كتاب واراء
نظرة إقتصادية للانتخابات البرلمانية القادمة
ونحن على أعتاب خوض غمار الانتخابات النيابية لمجلس النواب التاسع عشر في العاشر من تشرين الثاني من هذا العام. من المهم أن نقف على أثر هذه العملية ليس فقط من ناحية دستورية و سياسية. بل من المهم أيضا أن ننظر اليها من الناحية الاقتصادية أيضا. فلا يخفى على أحد صعوبة الاوضاع الاقتصادية التي يعاني منها المواطن الاردني والتي تفاقمت في الفترة الاخيرة بسبب تأثيرات جائحة الكورونا وتوقف الأعمال وضعف كل من العرض والطلب وبطء حركة السوق المحلي والعالمي، ولا ننسى الازدياد الكبير في نسب البطالة بين الشباب وبالذات في المحافظات وبعيدا عن المركز.
الشباب صناع التغيير
قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم)؛ هذه سنة الله في خلقه وقانون الحياة الذي كتبه الله على الناس، أن التحول والتغيير لأي شخص يجب ان يبدأ من داخل النفس، لذلك تغيير التصرفات والسلوكيات واسلوب التعامل مع الحياة محكوم بالنفس البشرية وقد قيل في ذلك حكم عربية كثيرة منها “أكبر معارك الحياة المعارك مع النفس”.
صناعة التغيير لا تكون إلا بوجود إرادة حقيقية بمعرفة واضحة لأسباب التغيير، ومصداقية بممارسته واستمرارية من قبل صناع القرار ورجالات الوطن به في كل الاتجاهات بتبادليه ذاتية وتشاركية مع ما هو حولنا ومع ما يصل اليه الاخر، وهذا كله بحاجة الى تهيئة الامكانيات الوطنية المؤسسية بكل انواعها واتجاهاتها، وتخطي القناعات السلبية التي نحملها ونرددها بأشكال مختلفة، والتي تأخذ السلوك واليقين بعدم الإمكانية من إحداث أي تقدم وتغيير.
التغيير يبدأ من نواة المجتمع ومن أكبر فئاته وهم الشباب، الشباب نواة التجديد والتطور الايجابي، إنهم يمتلكون القوة العقلية والجسدية والنفسية، فهم الأقدر على الإنتاج والإبداع والتغيير، وهم الذين تسير بهم العملية التعليمية والصناعية والزراعية والتكنولوجيا الحديثة وهم عمدان بناء الديموقراطية وتطويرها وتصحيحها.
الشباب هم الاستمرارية في الحياة ويجب أن يكونوا أصحاب القرار ولكنني لست من دُعاة أن يوضع الحمل كله على الشباب بدون توجيههم من ذوو الخبرة ولكن لا يمكن الاستغناء عنهم فهم قادرون على المشاركة في كل الميادين وهنا أقول بأنه يجب عليهم أن يفرضوا أنفُسهم من خلال الحضور والمشاركة والتفاعل مع القضايا الوطنية وخصوصا الاستحقاق التشريعي القادم لاختيار من يمثلهم ويتبنى فكرهم وطموحهم وهذا هو الاشتراك والتشابك الحقيقي في آلية صنع واتخاذ القرار.
تطلعات وطموح الشباب تحتاج لجهود وشراكة حقيقية من الجميع لتحقيق اهدافهم وتطلعاتهم واحلامهم وامالهم وافكارهم في التغير الايجابي في خدمة الوطن والمجتمع وخدمة الشباب أنفسهم من خلال قناعاتهم ومجالسهم، ونحن هنا بالأردن نفتخر أن لدينا برلمان شبابي ومشروع حكومة شبابية ولدينا المؤتمر الوطني للشباب واتحادات طلابية بالجامعات وغيرها من المراكز التابعة لوزارة الشباب، وهم يمتلكون منصاتهم المؤثرة لممارسة الدور والقيادة الفعلية في مجتمعاتهم تمكنهم من التعبير والدفاع عن رؤيتهم والعمل لتحقيق ما يصبون الية.
لذلك أدعو الشباب الى عدم الاحباط والاستمرار في بناء حياتهم وتطويرها وبث التفاؤل والتسامح والايجابية وتقديم وتبادل التعاون فيما بينهم والمجتمع من خلال المشاركة الحقيقية والفعلية بالترشح والانتخاب ووضع البرامج ومراقبة العملية الانتخابية والابتعاد عن كل الاسباب التي قد تهدر طاقاتهم وطموحاتهم خصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العالم باسره.
وبالمقابل أدعو الجميع أن يقف مع الشباب ليأخذوا فرصتهم الحقيقية في الاستحقاق الدستوري القادم سواء بالترشح او الانتخاب ولأن المسؤولية الاجتماعية للأفراد والمؤسسات مطلوبة في كل الظروف علينا الوقوف مع الشباب ودعمهم ليأخذوا مكانهم ولنكف عن التغول على دورهم، حماكم الله وحمى الوطن.
مجلس التعليم العالي وقراراته الرمادية
أقر مجلس التعليم العالي في جلسته العشرين المؤرخ بتاريخ ٢٦ /٨/ ٢٠٣٠م مجموعة من القرارات تتناول أسس التدريس في الجامعات والكليات خلال الفصل الأول من العام الدراسي القادم ، ويبدو أنها اتخذت على عجل ووجل، ولم يستفد من التجربة الفاشلة للفصلين الدراسيين : الثاني والصيفي، حتى أضحت بعض المحاضرات عن بعد أضحوكة على منصات التواصل الاجتماعي، ولعل ذلك يدل على أن مجلس التعليم العالي يسمر في واد ناءٍ ويحطب فيه في غلس الظلام وحده بلا تمحيص أو تغذية راجعة.
أولا : لم يتناول كتاب وزير التعليم العالي والبحث العلمي المرسل أخيرا إلى رؤساء الجامعات ومنهم إلى المدرسين مسألة غياب الطلبة ، فكثير منهم لا يحضرون محاضرات ما يسمى عن بعد ولا يوجد تعليمات تلزمهم بالحضور؛ وبناء على ذلك لا يستطيع المدرس حرمان أي طالب، بحجة عدم توافر النت وضعف الشبكات.
ثانيا : يدعو مجلس التعليم العالي إلى مصداقية الامتحانات، فلا مصداقية ونحن نسهل للطلبة كل سبل الغش، ولنكنْ صرحاء، ففي الامتحانات التي تعقد في حرم الجامعة يعاني المدرسون من تلك المشكلة، وطرائقُ الغش كثيرة في امتحانات التعليم (وليس التعلم) عن بعد، ومنها التطوع للمساعدة من ذوي القربى والصحاب ووجود متخصصين للإجابة عن الأسئلة مقابل مبالغ مالية وافرة، وتقديم الامتحانات من خلال مجموعات، أو التواصل بأحدث التقنيات أثناء تأديتها ، ولا ننسى أن بعضا ممن لا يتقنون التكنولوجيا من المدرسين يسهمون في تسهيل الغش. ومن المسؤول عن محاسبة أولئك الذين يتاجرون بما تبقى مما يسمى علما وبحثا؛ فيبيعون جهارًا إجابات الأسئلة ورسائل الماجستير والدكتوراه يا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي !؟
ثالثا : يقرر مجلس التعليم العالي تدريس مقررات الجامعة والكلية الإجبارية والاختيارية عن بعد، وتدريس مقررات التخصص في حرم الجامعة، ولا أدري ونحن أدرى، كيف يسوغون ذلك، هل هو الحرص على تعمق الطالب في تخصصه، أم النظر إلى أعداد الشعب!؟ وهل يعلمون أنه لا فرق بين مادة وأخرى من حيث القيمة العلمية أو العدد أو النتيجة غير المنطقية في القرار، وهل سيصمد قرارهم هذا.
رابعا : كيف يقرر مجلس التعليم العالي مجموعة من القرارات والمقاييس ويترك للجامعة ممثلة بمجلس العمداء أو العميد اتخاذ قرارات فيما يتعلق بالدمج أو غيره، ولنسألْ لجنة الأوبئة المكرمة وأكثرها من الأطباء : هل أنتم راضون عن تعليم التخصصات الطبية بكيفيته الحالية، ولماذا هذا الخوف والمبالغة فيه، وأنتم تسهمون في تدمير أو على الأقل خلخلة منظومة التعليم العالي وغير العالي وزلزلة صخرتها.
خامسا : ما الذي يمنع من أن يغيب الطالب عن أهله فصلا كاملا إن كان من خارج المحافظة فيسكن قرب الجامعة، وتطبق على جميع الطلبة منظومة التباعد وشروط أوامر الدفاع والصحة والسلامة ليكون التعلم في حرم الجامعة ، وبذلك ننتهي من مشكلة التعليم عن بعد ومدخلاته ومخرجاته الفاشلة، ورمادية قرارات مجلس التعليم العالي وما فيها من تناقضات .
سادسا : إن الادعاء بنجاح التعليم عن بعد هو وَهْمٌ مزيف كادعاء نجاح التعليم في وزارة التربية والتعليم، إن من يجلس على كراسي التعليم يعيشون حالات من النرجسية العاجية الشوفينية الفوضوية ، يقررون وينفذون دون استكناه آراء الذين يصطلون بنيران الواقعية الصادمة، وإلا فكيف يطلب وزير التعليم العالي من أعضاء الهيئة التدريسية تقييم رؤساء جامعات لم يستشاروا في اختيارهم بل فرضوا عليهم فرضا بفعل قوة الواسطة أو واسطة القوة .
وبعد، فهذه لفحات من لظى التعليم وفي النفس شيء من حتى وكيف، وكأن ثمة مخططا لتدمير تاريخ الجامعات وصرامة العلماء وجهود طلبة العلم ، فهل هي عبثية لا تستبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أم هي رمادية القرار المكتوب بأقلام مرتجفة يُمْلَى عليها عشيا.
(ملحوظة : لِمَ لا يعينُ مدققٌ لغوي؛ لتكون كتب مجلس التعليم العالي خلوًا من الأخطاء اللغوية والإملائية التي لا تليق بأعلى سلطة علمية تعليمية عالية ” غير منتخبة” )
صندوق المعونة الوطنية وهذا النجاح الباهر
يستحق صندوق المعونة الوطنية الثناء الملكي على جهوده الكبيرة خلال الازمة الحالية، ويستحق ايضا ان يكون محط انظار المؤسسات والهيئات الدولية والعالمية العاملة في مجال الحماية الاجتماعية على مستوى العالم.
تجارب الصندوق خلال السنوات الاخيرة في بناء وتنفيذ افضل انظمة الحماية الاجتماعية على مستوى العالم مكنه من الوصول لهذا المستوى الرفيع عالميا وهذه النقلة النوعية في مستوى الاداء كانت من اهم العوامل التي مكنت الحكومة من النجاح الباهر في تحقيق الحد الادنى من الاستقرار الاقتصادي لمئات الالوف من الاسر الاردنية التي تضررت خلال الازمة والتي سببتها جائحة كورونا وتأمين الحماية الاجتماعية لملايين المواطنين طيلة فترة هذه الازمة، حتى أن صندوق المعونة غدا نموذجاً عالميا يحتذى وقبلة للمؤسسات الدولية المعنية بالإغاثة وسرعة تقديم الدعم للاسر المحتاجة في اوقات الأزمات والطوارئ بعد النجاح الباهر الذي حققته بادارة ازمة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لجائحة كورونا على الاسر الاردنية المحتاجة من حيث الية اتخاذ القرارات والتخطيط والاتصال والتواصل واداراة البيانات والمعلومات وتوزيعها على جميع الجهات المعنية في الدولة بسرعة قياسية.
نقول هذا الكلام بعد أن تعرفنا عن قرب على عمل الصندوق واليات عمله الجديدة وحجم التكنولوجيا الهائلة التي يعتمد عليها الان في عمله وذلك بعد ان نفض عنه غبار الماضي وانطلق نحو المستقبل بخطوات علمية وعملية مدروسة لإيصال الدعم والمساعدات المالية الى مستحقيها من الاسر الاردنية المحتاجة والفقيرة على امتداد مساحة المملكة بافضل واحدث الطرق والوسائل والتي تفوق بها على كثير من دول العالم التي تصنف بامكاناتها العالية.
لم يكن أمرأ هينا أن يقوم الصندوق بالاستجابة السريعة لتداعيات الازمة وإيصال الدعم المالي لاكثر من ربع مليون اسرة اردنية من اسر عمال المياومة الذين انقطعت بهم سبل العيش خلال جائحة الكورونا عبر مراكز الدعم والمساندة التي استحدثها الصندوق وباستخدام افضل انظمة البرامج والتطبيقات الذكية التي وصل اليها العالم والتي جند الصندوق لها العشرات من الموظفين لإرشاد وتوعية المستفيدين بطريقة استخدامها وبما يسهل على الاسر المحتاجة الحصول على الدعم وهي في بيوتها دون تحمل عناء مراجعة مراكز وفروع الصندوق، يضاف الى هذا العدد مثيله من الاسر الفقيرة المنتفعة من برامج الصندوق والتي تم ايصال مستحقاتها الشهرية لبيوتها خلال فترة الازمة وفي مشهد وطني استثنائي بامتياز يبرهن على المستوى الذي وصلت اليه هذه المؤسسة.
يملك الصندوق الان اكبر انظمة الدفع الالكتروني في المملكة، كما يملك بيانات السجل الوطني الموحد والذي يحتوي على جميع البيانات المتاحة في الدولة عن الاسر الاردنية والتي كانت مرجعا لمعظم مؤسسات الدولة اثناء ازمة كورونا ولم يكن من السهل وخلال أسابيع الحظر ومنع التجول ان تصل المساعدات وبشكل سريع الى مئات الألاف من المواطنين وفي بيوتهم لولا همة الشباب في الصندوق والمتطوعين الذين هبوا أيضاً لايصال الأدوية المزمنة الى مستحقيها في بيوتهم.
صندوق المعونة الوطنية يجسد حالياً طموحات القيادة في الانتقال الى صيغة أخرى من بناء البرامج الموجهة للتخفيف من حدة الفقر والبطالة لـيس بالدعم المالي فقط ولكن عن طريق تدريب وتأهيل وتشغيل أفراد الأسر المنتفعة من الصندوق وخلق فرص عمل لهم بالتشارك مع مختلف الجهات.
وفي النهاية لا غرابة ان توكل الحكومة للصندوق القيام بتنفيذ جميع البرامج الوطنية للحماية الاجتماعية على ضخامتها سواء برنامج دعم الخبز او دعم عمال المياومة بالاضافة الى البرامج الكبيرة التي تدخل ضمن اختصاصات عمل الصندوق.
صندوق المعونة الوطنية الان هو صمام الأمان الوطني في تحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للفئات الأكثر ضعفاً وهشاشة في المجتمع الأردني، وهذا الأمر يتطلب تقديم المزيد من الدعم الحكومي ومن الشركات ومؤسسات المجتمع المدني له بعد ان أصبح الصندوق مؤهلاً لأن يكون الجهة الوحيدة التي تعرف من يستحق للدعم الحكومي وغير الحكومي؛ لانها تمتلك المعلومة الصحيحة والموثوقة ودون تدخل من أحد.
نجاح باهر لصندوق المعونة الوطنية بعد ان فضحت ازمة كورنا منظومة الحماية الاجتماعية على مستوى العالم.
الأردن أمام سيناريو كورونا 2
خلال يومين فقط، انقلبت الطاقة العصبية في البلد، وأصبحت قلقة جدا، فوق ما فيها من توتر، والسبب عودة حالات كورونا بهذه الطريقة، والخوف من حظر شامل جديد.
غير أن هذا المشهد، كان متوقعا، إذ أن دولا كثيرة انفجر الوباء فيها للمرة الثانية، وباتت تحت وطأة موجة جديدة، لكننا في الأردن، وقد استرخت اعصابنا من قصة الوباء، والحظر الشامل، سنجد انفسنا بعد قليل، أمام سيناريوهات متعددة، بسبب الخطر الذي نراه.
المشكلة الأسوأ تكمن في فقدان الثقة، فكثرة تريد ان تقول ان الحكومة توظف الوباء لاعتبارات سياسية، من اجل كبح تجمعات المعلمين، وهذا التشكيك ينبع من فقدان الثقة، لكنه ايضا لا ينفي تفشي الوباء مجددا، ومن الغريب حقا، ان نكون من أكثر شعوب الشرق الأوسط تعليما، وعلى صلة بوسائل الإعلام العربية والغربية وشبكة الإنترنت، ونرى كيف غرقت دول ثانية بسبب عودة الوباء مجددا، ونقرأ يوميا أرقام الضحايا، والمرضى، لكننا في الحالة الأردنية لا نريد تصديق عودة الوباء، وكأننا نختلف عن شعوب العالم، أو اننا وحدنا الأكثر تميزا في هذا الكوكب، فوق السطحية التي نراها في البعض إذ يقولون ان كورونا كذبة، ومجرد مؤامرة.
حتى لو كانت مؤامرة، فقد القت بسيوفها فوق اعناق البشر في العالم، فالمهم هو النتيجة، أي ضرر الدول والشعوب على كل الأصعدة، وعدم خلاصها حتى الآن.
الكل يريد أن نتعافى ونخرج من هذه المحنة، والخبراء يعتقدون ان هناك حالات أخرى لم يتم الوصول اليها، بسبب عدم ظهور الأعراض، ولهذا فأن الكلام عن التوظيف السياسي لوباء كورونا، يتوجب مراجعته بهدوء وعقل، إذ لو افترضنا صحة هذه النظرية، أي نظرية التوظيف السياسي، فأن هذا لا ينفي عودة الوباء على ارض الواقع، بهذه الطريقة التي نراها، أي اننا في كل الحالات أمام تجدد للوباء، بما يعنيه ذلك من مخاطر صحية واقتصادية.
الازمة الأكبر التي نراها على وجوه الناس، تتعلق بالمخاوف من عودة الحظر الشامل، بذات الطريقة الأولى، وهي طريقة منهكة دفع الناس ثمنها، من أرزاقهم ومعنوياتهم، لا أعادها الله من أيام، لكن الحل ليس بالتعبير عن الضيق فقط من احتمال عودة الحظر الشامل، بل عبر الوقاية من الوباء، بالطرق المعروفة، أي الكمامات وكفوف الأيدي، وكلفتها زهيدة جدا، ولست أعرف ما الذي يمنع الناس من استخدامها، وهم يرون بأنفسهم كيف ان شعوبا لديها أنظمة صحية أفضل من التي عندنا بكثير، وقد تفشى فيها الوباء، وقتل الآلاف فيها.
الحظر الشامل كارثة لا نريدها، واعتقد ان الجهات الرسمية لن تذهب الى هذا السيناريو لكلفته الكبيرة على الخزينة والناس، ولربما يتم التدرج أولا، عبر حظر وإغلاق بعض المناطق، أو المدن في المرحلة الأولى، إضافة الى إجراءات متدرجة محتملة، فيما الحظر الشامل سيكون خيارا أخيرا، لن يمكن تجنبه حتى النهاية، إذا زاد عدد الحالات وتفشى الوباء داخليا، بطريقة تخرج عن السيطرة، وهو أمر لا نتمناه ابدا، ولا يمكن التعامل مع كلفته هذه المرة، وقد تحتاج عمان إلى يومين إضافيين حتى تتضح الصورة، وإلى أين نذهب جميعا في ظل هذه الظروف.
الأسئلة هنا كثيرة، حول ملف التعليم في المدارس والجامعات، إذا عاد الوباء بقوة، وملف الانتخابات النيابية، وملف المطار، وملف الخدمات الحكومية، وملف القطاع الخاص، وعلينا ان نستذكر المعاناة التي مررنا بها، كي نعمل معا، من اجل منع سيناريو الحظر الشامل، عبر قيام كل واحد فينا بتجنب الاختلاط قدر الإمكان، واتخاذ إجراءات على المستوى الفردي والعائلي، من أجل حماية انفسنا، والا سنجد انفسنا أمام وضع جديد خطير للغاية.
عودة الوباء الى الأردن، ليست غريبة، فقد عاد الى دول كثيرة، لكن هذه المرة ستكون العودة اكثر قسوة، ما لم نساعد انفسنا بمنع عودة الوباء بكل الطرق الممكنة، فيما خيار الحظر الشامل يبقى انتحاريا وغير منتج، ويمكن تجنبه منذ هذه الأيام، اذا تعاون الكل.
لقد تعبنا جميعا، هذه هي الخلاصة التي لا يختلف عليها أحد في عام السعد هذا.
عودة كورونا .. من المسؤول؟
تطور جديد خطير للواقع الوبائي في الاردن. خلال الايام الماضية سجلت ارقام جديدة مرتفعة باعداد المصابين بفايروس كورونا، ودخلنا عداد عشرات المصابين يوميا، ومن بينهم عاملان في القطاع الصحي، وموظفان في مركز الحسين للسرطان.
لم يكن الاردن بحاجة الى ان يوضع باختبار وتحد جديد، و يقف على حافة الهاوية، وذلك بفعل سواء ادارة صحية لمركز حدود جابر. ادارة الوباء يبدو انها بحاجة الى اعادة تقييم و توجيه ومراجعة بما يضمن، اولا عدم تكرار الاخطاء، والوقوع في ذات المنزلقات الوبائية الكارثية.
اصابات كورونا الاخيرة المسجلة في الاردن وافدة من الخارج. و على نطاق اقليمي و عالمي لا علاقة لها بما يسمى الموجة الثانية من كورونا. وحتى الدول الكبرى المتقدمة فرنسا و بريطانيا و ايطاليا و اوروبية حسمت استراتجيتها ازاء اي تطور لانتشار كورونا، سياسات اجرائية وقائية و استبعاد كامل لخيار الحظر الشامل مهما كانت الكلفة الوبائية و الصحية.
ومهما ارتفعت اعداد المصابين، فالوضع العام بالاردن لا يحتمل اطلاقا حظرا شاملا. و في السياسة الصحية و الوقائية المعمول بها على المعابر الحدودية تسببت في توالي الضربات و الاختراقات الوبائية، ووزارة الصحة لم تجرِ اي استطلاع ومراجعة تفضي الى تجاوز الاخطاء و تصويبها، و التعلم من درس سائق الخناصري و غيره.
في الصحة: الاطباء و المعنيون في ادارة الوباء يشكون من سوء التنسيق و الشراكة، و تضارب مرجعيات السياسة و القرار الصحي و الوبائي. و اذا ما المعابر الحدودية على محدودية حركة السفر قد اصابت البلد بهذا الوابل الكوروني، فماذا لو جرى فتح المطار؟ فماذا يكون حال الاردن وبائيا؟
ثمة ضرورة وطنيا احيانا بالاعتراف بالعجز و عدم القدرة على الاستمرار. فاي من القائمين و المعنيين في ملف كورونا يشعر بانه اصيب بالتعب و الملل و الارهاق، سوء التركيز فليغادر المشهد، وهذا ليس عيبا و لا نقصانا من قدر و قيمة.
ها نحن نقبع في قاع خوفنا من التداعي العنيف الاقتصادي و المعيشي لكورونا. والخوف يكبر يوما بعد يوم. و لا يعرف ما الذي قد يواجه الاردن مستقبلا، وماذا ينتظر، والخوف الاكبر ليس من مفاعيل كورونا الصحية، بل الاقتصادية و المعيشية فهي الاخطر و السواء و العن على يوميات الاردنيين؟
تهويل الخوف و الهلع من كورونا لم يعد منطوقا عالميا. و في التجربة الامريكية و البريطانية اخرى كيف تعاملت السلطات بندية و تحد مع السياسات الداعية الى الاغلاق و الحظر الشامل، و تم تجاوز الموجة باقل الكلف، وما زال الفايروس سرا طبيا ومريضا مجهولا لم يحسم العلم امرا بشان علاجه و مقاومته، ومنع انتشاره.
المعادلة واضحة وضوح الشمس: الروس زفوا للعالم قبل ايام خبرا سارا عن اكتشاف علاج. و من الواجب على اصحاب القرار ان ينسوا و يتناسوا اي قرار لاغلاق وحظر شامل، فليس الاردن حاليا كبداية وصول كورونا الى بلادنا، ثمة معايير كثيرة انقلبت و تغيرت، ومن الحتمي اخذها بعين الاعتبار في وحي اي قرار بشان كورونا قد يجري اتخاذه.
أفلس المخربون… فلعبوا بورقة المرأة الأردنية
بقلم الكاتب والمحلل الأمني د. بشير الدعجه
أعتقد أن اللعب على دف المرأة الأردنية بدأت تستغله بعض الجهات المفلسة وأصحاب الأجندة التخريبية المتربصين لأي طاريء او ظرف للاساءة للوطن وزجه في اتون الفوضى… وتأليب الشارع الأردني لثقتهم التامة بأن المرأة الأردنية لها قداسة وكرامة لدى كافة ابناء الشعب الأردني… فهي رمز النخوة …والدنو منها يعني إصابته بشهامته ونحره من الوريد للوريد…
ما قادني إلى هذا…حادثة ملفقة للأجهزة الأمنية من جهات مشبوهة ادعت زوراً وبهتانا بنشر إشاعة مفادها ان الأجهزة الأمنية تطارد امرأة أردنية في زقاق وشوارع إحدى المحافظات لالقاء القبض عليها… ونشرت إسمها لإيهام القاريء بصدق الحادثة…
اسلوب إعلامي رخيص ومكشوف يدل دون أدنى شك على إفلاس مصدرها إعلاميا وعملياتيا… ونجاح اجهزتنا الأمنية بخنقه ومحاصرته … وتكبيله تكبيلاً.. وحشره في جحره… مما دفعه لاستغلال المرأة الأردنية وتوظيفها للوصول إلى بعض أهدافه وغايته وإثارة الشارع الأردني إلى مزيداً من الاحتقان ضد الحكومة… وتفجيره معنويا للخروج بمظاهرات ومسيرات تلهب الشارع وتعطل مصالح العباد وتضر بالبلاد إقتصادياً… و تربك الحكومة وتصرف نظرها جبراً عن أحداث التنمية وتجاوز مرحلة جائحة كورونا… و اشغالها باطفاء نار الفتنة التي يدفع باتجاهها هؤلاء المخربين….
لقد قرأ هؤلاء الزنادقة الشارع الأردني بشكل خاطىيء اثر الإجراء الاحترازي التي اقدمت عليه الحكومة مع بعض المعلمات الفاضلات واللاتي لايتجاوز عددهن أصابع اليد الواحدة وأعمتهم اوهامهم واهدافهم الخبيثة متوهمين بقدرتهم على تحريك الشارع والرأي العام الأردني وإثارته سلبياً تجاه الحكومة منطلقين من قدسية المرأة الأردنية عند المواطن الأردني… و المساس بها يعني تدنيس كرامة الأردنيين كافة.
هذه الآلاعيب الرخيصة واساليب الفتنة النتنة لا تنطلي على المواطن الأردني بسهولة… هذا المواطن المثقف الواعي الذي يقرأ مابين السطور ويحلل ويفك الأحرف بأمتياز… فالمواطن لديه الدراية التامة والعلم اليقين والثقة تامة باجراءات الأجهزة الأمنية عند التعامل مع المرأة الأردنية… ويعلم أن هنالك ضوابط أخلاقية وعشائرية واجتماعية ودينية وقانونية عند التعامل معها… ويعلم أيضا ان قضايا المرأة ذات طابع حساس تتعامل معها اجهزتنا الأمنية بكامل السرية والدقة لما للمرأة الأردنية من مكانة محترمة عند الأردنيين…وليس مطاردتها في الشوارع العامة…
لا ولم ولن تقدم اجهزتنا الأمنية على مطاردة سيدة أردنية في الشوارع العامة وعلى مرآى المواطنيين…ولم يسجل التاريخ ذلك نهائياً…. ولا تسمح العادات والتقاليد و الاعراف الإجتماعية للاقدام على هذه الفعلة…
إن مطلقي هذه الإشاعة الخبيثة يثبتوا للاردنيين ان الوطن وأمن الوطن والمواطن هدف استراتيجي لهم… يسعوا بكافة الطرق والأساليب الخبيثة لتهديده على مدار الساعة… وأنه شغلهم الشاغل لتحقيقه… ومحاولين محاولات بائسة – حتى اللحظة – لكن يقظة المواطن واحتراف اجهزتنا الأمنية تفوت الفرصة عليهم دائماً.. وتقض مضاجعهم… وتفسد خططهم التي نسجوها بخيوط كخيوط العنكبوت…
نرفع القبعة ونقف احتراماً لأجهزتنا الأمنية التي تتعامل مع المواطن الأردني وخاصة المرأة وفق قاعدة إنسانية مرتكزاتها الشرعية وسيادة القانون والاحترام المتبادل المستمد من عقائدنا السماوية السمحة وعاداتنا وتقاليدنا واعرافنا الإجتماعية… واضعين نصب أعينهم قداسة المرأة الأردنية وكرامتها التي هي كرامة كل أردني غيور.. وان المساس بها خط أحمر ومن المحرمات التي لاتهاون فيها… وللحديث بقية.
د. بشير الٌدّعَجَهْ
يا لعيب يا خريب
يبدو ان حكومة تل ابيب لم يبق في جعبتها ذخيرة سياسية فقامت باستخدام الذخيرة الحية لاثبات وجودها في مسرح الاحداث هذا ما يقوله بعض المتابعين ، حيث قامت حكومة تل ابيب بإرسال رسالة انفجارية وانشطارية تحمل رسائل عدة إستراتيجية وسياسية عبر تفجيرات بيروت والمرفأ .
عندما حملت هذه الرسالة التفجيرية اوجها متعددة منها ما هو مباشر تجاه حزب الله واخر ما حمل رسالة ضمنية جاء قبل نطق المحكمة الدولية في قضية مقتل الرئيس رفيق الحريري وأخرى ماهيتها سياسية جاءت نتيجة فتح قنوات الاتصال والتواصل الايراني السعودي بوساطة باكستانية حول اليمن والقضايا الخليجية العالقة وفتح قنوات اخرى لاتصالات عميقة مصرية- تركية علي الاراضي الليبية .
وهي قنوات ان حدثت ستحدث تقاربات قد تغير من حركة الاصطفافات علي مسرح الاحداث في المنطقة وستقوم كما هو متوقع بعزل اسرائيل عن دورها المركزي في بناء التحالفات في المنطقة ، الامر الذي أدى كما يقول بعض السياسيين من واقع تقديراتهم لقيام الحكومة الاسرائيلية بإرسال هذه الصواريخ لتحمل رسالة مباشرة ومدوية للجميع ، مفادها ينذر بعواقب الامور ان استمرت عملية فتح هذه القنوات السياسية كما ولتؤكد في ذات السياق من مدى قوة وجودها وحجم تاثيرها علي مسرح الاحداث ، (يعني يا لعيب يا خريب).
حيث تاتي اصطفافات هذه الجمل السياسية قبل الانتخابات الامريكية التي ينتظر ان تجري في الثالث من نوفمبر القادم ، والتي مازال يشوبها الكثير من الغموض جراء حالة عدم وضوح بوصلة التوجه العام لدى صانع القرار الامريكي الذي مازال يقف بين مؤيد للاستمرارية ويقف مع التمادي في الحكم الاحادي للقرار العالمي ، وبين من يرى اهمية التروي وضرورة الكشف واستكشاف المزيد من النقاط وردات الفعل بعد الجرعة الزائدة التي اخذها العالم في عهد دولت ترمب .
وفي انتظار ما ستسفر عنه النتائج و الانتخابات القادمة يقوم ميزان تسارع الاحداث الاقليمي وحركة الاصطفافات في المنطقة والتي إن جاءت باللون الاحمر الى سدة البيت الابيض ستقوم بالتنفيذ وان حملت اللون الازرق الى بيت الحكم ستقوم بإرجاء موعد التنفيذ .
الشاورما تضرب من جديد
من غير المقبول تسمم حوالي ألف مواطن ووفاة اثنين حتى نتحرك ضد الدجاج الفاسد، من غير المقبول أن رقابة الغذاء والدواء مبعثرة منتشرة بين أكثر من جهة وأكثر من مؤسسة ودائرة عامة، أو أن الجهة المناط بها الرقابة لا يتوفر لديها الكادر القادر على الرقابة، ومن غير المقبول أيضاً أن تظل الرقابة معتمدة على “مراقبي الدواء والغذاء” في الميدان في عصر التكنولوجيا والإنترنت، وبغير ذلك نحتاج لجيش عرمرم يطوف يومياً بين الحواري والأزقة والشوارع الخلفية، وهذا أمر غير ممكن عملياً ومادياً.
وفي كل الأحوال فإن أكثر ما يخيف أن تتحرك حملات التفتيش بعد إغراق المستشفيات بالمتسممين فقط، حيث يُبدأ بإغلاق المحلات ومنها محلات حولنا أو في محيطنا، ويخطر لك سؤال، لو لم يحصل تسمم عين الباشا لكنت أنت أو قريبك أو جارك أو أي مواطن اخر يقف بالدور ليأخذ طعاماً من تلك المحلات المرخصة، والتي تبيع سموماً للناس على مرآى ومسمع الجميع، بل تقيم عروضاً تحرق الأسعار حتى يتهافت الناس على شراء تلك السموم.
من غير المعقول أن نسمح بمثل هذا الانهيار في معايير المراقبة للدواء والغذاء، وكيف لك غداً أن تطمئن أن تأخذ من أحد مطاعمنا طعاماً أو شراباً؟! كيف لك أن تطمئن على نظافة الطعام المغلف بأحسن الأغلفة، وفيه من الجراثيم والميكروبات ما يطرح جملاً؟! كيف تطمئن على نظافة العاملين في تلك المطاعم الشعبية وغير الشعبية الذين كسيناهم زياً خاصاً بالمطاعم، وعليه الاسم والعنوان، ولكن العناية بنظافتهم الشخصية ما زالت دون الرقابة المطلوبة؟! وكيف للعامل الذي يزيد راتبه على الحد الأدنى للأجر بقليل ـ رفع عتب ـ أن يملك الوقت أو المال أو الإمكانات للعناية بالنظافة الشخصية.
تسمم عين الباشا أصاب عدداً قريباً من مصابي الكورونا، فقد راجع المستشفيات أكثر من الف مواطن، أليس في ذلك إغراق للبنية التحتية الصحية في البلد ؟! وهو خطر قاتلنا لتجنبه في جائحة كورونا.
أليس في هذا إرباك لكل مؤسسات الدولة الصحية وغير الصحية؟ متى سنظل نعمل بنظام ردة الفعل، الذي هو نوع من التغطية على المشكلة، وتخدير للرأي العام بخصوصها، ألم يحن الوقت لنأخذ بالعلم والتكنولوجيا على الأقل في الأمور المتعلقة بصحتنا وصحة أولادنا.
ليست هذه أول حالة تسمم من الشاورما، وإن دل ذلك على شيءٍ فإنه يدل أن الإجراءات التي اتخذت إما غير رادعة أو أن طريقة الرقابة يمكن التأثيرُ فيها، وتعطيل فاعليتها، وهذا يدعو لضرورة أن لا تكون الرقابة متروكةً لتقدير الموظف الذي يطوف على المحلات، بل يجب أن تكون ضمن معايير مكتوبة عاليةِ الدقةِ والفاعلية.
غاية القول ان حملات الإغلاق ليست بديلة عن منظومة رقابة فعالة، تقوم بالفحص والتقصي وباستخدام أساليب التكنولوجيا، ولا تعتمد على طوافي الرقابة، وبغير ذلك فإنه بين التهاون والمصالح المتضاربة ستعود الشاورما لتضرب من جديد، فاهم علي جنابك؟!!
مصلحة الوطن أهم من المكاسب السياسية والحزبية
ابراهيم دراغمه
المتأمل في بعض المواقف سيجد مع الأسف الشديد أن هناك من أسقط ، بقصد أو بدون قصد، من حساباته وأولويات اهتمامه الواجبات التي تفرضها قيم المواطنة نحو الوطن الذي ينتمون إليه ويحملون هويته، ويعيشون في كنف خيراته وعطاءاته، لتختلط لديهم الأمور إلى درجة أنهم نسوا أو تناسوا أن حب الوطن من الإيمان، وأن إيمان المرء لا يكتمل إلاّ بصدق إخلاصه لوطنه والإيثار من أجله والحفاظ على منعته وعزته وكرامته وسلامته ووحدته . والمؤلم أكثر أن يظهر علينا من يتغنى باسم الوطنية، فيما هو لا يعمل بأي من مدلولاتها ومعانيها النبيلة، بل أنه يستخدم هذا اللفظ لمجرد ذر الرماد على العيون، والتغطية على سلوكياته الخاطئة، وانتهازيته المقيتة، وأنانيته المفرطة، رغم إدراكه أن الوطنية ليست شعاراً نرفعه في المناسبات ولا مصطلحاً تلوكه الألسن في الخطب والتصريحات، وإنما هي مبدأ نبيل تتجلى تعبيراته في البذل السخي من أجل الوطن، والمثابرة للنهوض به، وتغليب مصالحه على ما دونها من المصالح والارتقاء به بين الدول، والسهر على أمنه واستقراره، وبذل كل جهد لإعلاء شأنه وسمعته . واللافت في الأمر أن يتنامى مثل هذا السلوك ويتعمق في وجدان البعض تحت تأثيرات الحزبية والعمل السياسي والمصالح الذاتية الضيقة على حساب الإيمان الراسخ بقيمة ومفهوم المواطنة والولاء للوطن الذي ينبغي أن يتقدم على كل الولاءات الأخرى . إذ أن مجرد التغاضي عن مثل هذا الجنوح سيترتب عليه الكثير من الأخطاء الجسيمة، التي سيكون ثمنها باهظاً على الأجيال الجديدة، التي يتعين تحصينها بثقافة وطنية خالصة، تحميها من الوقوع في منزلقات العصبيات المقيتة والأفكار الدخيلة، والاستلاب الفكري والذهني، وبذور الفتن الماحقة . وفي هذا الخصوص يصبح من الضروري والواجب أن ندعو الأحزاب والتنظيمات السياسية إلى إعادة النظر في خطابها الذي يغلب عليه في كثير من الأحيان الكيد السياسي وعدم التمييز بين خلافها مع الحكومات وخلافها مع الوطن، وبين ما يخص المجتمع بشكل جمعي وما يسعى إليه حزب أو أحزاب على نحو خاص . ولابد أن يكون واضحاً لدينا جميعاً أنه إذا ما تصادمت أية مصلحة حزبية أو ذاتية أو فردية مع مصلحة الوطن، فإن الأولوية هي لمصلحة الوطن وليست لغيرها. فالحقيقة أن ما نعانيه اليوم من مشكلات وأزمات ليس سوى نتاج طبيعي للتشابك الحاصل بين المصالح العامة والخاصة، الأمر الذي أدى بانعكاساته إلى إضعاف مكونات الولاء الوطني، وهو ما نلمس بعض تجلياته في عواصف الانفعالات الحزبية التي دفعت بالبعض إلى تجاهل ما يجري في خواصرهم جراء بروز بعض النتوءات المغلّفَة بالمشاريع الصغيرة، والتي تجد من يشجعها نكاية بالآخر، دون وعي بالمثالب الفادحة التي قد تنجم عن هذا التماهي غير المسؤول على الوطن وأبنائه . ومما سبق فليس من الواقعية والمصلحة أيضاً أن تظل الأحزاب والتنظيمات السياسية متمترسة وراء ذلك الخطاب الذي لا يلقي بالاً للوطن ومصالحه العليا، خاصة وأن هذه الأحزاب مطالبة قبل غيرها بالوفاء بمسؤولياتها تجاه وطنها، والقيام بواجباتها في حماية أمنه واستقراره وسلمه الأهلي ووحدته الوطنية، والتصدي لكل الممارسات المنحرفة التي تحاول النيل من ثوابته ومكاسبه وإنجازاته، خدمة لأجندات خارجية، لا يجهلها أحد . وبصراحة متناهية فإن هذه الأحزاب يجب أن تغير من أسلوبها وخطابها، وتغير من أدائها، وأن تصبح لها رؤيتها الواضحة، التي تبرهن من خلالها أنها مع هذا الوطن وليست عائقاً أو معرقلاً له . وبالقدر الذي نحتاج فيه اليوم إلى تكاتف جهود وزارات التربية والتعليم، والثقافة، والإعلام، والأوقاف والإرشاد، والشباب والرياضة من أجل إيجاد استراتيجية متكاملة لغرس الثقافة الوطنية في عقول شبابنا، فإننا في ذات الوقت ننتظر من المصفوفة الحزبية والسياسية الابتعاد عن ذلك الخطاب التسطيحي والعنتريات المسيئة للوطن، والفهم الواعي، بأن الوطن ليس دكاناً سياسياً اسمه “الحزب” وليس بقرة نحلبها ولا ورقة نقدية ترتبط بها مواقفنا، ولا مركزاً وظيفياً يقربنا من بعض مصالحنا ولا شماعة نعلق عليها إخفاقاتنا، ولا خشبة مسرح ندعي فيها أننا نأخذ جانبه ونحن نمثل عليه . فالوطن أكبر من كل ذلك، فهو الحديقة التي تحتضن الكل، وطن لجميع أبنائه ولكل مواطنيه نستمد منه العزة والكرامة والافتخار .. فلا طهر إلاّ بطهارة وصدق الانتماء، ولا ظفر إلاّ بظفر الوطن ولا وطنية إلاّ بوطنية التضحية من أجل الوطن، ولا خير إلاّ بخير الوطن فهو الأزلي الذي خلقنا الله لخدمته وعلو منزلته، وهو الجدير بالولاء له أولاً وثانياً وأبداً وإذا ما اختلفنا فليكن من أجله ومن أجل مصلحته لا من أجل منافع زائلة أو مكاسب رخيصة أو أهواء ذاتية ضيقة وفي هذه الحالة فقط يصبح الاختلاف مفيداً لكونه يقوم على قاعدة الضد يظهر حسنة الضد الآخر انتصاراً للوطن وليس غيره