محاولة لنقلهم خارج حدود دولة فلسطين تعد جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي.

ودعا جلالة الملك دول العالم إلى التعاون مع الأردن خلال الفترة القادمة لإيجاد بوابة دولية تعمل على إيصال المساعدات الإنسانية بأشكالها المختلفة إلى الشعب الفلسطيني، فأقسى ما يمكن أن يختبره الطبيب هو أن يشاهد مريضه يحتضر وهو عاجز عن علاجه بسبب نقص الدواء والغذاء.

واستحضر جلالة الملك في نهاية كلامه موقف والده المغفور له الحسين بن طلال رحمه الله الذي ألقى خطابه في الدورة الخامسة عشر للجمعية العامة، والذي دعا فيه دول العالم إلى التحلي بالشجاعة واتخاذ قرارات تاريخية تضمن تحقيق السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط.

في المحصلة، فإن هذا الخطاب التاريخي لجلالة الملك في هذه المرحلة الحرجة سياسيا يعتبر فرصة حقيقية لتذكير هيئة الأمم المتحدة بأنها مقصرة في فرض نفسها كجهة دولية تُعنى بالأمن والسلم الدوليين، حيث وصفها جلالته بأنها “تواجه أزمة تضرب في صميم مشروعيتها وتهدد بانهيار الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية، وبأنها تتعرض للهجوم بشكل فعلي ومعنوي وتواجه أزمة تضرب في صميم شرعيتها”.

إن هذه الهيئة الأممية قد أصدرت العديد من القرارات الدولية منذ بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي اعترفت فيها بحقوق متساوية للشعب الفلسطيني بأن ينعم بالسلام والكرامة والأمل، فهذه القرارات قد صوّت عليها قادة دول العالم الذين تقع عليهم مسؤولية قانونية وأدبية بأن يضمنوا تنفيذها، وذلك ضمن الأطر المتاحة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

فأحد أبرز المبادئ التي تأسست عليها هيئة الأمم المتحدة هو حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها وبسط سيادتها على مواردها الطبيعية، ولا يمكن اقرار هذا الحق لشعوب العالم كافة وإنكاره بالنسبة للفلسطينيين. ففي الوقت الذي يرى فيه العالم الإسرائيليين يندفعون في التعبير عن هويتهم الوطنية والدفاع عنها، لا يزال الفلسطينيون محرومين من ممارسة الحق ذاته في التعبير عن هويتهم الوطنية ومطالبهم المشروعة في العيش بحرية وطمأنينة.

* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com

Share and Enjoy !

Shares

خارطة سياسية جديدة

سميح المعايطة

مع اقتراب نهاية العام الأول من العدوان على غزة اختارت إسرائيل أن ترفع وتيرة التصعيد تجاه حزب الله عبر توجيه ضربات قوية من تفجيرات البيجر وأجهزة الاتصال وعمليات الاغتيال للمجموعة القيادية العسكرية الأهم في الحزب وبعدها كانت عمليات القصف الشديدة التي أخرجت عشرات الآلاف من سكان الجنوب بمن فيهم مقاتلون في الحزب من الجنوب نازحون الى بقية لبنان وسوريا.

وفي بقية المشهد تبتعد ايران بشكل واضح عما يجري لحزب الله تماماً مثلما ابتعدت عن عملية حماس قبل عام، بل ان الرئيس الايراني يتحدث عن الأميركان بلغة ودودة وعن استعداد للحوار والتفاوض لكن المرحلة اليوم انتقالية في أميركا ما بين حكم بايدن ومن بعده ان كان ترامب أو هاريس.

المشهد يقول ان اسرائيل حصلت على ضوء أخضر أميركي وصمت ايراني مدفوع الثمن لتغيير بنية ودور وحجم حزب الله عبر ضربات تفقد الحزب اي قوة حقيقية وتضعف هيبته امام العالم وأمام اللبنانيين من خصومه وانصاره، وما تريده اسرائيل إبعاد الحزب عن حدودها وهو امر تحقق في حرب ٢٠٠٦ عندما وافق حزب الله على القرار الدولي ١٧٠١ لكن عادت الامور بعد سنين الى ما يناقض ما تم الاتفاق عليه في ذلك الوقت.

الصورة الكبرى ليست متعلقة بحزب الله لكنها بمشهد نفوذ ايران التي نجحت منذ عام ١٩٨٢ الى اليوم في بناء شبكة ميليشيات تحكم دولها واستغلت القضية الفلسطينية استغلالاً كبيراً مع ان ايران لم تطلق رصاصة واحدة في مواجهة مباشرة مع اسرائيل.

ما بين غزة ولبنان وسوريا مشهد سياسي مختلف قد يحتاج الى وقت ليظهر بشكل نهائي لكنه قادم، فالنظام السوري الذي كانت التفاهمات مع اسرائيل اهم معادلات بقائه منذ عام ١٩٧٠ مرورا بالحرب في سوريا والى اليوم يريد التخلص من السطوة الإيرانية عليه والتي تجاوزت هيمنة الحرس الثوري وعشرات الميليشيات الطائفية التي تتواجد في سوريا الى الهيمنة الثقافية والاقتصادية وحتى اختطاف مؤسسات القرار السوري.

إيران التي تدعو للتفاوض مع أميركا والغرب أوراقها حزب الله وملف غزة وسوريا والعراق واليمن، والتاجر الايراني لن يدفع شيئا بل سيقدم فاتورة حتى من اهم الميليشيات التي تتبع حرسه الثوري، وهذا طبيعي فقد دعمها ليبيعها في سوق الاضاحي اذا قدم له الغرب ثمناً معقولاً، هذا اذا لم تتسع شهية اسرائيل وتوجه ضربات مباشرة الى ايران.

اذا ما ذهبت الامور وفق المخطط الاسرائيلي في تغيير دور حزب الله ووزنه وضرب قوته العسكرية فهذا سيترك أثراً مباشراً على حضور حماس العسكري في لبنان الذي يعمل تحت مظلة الحزب، ويضعف الاخوان المسلمين اللبنانيين الذي يعملون تحت اسم الجماعة الإسلامية الذين يعملون تحت مظلة الحزب، ويترك أثراً على ميليشيات إيران في العراق واليمن فحزب الله هو القناة والوكيل الاقليمي لايران ودوره يتعدى حدود لبنان، ومؤكد ان هذا سيظهر اثره في خارطة الميليشيات في سوريا.

قبل العدوان على غزة كانت خارطة المنطقة اهم معالمها المشروع الايراني وادواته العربية، وكانت بعض دولنا محكومة من ميليشيات وحكوماتها لا تملك أمرها، وكانت القضية الفلسطينية حيث الضفة تحت حكم إداري من السلطة وغزة تحكمها حماس، وملفات مفتوحة في اليمن ولبنان وسوريا، لكن ما كان خلال العام الماضي وما هو متوقع من القادم سيجعلنا امام خارطة سياسية معدلة ليس فيمن يحكمها شكلا لكن بمن يملك القرار، أما الخاسر فهي قضايانا الكبرى.

Share and Enjoy !

Shares

المناهج على المشرحة الشعبية

د. صبري ربيحات

قبل خمسون عاما افتتحت كلية التربية في الجامعة الاردنية وكان عميدها انذاك الاستاذ الدكتور سعيد التل ..وقد كان اولى خطوات ممارسة الكلية الجديدة للسلطة التي تدلل على ولادتها الشروع بتقسيم الطلبة الذين يدرسون التربية وعلم النفس الى قسمين قسم علم النفس وقسم التربية وقد جاء للاجتماع بنا نحن طلبة الفوج الأول من طلبة الكلية استاذان هما كمال دواني من تخصص التربية ومحي الدين توق” على ما اظن” من قسم علم النفس .

استفسرنا وقتها عن ما الذي سندرسه في التربية فسرد لنا الدكتور دواني مواد الخطة التي تتناول إضافة إلى متطلبات الجامعة والكلية عددا لا بأس فيه من الموضوعات من ضمنها الاساليب والمناهج والتقويم وادارة الصفوف والادارة المدرسية وأساليب تدريس الموضوعات والإحصاء والصحة النفسية وغيرها.

كان الاستاذ الدكتور عبداللطيف فؤاد مصري الجنسية هو الاستاذ المتخصص في المناهج وقد الف فيها كتابا ضخما شكل مرجعا اساسيا لعلم المناهج وأساليب وضعها وقد.كنا نستمع لكل ما يقول بعناية ولا اظن انه كان يشعرنا بالملل بالرغم من تقدمه في السن وشعوره الزائد بالثقة والتفوق.

في ذات الوقت كان الحديث في فلسفة التربية والسياسات التعليمية الموضوع المفضل لدى الاستاذ الدكتور سعيد التل الذي كان يرى نفسه اكثر من استاذ جامعي فقد بقيت روح شقيقه الاعز وصفي التل ساكنة في وجدانه وتتبدى كلما طرح موضوع يرتبط بالسياسة حتى وان كان على مستوى التنشئة ومجالس التعليم والفلسفة والاهداف التربوية والخبرات…

لا اظن اني سمعت احدا يكرر مصطلح الإنسان الذي نريد اكثر مما سمعت الدكتور سعيد التل كان يعيده على مسامعنا في كل المناسبات التي نراه فيها ..كنت انظر اليه كمتعهد لملف التعليم اكثر من استاذ يعطي عددا من المساقات ويتجول في جنبات المبنى مطلا على الصفوف.



كان يفعل ما يقوم به رئيس الجامعة عبدالسلام المجالي انذاك. كما كان المرحوم الدكتور أحمد أبو هلال يطل على الصفوف كما يفعل مدراء مدارس الارياف . لقد كان مملوءا بالزهو الذي قد يتحول إلى غطرسة لا نعترض عليها فقد كان رئيس القسم الذي تسمع صوته في كل ارجاء المكان ولا تخلو محاضراته من التهكم الذي يذكرنا بالاباء واساليبهم فقد كنا نهابه ونخشى ان لا نكون قد مررنا على كل القراءات التي حددها لمادة الانثروبولوجيا من مراجع ليست كلها متاحة.

كانت موضوعات مادة علم الإنسان جديدة و مثيرة ومشوقة وتتحدى في كثير من الاحيان القناعات التي شكلناها عن الإنسان والوجود والكون السبب الوحيد اننا لم ننفر من قساوة الاستاذ و نشكو من غرابة المادة يعود إلى كون احمد ابو هلال يشبهنا ويشبه آبائنا في جلافتهم.

لم نشعر انه مستشرق او ناقل بل كان يقدم الموضوع ويتناوله كما ولو ان الذي يتناوله والدي او احد كبار القرية .كان يتحدث بلهجة بدوية بالرغم من انه من ابناء ابو ديس الواقعة شرق القدس والتي بقي الجميع يضمر ان الفرق ما بين عاصمتها القدس وفي القدس تعني المسافة بين القدس وابو ديس.

المهم اننا تعلمنا في السنوات الاربع التي درسناها وبعدها في برنامج الماجستير الذي التحقت به في مادة المناهج والأصول.. الى ان المناهج لها فلسفة ولها أهداف وان المحتوى او الخبرات التي تضمن في المنهاج لا تأتي عبثا بل لاكساب المتعلمين معارف ومهارات واتجاهات وسلوك اشتقت أهدافها من الفلسفة التربوية وفلسفة المناهج.

لقد استغربت كثيرا ومنذ سنوات فكرة الاصرار على ايجاد مركز خاص للمناهج…ولماذا الاصرار على إلحاق مفردة وطني بالاسم …اوليس كل المؤسسات التربوية وغير التربوية وطنية ….ولماذا جرى تاسيس مركز خاص بالمناهج غريب عن جسم الوزارة بعدما كانت دائرة المناهج تتغذى من الخبرة الكلية للوزارة …

لقد ادهشني اختيار شخصيات سياسية لإدارة ورئاسة وتنفيذ الصياغة والتعديل .صحيح ان الشخصيات كلها وازنة ومحترمة لكن علاقتها المباشرة بفنيات واساليب وضع المناهج ليست بمستوى معرفة وفنيات التربويين الذين كانوا يقومون على هذه المهمة …

دخول مراكز راند وكولنز على خط تطوير المناهج في بلد فيه عشرات الالاف من خبراء يجوبون فضاء الجامعات ومعاهد التدريب في بلدهم والعالم والتصريحات التي تتطاير محليا واقليميا وتبجح الصهاينة بانهم تدخلوا في مناهج العديد من الدول العربية وغيروا في بنيتها مقرونا بزيادة التصريحات التي يهددون فيها الاردن مستندين الى فكر وتفسير توراتي بأن الارض لهم ويغيرون كل ما تطاؤه أقدامهم أمور تبعث على الخوف والتوتر ..

نعرف جميعا أن المناهج تحتاج الى تطوير دائم لكن لم يشرح لنا احد الفلسفة ولا الأهداف ولا اسباب استبدال مواد بأخرى وتخفيف محتوى وإضافة محتوى جديد. لا يمكن لأحد أن يفرض محتوى جديد على امة لاتريد وكل الفلسفات التربوية والأصول تدعو الى إشراك الاهالي في المناهج وربطها بالارض والانسان والتاريخ لتحافظ المجتمعات على هوياتها من الاقتلاع والتجريف.

لا اظن ان وجود سميرة توفيق وذكرها كمثال على الاغنية الوطنية يشكل مشكلة كبيرة لأي مجموعة او فئة ولا نقبل ان تكون مشكلة فكل الذين نجحوا في الانتخابات البرلمانية طربوا للحن “حنا كبار البلد ” وبعضهم رقص للحن الذي عبر عن نشوة النصر …
المشكلة الحقيقية تكمن في ان العمل في المناهج التي تهمنا جميعا يجري على نفس طريقة الهيئات والمجالس التي نشأت تباعا لتقوم باعمال ومهام كانت تقوم بها اجهزة بيروقراطية تحوي كوادر قادرة ومؤهلة كانت وراء منجزات نعتز بها ….

وفي عدم صدور توضيحات ورسائل واضحة ممن يتولون التحديث التربوي تجيب على أسئلة لماذا وكيف ولاي حد يتم هذا التغير وما المرتجى من هذا التغيير وكيف سيتم قياسه.

Share and Enjoy !

Shares

أن تخسر عدواً

د. جواد العناني

“بارسي” هو الاسم الأخير لمجموعة قليلة من سكان الهند اشتهرت بالذكاء في الأعمال. وعدد أفرادها لا يتجاوز 57 ألفاً، يقطن عدد كبير منهم في ولاية غجرات (Gujurat)، على الساحل الغربي الجنوبي للهند. ومن أشهرهم (رجل الأعمال) نافال راتان تاتا، وهم من أغنى أغنياء الهند. وهنالك أسماء أخرى مشهورة وثرية لا مجال لذكرها هنا.

والبارسيون في الهند هم من بقي من الفرس المعتنقين للديانة الزرادشتية. وبعد دخول الإسلام بلاد فارس، هاجر كثير منهم إلى شبه القارة الهندية في ولايتي غجرات والسند. وأما الأكثرية فقد استقرت داخل أفغانستان في مقاطعة خوست، وآخرون استقروا داخل إيران في مقاطعة الأهواز على امتداد ساحل الخليج. ومعظم هؤلاء اعتنقوا الإسلام. وقد برز من البارسيين الإيرانيين باحث سياسي واقتصادي من الأهواز هو تريتا بارزي. هاجر مع والده الطبيب ووالدته وأسرته إلى السويد حيث درس العلوم السياسية بجامعة أوبسالا (Upsala)، ودرس الاقتصاد بجامعة استوكهولم. وقد حصل على الدكتوراه من جامعة جونز هوبكنز بمدينة بالتيمور في الولايات المتحدة، ووضع أخيراً كتاباً بعنوان مثير هو “أن تخسر عدواً: أوباما، إيران وانتصار الدبلوماسية”.

وقال نال الكتاب الكثير من ردود الفعل، خاصة أن صاحبه هو مؤسس المجلس الوطني للعلاقات الإيرانية الأميركية ورئيسه لعدد من السنوات. وقد امتدح فيه الرئيس أوباما الذي سعى للوصول إلى اتفاق نووي مع الإيرانيين. ولكن المؤلف يقول إن كلاً من بنيامين نتنياهو والنظام الإسلامي في إيران لم يكونا جادّين في تطبيق الاتفاق. وقد أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي امتعاضه الشديد من الاتفاق الذي أعطى إيران، حسب زعمه، الفرصة لإنتاج قنبلة نووية، أما إيران فيرى الكاتب أنها وافقت ظاهرياً على ذلك الاتفاق بينما كانت تخطط للمضي في ذلك البرنامج ولو لفترة أطول.

أما السبب الأهم في رأي المؤلف فهو أن إسرائيل كانت تخطط للاستفادة من عداوة إيران، ولذلك اعتبرت الاتفاق النووي خسارة لعدو كانت تحتاج إليه من أجل الاستمرار في مخططها لإبقاء حالة التوتر في المنطقة، ولعب دوْر الفريسة التي يحيط بها الأعداء من كل جانب، وأقنعت بعض الدول العربية بأن إيران هي العدو الحقيقي لهم، وأن إسرائيل قادرة على التصدي لها، بل وإقناع الولايات المتحدة وجسمها السياسي بذلك.

أما إيران، فإن إبقاء إسرائيل عدوة لها يعطيها الشرعية لكي تمضي في حمل مشعل التحرير، وتقنع وكلاءها في المنطقة بأنها قادرة على التصدي لإسرائيل، وأنها – أي الجمهورية الإسلامية – هي الأجدر بقيادة المعركة ضد إسرائيل والاستعمار.

وقد فتح هذا الكتاب شهيتي على مزيد من البحث، وأثناء التقصي عن كتب أخرى، شاهدت مقابلة على قناة الجزيرة بالإنكليزية مع الباحث والمؤلف متعدد المواهب ويد ديفيز Wade Davis، أستاذ الانثروبولوجيا وعلم النبات العرقي (Anthropologist and Ethnobotanist) بجامعة فانكوفر في بلده كندا. وفي كتابه الأخير الموسوم “تحت سطح الأشياء: مقالات جديدة ومختارة”، أو (Beneath the Surface of Things: New and Selected Essay)، يطرح الكاتب في إحدى أطروحاته في الكتاب السؤال: لماذا تستمر حرب غزة؟ ويجيب أنه حتى وبعد الحرب ستبقى روح العداوة والتحفز قائمة بين إسرائيل وإيران. ويتناول موضوع دوام الحرب والصراع في الشرق الأوسط بدون حل، ويصفه بأنه جزء من طبيعة الخلافات التي تثير الأمم وتطوّرها اجتماعياً واقتصادياً، وكأن هذه الحروب ضرورة من أجل إحداث التغير الانثروبولوجي الاجتماعي المطلوب. ويريد الكاتب من هذا القول التأكيد أن الحروب لا يبقيها اشتعال الظروف الخارجية المحيطة بها، بل طبيعة المجتمعات ذاتها والداخلة في الحرب بعضها ضد بعض.

الآن وبعد استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وفؤاد شكر، القيادي العسكري لحزب الله الذي استشهد بالضاحية في بيروت حيث مركز تجمع قوى حزب الله، فإن الباحث الحصيف قد يتساءل: لماذا قامت إسرائيل أو بالأحرى بنيامين نتنياهو بهذين العملين الإجراميين، مستقصداً إحداث أكبر أذى ممكن لإيران من ناحية وحزب الله عضيدها في لبنان من ناحية أخرى؟ ولماذا اختار أن يفعل فعلته الشنيعة بعد زيارته للولايات المتحدة؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تثبيت مكانته في إسرائيل، أم أن هذا التثبيت سيكون مؤقتاً؟

هناك طبعاً أسباب جوهرية تعود إلى استمرار المعركة وأهمية الضحايا الذين يختارون ليكونوا وقوداً لها. إن المقارنة التي كشفت ستر إسرائيل وهتكت حجبها يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لا يمكن أن تتوقع إسرائيل أن تقبل بذلك طواعية، بل سيكون رأيها نابعاً من نظرتها للعرب والمقاومة. وهي نظرية دونية تجلت في الخطاب التافه الذي ألقاه رئيس وزرائها أمام الجلسة المشتركة للكونغرس الأميركي. وهذا ما أشار إليه ويد ديفيز بالقول إن إسرائيل فوجئت وفجعت، وحاولت استرداد أنفاسها بالمبالغة في العنف والقتل.

والآن، نعود لإيران وإسرائيل والوضع الراهن بينهما. حتى كتابة هذه السطور تصاعدت حدة التوتر والاستعدادات للحرب هجوماً ودفاعاً. ولكن الأعمال الحربية التي يتوقع الجميع حدوثها لم تحصل. صحيح أن أميركا والمملكة المتحدة زادت حضورها العسكري بحراً وبراً وجواً في الشرق الأوسط، ولكنها تسعى إلى أن تقنع الجانب الإيراني وحلفاءه بأن يقوموا بعمل تكتيكي لكن ليس موجعاً إلا ضمن الحدود المعقولة، حتى تكون هناك فرصة لضبط الأمور ومنع الحرب من التوسع والاستفحال. لكن المشكلة أن كلاً من إسرائيل وإيران متفقتان على أمر واحد على الأقل: وهو أن الاحتفاظ بالآخر عدو مفيد لكل منهما.

ولكن عندي حدس أن القوى الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة، لا تريد تلك الحرب، بل بات من الأجدى لها في الأيام المقبلة أن تُبقي الأمور تحت السيطرة، وأن تُنهي القتال على كل الجهات، وتُتمّم صفقات تبادل الأسرى، وتُدخل الأطراف غير المشوشة إلى عملية التفاوض في نقاش للوصول إلى “حل معقول” للقضية الفلسطينية.

والأسباب لذلك تعود إلى أن طول أمد الحرب واستمرارها سوف يوفران فرصاً مهمة للمنافسين للتدخل في شؤون المنطقة، وتوزيع تحالفاتهم على الجميع حتى لا تكون حكراً على الغرب. وهم بحاجة لتجميد دور النفط الروسي من أجل ضمان تزويد الوقود لأوروبا تعويضاً عن الغاز الروسي من الدول العربية.

وللنفط بعد آخر مهم، وهو أهمية السوقين الصيني والهندي للطاقة الأحفورية العربية والإيرانية، ولذلك فإن إعادة تأثير الدول الغربية على قرارات تحالف أوبك+ التي ستجتمع ثانية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول القادم مهم جداً، خاصة أنه يأتي قبل الانتخابات الأميركية بشهر، وسيكون ذا أثر مهم أيضاً على تصويت الناخبين في الولايات المتحدة.

أما النقطة الثانية فهي أن استمرار نهج الملاحة عبر المحيط الهندي إلى البحر الأحمر إلى قناة السويس بشكله الحالي يشكل عائقاً كبيراً أمام صادرات أوروبا إلى القارة الآسيوية، ويرفع كلف مستورداتها شحناً وتأميناً من القارة نفسها.

والنقطة الثالثة أن استمرار الحرب سوف يعزز الفوضى العارمة وغير الخلاقة في الأسواق العالمية، سواء كانت نقدية أم سلعية أم مالية أم تكنولوجية. وها نحن نرى التخبط في أسواق المال والعملات النادرة والمعادن المهمة، والمواد الغذائية وأسعار العملات، وتقلب البورصات، فماذا بعد ذلك؟

في رأيي أن حكومة نتنياهو هي المشوش الأكبر على أي احتمالات للسلام. ولذلك بقي أن تزول عن الواجهة، وتستبدل بحكومة تفهم أن حاجة إسرائيل لأصدقاء لا تقل أهمية عن حاجتها لأعداء.

نتنياهو رغم انتفاخ أوداجه فرحاً بمن قتل واغتال وغدر، ولكنه نصب دون أن يدري لنفسه فخاً، ونقل الإسرائيليين من حالة العداء إلى حالة الغرور والإقصاء.

العربي الجديد

Share and Enjoy !

Shares

مشقة الوعي بحجم التغيير القادم

مالك العثامنة

لدى الأردنيين أزمات ومشاكل داخلية يومية ومعيشية، اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية، مناطقية ومركزية، إدارية ومالية، هذا غير الأزمات السياسية الإقليمية والأخطار المحيطة والاستهدافات اليومية، ولدى الأردنيين أيضا استحقاق انتخابي “نوعي” سيكون هو بحد ذاته عتبة القادم الجديد ونجاحه مرتهن بعنصرين: الوعي الجمعي أولا ثم صدق الأجهزة الرسمية بتحقيق النزاهة كاملة بلا أي شوائب.

الافتراض يقول إن الاستحقاق الانتخابي القادم، لو تحقق جزء بسيط جدا من الوعي مقترنا بنزاهة خالصة فإنه سينتهي بنواة مجلس تشريعي – رقابي يعيد للبرلمان دوره الحقيقي ويعيد إصلاح الدولة الأردنية، مما يعني ببساطة خطوة أولى حقيقية لحل كل الأزمات والمشاكل الداخلية اليومية جميعها.

وهذا الافتراض، مبني على افتراض أكثر عمقا يتعلق بالمترشحين، أفرادا أو تحت مظلة أحزاب، وهو يعني التقدم ببرامج تقترح حلولا واضحة ومحددة بعيدة عن الإنشاء، فحين نواجه مشكلة مثل البطالة فإن الحل لا يكون بشعار “القضاء على البطالة”، بل بدراسات مسبقة ومستفيضة يقوم عليها خبراء من مختلف المستويات تنتهي دراستهم إلى تصور منهجي لسياسات قد تحوي مشاريع قوانين يحملها المترشح “حزبا أو فردا” لتغيير الواقع وبثقة وهدوء.
وحين يعاني الأردنيون من “أزمة مياه” خانقة فعلا، فإن الخزانات الفارغة على الأسطح لن تملأها بيانات شديدة اللهجة رفيعة البلاغة تهاجم المواقف السياسية لبلد محاصر بالأزمات فعليا بدون أن تقدم كل تلك البلاغة النارية حلولا حقيقية لعل أولها تقديم برنامج “حلول” في التوعية المائية لوقف الهدر والفاقد المائي على الأقل.
وحين ترسل الدولة إشاراتها الواضحة أنها لم تعد قادرة على نهج “الريعية” مع تضخم واضح في القطاع العام فإن منطق التعيينات الحكومية كخدمة مرسلة ومطلقة لم يعد له وجود، وحضوره في الوعود الانتخابية كذبة كبيرة لا يمكن تحقيقها، لكن لا أحد يقدم فكرة تحفيز القطاع الخاص، وتهذيبه وتنظيم حضوره من خلال مقترحات لقوانين وتشريعات تخدمه وتحميه كما وتحمي الجميع من تغوله بنفس الوقت، لأن على الأردنيين إدراك التحول الجذري الجديد في الدولة، وهو تحول لا يمكن الرجوع عنه بالمطلق.
الواسطة والمحسوبية وتسهيل المعاملات وسياسة المحاصصة في الامتيازات هي من الماضي، حسب افتراضنا بالقادم الذي يتمنونه الأردنيون أنفسهم، وهم جميعا يصرخون على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المجالس والصالونات من الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتفشي الفساد، ويتندرون كل يوم على المشهد السياسي المحلي والحال البائس الذي وصل إليه مجلس النواب نفسه.
في المقابل، وعشية بدء الحملات الانتخابية، ما زلنا على منطق “عنزة ولو طارت”.
بدأت شوارع المدن الأردنية تتعرض لغزو صور المترشحين “المفلترة بعناية” والموسومة بعبارات عامة ومبهمة لا تقدم حلولا، وبعضهم تطغى صورته على اسم الحزب الذي يفترض أنه يمثله.
لا برامج، أو حتى عناوين واضحة لبرامج حقيقية واعدة تهدي الناخب إلى الجهة التي سيمنحها صوته بثقة وأمل، ما تزال عملية “سحب الأصوات واستجدائها” قائمة على منطق لا يجب أن يكون صالحا للمرحلة القادمة بكل تحدياتها الخطيرة.
في زمن تكنولوجيا المعلومات الذي تستطيع فيه “مي خليفة” أن تستخدم أدواته الرقمية لتوصل رسائلها السياسية إلى كل الكوكب، فإن المشهد السياسي الأردني كان خاليا من برامج وفيديوهات طويلة أو قصيرة تعكس الرؤى والبرامج – إن وجدت- لدى الأحزاب ومشاريع النخب القادمة.
كل ما نراه اليوم، فوضى حواس يملأ الشوارع، وأزمات تنمو وتكبر تبحث عن حلول مبتكرة، لا أكثر، والإنتاج القادم يتحمل مسؤوليته الجميع بلا شك.

الغد

Share and Enjoy !

Shares

عذراً غزة

خالد حكمت الزعبي


خالد حكمت الزعبي
ليس ثمّة أصعب على الصحفي أو الكاتب من الكتابة عندما يتعلق الأمر في فلسطين قد يؤْثِر الصمت، لكنّ الصمت قد يكون قاتلاً.
عندما يتذكر المرء الرجولة لها مصنع واحد وهي فلسطين وغزة العزة بالتحديد ولكن في تحت وطأة العدوان الهمجي والوحشي أصبحت الكلمات والمفردات اصبحت عاجزة.
عذراً غزة العزة…
تهرب الكلمات من ذهني حبيبتي وأنا أحاول أن أعتذر منك، لكنّي أمنّي نفسي بتقبيل جبين كل شهيد على أرضك الطاهرة من مقاومة ونساء وأطفال وكبار السن ، وأشكرهم لأنهم حملوا عنا معركة كرامة الأمة والتحرير . أعزيك، فمن استشهد كشف لنا أن ما يحدث في أرضك أحييهم جميعاً واعتذر منهم عن كل تقصير مني أو عجز عن الدفاع عنهم.
أعتذر منك ، نيابة عمّن لا يزال يوفّر غطاء لما يحصل على أرضك تحت اي ذريعة هؤلاء يستيقظون غالبا متأخرين، فالمعذرة منك حينما يستيقظون وقبل أن يفعلوا ذلك.
عذراً غزة الغالية، أنا المواطن العربي المقهور، كنت عاجزاً حالي حال الملايين من العرب والمسلمين حتى منشوراتنا وكتاباتنا كانت تحذف فالكل كان في حالة صمت عن جرائم الاحتلال وخطابنا الرسمي كان الادانة والاستنكار

Share and Enjoy !

Shares

وقفات مع حديث جلالة الملك حول قانون الجرائم الالكترونية الجديد

المحامي الدكتور زياد العرجا

– بقلم المحامي الدكتور زياد العرجا .
بعد مرور مشروع قانون الجرائم الالكترونية للعام 2023 في كافة مراحله الدستورية والمصادقة عليه من قبل جلالة الملك ونشره في الجريدة الرسمية، فقد اصبح القانون واقعاً تشريعياً مكتمل كافة المراحل الدستورية، بانتظار مرور 30 يوما حتى يصبح ساري المفعول .
ولعل مشروع قانون الجرائم الالكترونية الجديد تم التوافق عليه في اجتماعات وزراء الإعلام العرب لمواجهة ما يسمى الإنفلات الإلكتروني الإعلامي على الشبكة العنكبوتية، ومن اجل ان يشكل قوة ضغط على شركات منصات التواصل الاجتماعي العالمية من اجل ضبط الذين يعملون خارج الولاية الإقليمية القانونية لدول المنطقة العربية.
ومن اجل تخفيف حجم التوتر والاحتقان الشعبي ضد القانون ومن أجل طوي صفحة قوى المجتمع المحلي التي عارضت القانون، جاء لقاء جلالة الملك مع رئيس واعضاء المركز الوطني لحقوق الإنسان ليؤكد “أن الأردن ملتزم بالتعددية السياسية والإعلامية، وهو ليس دولة تعسفية ولن يكون أبدا، “وتاريخنا يشهد على ذلك”.
من اجل ذلك جاء حديث جلالة الملك بضرورة العمل على توظيف القانون في مساره الصحيح من خلال نشر ثقافة قانونية وأخلاقية في ولوج وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وضح جلالة الملك “”كلنا متفقون على ضرورة مواجهة الإساءات التي تخالف الأخلاق والقانون عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
ويضيف جلالة الملكل بضرورة العمل على المحافظة على حرية التفكير والتعبير سليمة متواصلة ودفع الدخلاء عليها خارجا. من خلال حديثه قائلا “مكافحة الجرائم الإلكترونية يجب ألا تكون على حساب حق الأردنيين في التعبير عن رأيهم او انتقاد السياسات العامة”.


لذلك فإنني اعتقد أن ضبط الانفلات على مواقع التواصل أصبح ضرورة ملحه وطارئة، ولكن بحدود حسن النية ومراعاة حق المجتمع الاردني في النقد والحوار والتعبير عن الرأي لا ان يصبح القانون وسيلة لتحصين مؤسسات الدولة والمسؤولين ضد النقد والمسآلة.
وابقى جلالة الملك الباب مفتوح من خلال الاستخدام الحكيم لنصوص القانون من خلال قيام جهاز النيابة العامة والسلطة القضائية ورجال القانون بعدم استخدام نصوص القانون كمصيدة من قبل بعض المشتكين للإيقاع بالناس من خلال التخويف والترهيب من العقوبات والغرامات المرتفعة جداً، والعمل على التراشق بالقضايا واغراق النيابة العامة والمحاكم النظامية بالشكاوي والقضايا بسبب قانون الجرائم الالكترونية، بحيث يؤثر ذلك على مسيرة الإصلاح السياسي والديمقراطي، خاصة وأن هنالك شكوك وهواجس لدى شريحة اجتماعية واسعة من المواطنين والصحفيين والإعلاميين والسياسيين بعد إقرار قانون الجرائم الالكترونية الجديد بعدم جدّية الحكومة بالإصلاحات السياسية أو الخشية من التراجع عنها، فلطالما كانت هنالك خطوات أو توجهات لم تكتمل في مسار الإصلاح السياسي، واصبح التحدّي الحقيقي للحكومة يتمثل بإقناعهم بمصداقية الدولة وجدّيتها في تطوير الحياة السياسية. .لذلك كان حديث جلالة الملك صريحاً وواضحاً قائلاً ” أن تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية سيكون العامل الحاسم في الحكم عليه ومراجعة بعض بنوده، بالتعاون مع الجميع، كما هو الحال في باقي التشريعات.
وعلى صعيداً اخر وفي مقال صحفي سابق لي حول هذا الموضوع الجدلي لقد حاولت ان اوصل للجهات المعنية توصيات جلالة الملك ومخرجاتها وتوصياتي الشخصية بناء على هذه المخرجات حيث يجب على السلطة التشريعية التعاون والتوافق على قانون لا يجرم مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بمراعاة هذه التوصيات، ومراعاة حقوق الانسان ونص المادة ١٥ من الدستور الاردني والمادة ٢٠ من العهد الدولي به :
اولا : سياق الخطاب : من خلال تقييم فداحة الخطاب من خلال تقييم السياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للفئة التي استهدفها الخطاب والتي تأخذ بعين الاعتبار مدى تواجد حوادث عنف ضد الفىة المستهدفة ومدى تمييز المؤسسات لهذه الفئة وتواجد بيئه سياسية او اعلامية تميز ضدها
ثانيا : تأثير المتحدث : موقف المتحدث وما لديه من سلطة او تأثير على جمهوره وهنا تؤخذ اعتبارات خاصة ان كان المتكلم سياسيا اوعضوا بارزا في حزب او موظفا عاما او اشخاصا لديهم تأثير مشابه
ثالثا : قصد او نية المتحدث : يجب ان يكون لدى المتحدث قصدا واضحا في الانخراط لحشد الكراهية واستهداف فئة على اساس العرق او اللون او الدين وان يكون مدركا للعواقب التي يمكن ان يحدثها خطابه اخذين بعين الاعتبار اللغة المستخدمة ومدى تكرار الخطاب
رابعا: محتوى الخطاب : مدى دعوة الخطاب المباشرة او غير المباشرة للتمييز او العنف او العداء المجتمعي ضد فئه مستهدفة
خامسا: نطاق الخطاب وشدة تردده : على تقيمم الخطاب ان يدرس الوسيله التي بث اونشر من خلالها الخطاب ومدى شدته وتردده مثلا .. هل بث الخطاب في منشور واحد ؟ام بث ونشر في الاعلام السائد؟ وهل بث ونشر مرة واحدة ام نشر مرارا مع الاصرار على تكراره؟
سادسا : احتمالية وقوع ضرر : مدى ارتباط الخطاب بضرر وقع كنتيجة له او على وشك ان يقع
ختاما : استشهد بخطاب جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم حفظه الله حيث اشار الى حادثة البحر الميت المفجعه ومارافقها من تعليقات وبث الاشاعات وقال: “يجب ان نفرق بين اراء انتقدت الاداء وطالبت بتحديد المسؤوليات وهذا نابع من الحرص وهو مطلوب وبين فئة ممن اساؤوا بالشماته والسخرية بحق ابنائنا وبناتنا الذين فقدنهم ” وضرب مثلا على الاشاعات ابان فترة اجازته في الولايات المتحدة الأمريكية. ولابد من مراعاة التوازن بين صيانة حرية التعبير وهو الحق الذي نحرص عليه دائما وبين حقوق واولويات في غاية الاهمية لاستقرار وعافية مجتمعنا . وسيبقى قضائنا النزيه والقناعة الوجدانية للقاضي الذي سينظر الدعوى من خلال توافر اركان الجريمة المتمثلة بالركن الأساسي وهو القصد الجرمي وما ينشىء عنه من فعل ضار هي اساس الإدانه لفاعلها وفقا لقانون الجرائم الإلكترونية المعدل لعام 2023 وللحديث بقية…
الفقيه الدستوري والمستشار القانوني والسياسي
المحامي الدكتور زياد العرجـــــا

Share and Enjoy !

Shares