غيرُ مفهوم أبدًا السلبية التي تسيطر على الحكومة في تعاطيها مع ملف المدارس الخاصة، رغم النداءات العديدة التي أطلقها أهالي الطلبة والمعلمون، والذين باتوا ضحية خذلان يعكس مدى ضعف الحكومة في مواجهة تغوّل أصحاب هذه المدارس على المواطنين.
منذ بدء أزمة كورونا وتحوّل الدراسة من المدارس إلى المنازل وفق مفهوم التعليم عن بعد، وما سجّل عليه من ملاحظات سلبية كثيرة، كانت النداءاتُ التي يطلقها المواطنون متواصلةً من أجل دفعِ الحكومة إلى إجبار المدارس الخاصة على خصم مبالغ مالية لذوي الطلبة، بنسب محددة تُرحّل إلى العام المقبل، كتعويض عن عدم قيام هذه المدارس بواجبها تجاه تدريس أبنائهم، إلا أن الدولة لم تفعل شيئا، ووقفت عاجزة عن التفكير بالموضوع والتعاطي معه، أو إيجاد مخرج مثالي يُرضي جميع الأطراف.
منذ منتصف شهر آذار الماضي تكادُ تكلفة التشغيل في المدارس أن تكون صفرا، فلا استهلاك للماء، ولا للكهرباء، ولا للأحبار أو الأوراق، ولا وسائل نقل، كما أن المعلمين في عدد كبير من المدارس لم يحصلوا على رواتب كاملة. كل ذلك مَدعاةٌ لأن يكون دافعا للحكومة لأن تجبر هذه المدارس على تحديد نسبة خصم من الرسوم السنوية التي تتقاضاها من الناس، وغير ذلك فمن حقّنا أن نعتقدَ أن ثمة تواطؤا حكوميًا غير مفهوم الأسباب والمبررات. أو أنّ الحكومة ضعيفة جدا أمام هذا التغوّل، وفي كلتا الحالتين الأمر غير مستساغ بتاتا.
انتهى العام الدراسي، ولا شكّ أن آلاف الشيكات التي أودعها المواطنون في المدارس ستردّها البنوك لعدم وجود رصيد يغطيها جرّاء توقف عجلة الإنتاج للدولة منذ نحو أربعة أشهر، ما يعني أزمة مُرتقبة بين الأهالي والمدارس سيكون ضحيتها الطلبة، إذ ستلجأ الأخيرة لعدم تجديد تسجيل هؤلاء في المدرسة إلى حين تسديد جميع الذمم المالية المترتبة على أولياء الأمور، وهذا لن يكون في أغلب الأحيان، وبالتالي سيكون القضاء هو الفيصل في هذه الحالة، ولنا أن نتخيل حجم القضايا التي ستُسجل ضد الأهالي في المرحلة المقبلة، وإلى أين ستؤول الأمور.
غالبية المدارس الخاصة لم تتحكم فقط بذوي الطلبة، بل بكوادرها التعليمية، فبعد أن أجبرتهم على العمل عن بعد دون أن تمنحهم جميع حقوقهم، لجأت إلى عدم تجديد عقودهم السنوية تحت ذريعة عدم معرفتها بأن العام المقبل سيشهد عودة طلبة إلى المدارس أم ستكون عملية التعليم عن بعد.
بل إن بعض المدارس، وعددها كبير، أنهت عقود المعلمين من ذوي الرواتب العالية وأبقت على أصحاب الرواتب المتدنية دون أن تنظر إلى عوامل الخبرة، وجودة العمل وحق الطالب في الحصول على أفضل تعليم على يد معلمين مدربين وقادرين على منحهم معرفة قائمة على التحليل والتفسير والاستنتاج لا التلقين.
المدارس الخاصة، وفي معظمها حققت تكلفتها التشغيلية للعام الدراسي كاملا قبل أن يبدأ، وذلك من خلال الرسوم وبيع الكتب والزي المدرسي، والنشاطات اللامنهجية التي تحوّلت إلى تجارة، وغيرها من الأبواب التي تبدع وتتفنن في الحصول على أموال من خلالها، وهذا من حقّها فهي مؤسسات ربحية أولا وأخيرا، لكن الذي ليس من حقها أن تتباكى الآن وكأنّها هي الضحية الوحيدة لمؤامرة كونية.
على الحكومة أن تتكرّم وتعطي بعضا من وقتها لهذا الملف، وأن تلتفتَ لأوضاع آلاف الأُسر الأردنية ممن أبناؤهم يلتحقون بهذه المدارس، لأنها ستدفع ثمنا باهضا عندما يلجأ الأردنيون إلى نقل أولادهم من المدارس الخاصة إلى الحكومية، وهذا الأمر يرتّب على وزارة التربية ملايين الدنانير لا تقوى خزينة الدولة على توفيرها، إذ ستحتاج إلى بنية تحتية ضخمة، وكوادرَ تعليميةٍ إضافيةٍ في وقت تسعى فيه الدولة إلى هيكلة القطاع العام من أجل ترشيد الإنفاق. الوقت ما يزال مبكرًا لتجاوز هذه الأزمة.
كتاب واراء
ملف المدارس الخاصة: عدالة غائبة!
كورونا .. الليلة الأخيرة
الحياة تعود الى عمان. غيمة كورونا يبدو انها انقشعت. الناس يتدفقون الى الشوارع،واخبار سارة عن فتح لدور العبادة مساجد وكنائس، وصالات المطاعم والمقاهي، والمولات، وعودة موظفي الحكومة والقطاع الخاص.
شركات كبرى اعلنت عن تسريح الالف العمال. ورقم البطالة في الاردن يسأل : هل سيبلغ اثني مليون عاطل عن العمل؟ جيش جديد من فاقدي الوظائف يلعنون كورونا ليلا ونهارا سينضمون الى طوابير العاطلين عن العمل.
وهؤلاء لا يعرفوا اين يذهبون ؟ وليس من جراءة وشجاعة للاعتراف بان نصف الاردنيين عاطلون عن العمل. ولو أن كورونا رحلت من بلادنا فهؤلاء سيدفعون وحيدين الثمن، وفاتورة الفايروس.
السيارات نزلت الى الشوارع، وعادت الازمة والاحتباس المروري تدب في شوارعها. شبابيك مطاعم الوجبات السريعة عادت لتمتلئ بزبائن يقفون طوابير وينتظرون لساعات لشراء سندويشة هامبرغز وكأس كولا.
شرطي السير عينه تصيب لوحات السيارات العابرة فردي وزوجي. وصيد المخالفات يعبر للسيارات المخالفة لاوامر السير بخصوص السيارات المسموح لها بالخروج.
الناس تمر من الشوارع تحدق النطر بما اصاب المدينة في زمن كورونا. مواطن يملك منشأة تعليمية كتب على الفيسبوك انه من بداية ازمة كورونا يقدم طلبا للحصول على تصريح مرور من منصة «سند « التابعة لوزارة الاقتصاد الرقمي، وحتى الان مازال الجواب المرسل اليه « المنشاة ليست ضمن القوائم « ما يعني رفض طلبه، رغم انه استوفى كل الشروط المطلوبة.
صديق عبر عن غصبه على فيبسوك حرفيا قائلا : اول قرار بعد ما تحل كورونا عنا شطب كل المنصات الالكترونية عن هاتفي. اكتفي بهذه الكلمات ليعبر عن موقف ثوري من التكنولوجيا الطارئة، لربما يتفق معه اغلبية الأردنيين.
سنهجر حتى الهواتف الخليوية الذكية،و نعود الى نوكيا الاصم. لم نعرف حتى الان ما هو التعليم عن بعد ؟ صديق يسكن في جنوب الاردن قال لي : كل ما اسمع على التلفزيون من اخبار عن مضاربات التكنولوجيا والمنصات احاول الدخول الى التطبيقات، فاول ما اتعثر به عدم الاتصال وتوفر الانترنت.
سياسيا، الناس غاضبون من النواب. فالسؤال العالق والمتكرر على الالسنة اين اختفى النواب ؟ وكما بدا فانهم دخلوا في اجازة مفتوحة من اليوم الاول للوصول كورونا.
لربما لا يحتاج النواب الى اختبارات اضافية ليكونوا شركاء للحكومة في ازمة كورونا. فالكتاب كما يقولون مقروء من عنوانه. ولا احد يعلم ماذا يحمل قادم الايام من تغييرات، واعادة ترتيب البيت السياسي الاردني بعد كورونا؟
فهل سترحل الحكومة قبل ان نصل الى خاتمة كورونا؟ ومن سيعلن عن هروب اخر فايروس من الاردن ؟ وهل سنعود لنسأل عن المريض رقم صفر ؟ كورونا فضحت كل الاوبئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولربما ان هذا الفايروس اخر ما يفكر به انه وباء مرضي، وعلاجه بالعقار والدواء.
حتى الان حكاية كورونا مازالت مفتوحة، والسارد يبدو من عائلة شهرزاد ؟
رحيل حكيم الدبلوماسية
قبل اشهر قليلة استضفت معالي الاستاذ الدكتور كامل ابو جابر في الجمعية الثقافية للشباب لكي يحاورة نخبة من الشباب والشابات وتقديم عصارة تجربته الثرية لهم..جاء حكيم الدبلوماسية الى الجمعية ترافقة ابنته واستقبلنا بكل الحب الذي يليق به فهو الانسان الذي عرفته ايام كنت في رحاب الجامعة الاردنية: هادئا..مبتسما..رزينا.. جريئا.. واثقا من نفسة..قال للشباب كلاما جميلا تظلله خبرته وسنوات عمره وكيف كانت والدته لديها مكتبة جامعة وكيف كان حضوره السياسي والدبلوماسي الذي لم يسعى اليه ولكنه فرض عليه في احيان كثيرة..قال لهم ان الحياة : مواقف ومبادئ وقواعد وذكريات وعليك ان تتمسك بذلك ولا تحيد عنه مهما كانت الظروف..كان يتحدث بكل ثقه ..وعندما سالته احدى الشابات عن سر حضوره وحدة ذاكرته رغم انه بلغ من العمر الثمانية والثمانين..قال مبتسما : راحة البال والصدق في الحياة والاسرة السعيدة..وعدم الحقد على الاخرين..والعطاء الذي تظلله المحبة.. يرحل حكيم الدبلوماسية الاردنية والناس تشيد بتاريخه وحكمتة ووطنيته الصادقة وسجله النظيف.. احر العزاء لاسرته ومحبيه وال ابو جابر الكرام..
نحو مجتمع معرفي وأردن أفضل
عادة ما تتأثر إستراتيجيات العمل بالظروف الموضوعية التي غالبا ما تكون أكبر تأثيرًا من العوامل الذاتية، لذا تجد معظم إستراتيجيات العمل تنحنى أو تتوقف، وبالتالي تعدل مساراتها لزوم التكيف ولغايات التأقلم مع رياح التغيير أو التغير، التي تأتي عبر المناخات الإقليمية أو الدولية، حيث تؤثر على النظم الإستراتيجية وخططها، في النواحي الإصلاحية والتنموية وفي الجوانب المالية أو الاقتصادية أو الإدارية ، أو حتى السياسية، إلا أن إستراتيجية العمل الثقافية لما يحتويه العامل الذاتي فيها من مكانة متجذرة دائما ما يكون أكبر تأثير من الظروف الموضوعية لذا شكلت ذلك الاستثناء خاصة في ظروف التحديات.
و لما تحويه المنزلة الثقافية من جذور عميقة في الموروث الثقافي والمخزون العقائدي والأدبيات الحضارية والمسلكيات الاجتماعية والبيئة المجتمعية الحاضنة، وهي العوامل الخمسة التي تشكل جذورها، لذا كانت استجابتها كبيرة.
في معادلة التكوين، حيث مقدار الأثر الطبيعي وعمق التأثير البشري ومتانة العلاقة المجتمعية بين الإنسان والأرض والمجتمع حيث الوطن والتي تتشكل منها درجة الانتماء فيما تتعزز عبر مناخاتها قيم الولاء للنظام والإطار الناظم من طبيعة مفاهيم العناية والرعاية والحوكمة الراشدة.
ولأن أركان الولاء والانتماء تتشكل من قيم المواطنة وتنمي المنزلة الوطنية، فإن تعظيم قيمها ومبادئها تتعاظم عند بناء حركة المجتمع بالثقافة الوطنية، لأن الإستراتيجية الثقافية لا تتأثر بالظروف الموضوعية بطريقة كبيرة أو تؤثر عليها إلى درجة وقف الحركة كما يحدت في مسارات الاقتصاد والتنمية بل على العكس من ذلك، كلما كبرت التحديات على المجتمع عظمت معها وسائل الإبداع الثقافي وتعززت من فحوها قيم المواطنة والوطنية الأمر الذي يعول عليها دائما بشحذ الهمم وإغناء مستويات الإرادة، تجاه الوصول إلى هدف أو بهدف تحقيق المنجز من هنا تأتي درجة الاهتمام بروافدها ومساراتها.
ولأن الإستراتيجية الثقافية بحاجة لرؤية، ورسالة وآليات عمل، وسياسات، وبرامج تأثير، وتحقيق أثر، وغايات مركزية، فإن العمل على بلورة إستراتيجية ثقافية يستدعي تبيان هذه المفاهيم، وتوضيح عناوينها، وشرح أدبياتها، وتأطير مساراتها، ووضع برامجها، في الأطر التوجيهية الإعلامية وفي المناهج الفنية والأدبية، حتى تنسجم المنطلقات المركزية مع روافد العمل المتنوعة ضمن أدوات عمل تستجيب لها بيئة المجتمع فتتم درجة التأثير وتظهر عناوين الاستجابة بواسطة تفاعلية مبادرة وتفاعلية مناعية.
وذلك لاعتبارات ضمنية لأن رؤية العمل تقوم على صياغة النموذج الثقافي للخصوصية المجتمعية، وفق معادلة مركزيه تقوم على المنطلقات الحضارية للمجتمع، والاستشراف الموصول للبيئة الحاضنة والاستكشاف المأمول للإبداع واستدراك الحركة الاجتماعية من أجل تحقيق درجة التطلع المتوخاة، وهذا يأتي ضمن جملة خبرية تحدث العلامة الفارقة، فإن العمل على بلورتها يتطلب تكوين دلالة مباشرة عن هذا المزيج لتكوين رؤية المجتمع الثقافي وسمته، وهذا بحاجه لفتح أبواب الحوار لإطلاق الرؤية الإستراتيجية الثقافية للمجتمع، والتي يجب أن تبدأ بنحو يمكن استنباطها من رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني»نحو مجتمع معرفي وأردن أفضل».
أما فيما يتعلق في الرسالة ومحتواها والتي من المفترض أن تعمل على هضم حركة المجتمع الفكرية والأدبية والموروثية والمسلكية والمنهجية، فإن العمل على تكوين رسالتها يتطلب الوقوف عند مصطلح من أجل، التي فيها تهضم جميع هذه المركبات وتؤطر في إطار الاستهدافات المرجوة، والتطلعات المنشودة ، بحيث تقوم على توضيح مسارات العمل وجوانبها ضمن محددات مباشرة، حيث يمكن استباطه من فحوى مضامين الأوراق الملكية.
بحيث ينطلق المجتمع الأردني من إيمان راسخ بالله ويهدف إلى تجسيد تطلعات الإنسان والأرض هوية وانتماء في ظل المجتمع المدني و ضوابط سيادة القانون ومن أجل تعظيم مخرجاته قيم العدالة وتكافؤ فرص، ومن أجل ترسيخ النهج الديمقراطي التعددي الذي يحفظ قيم المواطنة، ومن أجل تجسيد المفاهيم الإدارية في اللامركزية والحكم المحلي، ومن أجل تحقيق أطوار الاقتصاد الإنتاجي، ومن إجل إيجاد بيئة أفضل للتعليم والتعلم والمعرفي، وذلك ضمن رسالة وطنية بنائية معرفية تضيف للعمل الإنساني وروافده علوم المنفعة ونماذج المعرفة.
وهي الرسائل الخمس التي احتوتها الأوراق الملكية حيث يمكنها تجسيد رؤية جلالة الملك بالكيفية التي تمكننا من بناء مضمون المجتمع الأفضل أو المتقدم، وهذا يمكنه تشكيل الجزء الثاني من الرؤية التي حملت عنوان « نحو أردن أفضل» فيما تقوم رسالة المجتمع تجاه الإنسانية لتحمل رسالة الأردن للبشرية جمعاء عندما حملت ذات العنوان نحوالمجتمع المعرفي بقيمه وعطائه الإنساني، وهما ما يشكلان معًا كامل الرؤية» نحو مجتمع معرفي وأردن أفصل « .
وهي الرسالة التىي يمكن اعتبارها المحور الأساس والاتكاء عليها في بناء الإستراتيجية الثقافية للدولة الأردنية بحيث تقوم على بناء شرعية الإنجاز، وإبرازها بتعظيم حركة المجتمع وتطوير وسائلها، وتصميم نماذج العمل فيها، وتوظيف السياسات العامة للدولة في جوانبها وأنظمتها وبما يثري حركة المجتمع الثقافية والأدبية ويجعلها قادرة على تكوين سمة منهجية وقيمية تميزها عن بقية المجتمعات، وإن كانت السمة التي باتت تشكل السمة الغالبة على حركة المجتمع الأردني هي قيمة التسامح ونهج الأمان. وهذا ما يقود نماذج العمل الثقافي، من تسليط الضوء
على هذه القيمة والمنهجية البارزه في المجتمع الأردني، من خلال التركيز عليها في كل النشاطات، باعتبارها علامة فارقة، تميز الأردنيين عن غيرهم ويمتاز بها مجتمعنا الأردني عن غيره من المجتمعات، فإن التسامح ما يعنيه من كرم وجود، وحسن خلق، وعظمة منزلة، حيث تتجلى معانيه بالترفع عن الصغائر، وسمو الأخلاق، وحسن التربية، إضافة إلى أنها شكلت ثقافة حكم أصيل بجذوره العريقة يمكن اعتبارها إحدى القيم الرئيسة في المجتمع الأردني كما في «زهرة السوسنة» حيث يتجسد التعبير، ومن واقع تسليط الضوء على نماذجها المجتمعية باعتبارها تشكل أحد الروافد الرئيسة لشرعية الإنجاز المستهدفة. ولأن منهجيهة الأمان تمزج بين الأمن والحرية والتي باتت تعد أحد أهم سمات المجتمع الأردني، كونها تبرز مقدار مناخات الحرية التي يتمتع بها شعبنا في التعبير والحركة والنشر والبيان وفي المحافظة أيضًا على الرأي الآخر في معادلة التعددية كما تتم المحافظة على الرأي
في ذات المعادلة، فإن المحافظة على مناخات الاستقرار كانت بحاجة دائما لإبراز معاني الأمان من واقع تسليط الضوء عليها وعلى روافعها باعتبارها تشكل أحد أهم اركان العمل الثقافي المنهجي.
أما عن الأمن ورسالته، والذي شكل علامة ميزت المجتمع الأردني عن غيره في كل المحطات، فإن نماذج الأمن العديدة التي باتت محط تقدير عالمي في مجالات الدفاع، والوقاية، والاستدراك، والاحتراز، غدت تشكل علامة فارقة للدولة الأردنية لما تقوم عليها منجزاتها ضوابطها الردعية والاحترازية والحافزية والوازعية، فإن إستراتيجات العمل هذه التي أثبتت نجاعتها، إضافه إلى خططتها التنفيذية التي اقترنت بها في الحروب ضد الإرهاب كما ضد الوباء ما قدمته من منهجية حرفية جعلت من رسالة الأمن الأردني مثالية في العمل، ومضرب أمثال بين المجتمعات نتيجة نماذج العمل التي قدمها الأردن في الحرب على الإرهاب والوباء، وما قام به أيضا تجاه حفظ السلم الإقليمي والسلام الدولي بالأفكار والميدان، يجعل برنامج العمل التثقيفي والتقافي يسلط الضوء على محتواه باعتباره جزءًا من شرعية الإنجاز المستهدفة.
وفي إطار آليات العمل التي يمكن توظيفها لإحقاق حاله موضوعية تستند للعملية بالتقدير، والمهنية في الأداء، فإن آليات عملها تقوم على أسس تراعى فيها البيئة المجتمعية الحاضنة لإحداث الأثر وظروف مناخات التأثير، بحيث يتم اختيار آليات ملائمة لميزان التقدير، حيث يتم تحديد آليات العمل بناء على النظم المركزية للعمل، اذا حملت عناوين توعوية و توجيهية، او ارشادية او بنائية او حتى ارشادية، واختيار الوسيلة الملائمة للتعاطي والاطلاق ان حملت عناوين الطرق المباشرة او اتخذت من الطرق غير المباشرة ووسائل لها للتحقيق التقليدية منها او الاجتماعية .
وهذا يتطلب دراسة محتوى الرسالة ونوعية البيئة المستهدفة وتحديد مواقيت الإرسال، واختيار فريق عمل الإرسال على ان يتم ذلك بمهنية متناهية، فإن مقتضيات العمل التثقيفي بحاجة الى مراكز ارسال مهنية ومنهجية وفكرية بحيث تقوم على ايجاد حالة يستثمر عبرها كتّاب الرأي والمسرح والمسلسلات التلفزيونية والبرامج الوثائقية بما فيها الأماكن التاريجية الجغرافية وميزاتها، وتسليط الضوء على الشخصيات التاريخية الوطنية، والقضايا المجتمعية التي تشكل مفاهيم مجتمعية جامعة، فيها من الأصالة والحضارة كما فيها من الحداثة والمعرفة، وهذا يأتي وفق نسق مجتمعي جامع ترسخ فيه الهوية الاردنية الوطنيهة الجامعة، لما لذلك من اهمية في إغناء الموروث الثقافي والأدبي عند الإنسان الأردني.
ومن هنا تأتي أهمية ايجاد صندوق للابداع السينمائي والمسرحي والفني بشكل عام، بحيث يعمل على اكتشاف المواهب الأردنية وإعادة تأهيلها بنظم احترافية، والعمل على تدريب كوادرها من اجل صناعة معرفية تقوم على صناعة الفن والسينما، وتعمل على الاهتمام بالمسرح والسينما الاردنية والمسلسلات الاردنية والنماذج الفنية المتنوعة لكونها تشكل المناخات الايجابية في اغناء روافع رسالة الانجاز الوطني وشرعيته، فإن الظروف الانتاحية بحاجه دائما الى مناخات عمل مشجعة ومحفزهة تقوم على بلوره بيئة صحية للعمل كما بقية مسارات الانجاز لاسيما في المسارات الديمقراطية والمدنية واللامركزية والتعليمية وكما في نماذج الاقتصاد الإنتاجي.
اما السياسات التي يمكن اتباعها فإنها تقوم على مزج النظم الحافزة بالنظم الوازعة، وذلك لاعتبارات تقديرية لها علاقة بطبيعة البيئة الفنية وآلية عملها باعتبارها الأداة الموصلة للرسالة والمشكلة لدوائر التأثير، وهذا يتطلب تشكيل نماذج عمل تدار في البداية، من خلال منصات مركزية حيث تتكون في هذه المنصات من خلال هيئة مستشارية تحوي خبرات تقنية عربية ودولية في الإخراج والتأليف وكتابة السيناريو واللوجستية المتممة حتى يتم تشكيل منظومة عمل مهنية للأعمال الفنية كما المسرحية والسينمائية، من أرضية نصوص توجيهية وتوعويه تهتم في معالجة القضايا المجتمعية، وهذا بحاجة الى ايجاد جوائز سنوية للابداع والابتكار والاغناء الفني والتقني في المجالين الفني والسينمائي ، إضافة الى أهمية توحيد مرجعيات العمل في اطار هيئة مستقلة تقوم على وضع إستراتيجيات العمل ولا تتأثر بعوامل تغير السياسات بتغير الوزارات.
اما عن برامج التأثير وتحقيق الأثر، فإنها تقوم على اختيار نوعية الوسيلة المناسبة للرسالة والصيغة التي يمكن تقديمها عبر برنامج يطلق الرسالة ويتابع وصولها ويقيم مقدار تأثيرها حيز الواقع وعمق الاستجابة المجتمعية الناشئة، ضمن برنامج التقيم والتغذية الراجعة لغايات التصويب واعاده البناء.
إن العمل على تقديم هذه الاستراتيجية وايجاد الخطط التنفيذية لتحقيقها ضمن جدول زمني معلوم ، سيعمل على اعادة الزخم للمنتج المعرفي في صناعة السينما والفن والكتابة، وسيؤدي ذلك الى تبديد المناخات السلبية في المجتمع أينما وجدت، والتخفيف من مقدار التركيز على الحالة السياسية، وتسليط الضوء على قضايا مجتمعية يمكن معالجتها بالطرق التوعوية أو الارشادية دون توجيه نقد وجاهي لكن عبر معالجة تجسيدية وضمن برامج واضحة، تحاكي الواقع بموضوعية، وتقوم على بناء مناخات مجتمعية تلفظ التطرف والانتقاد والتشكيك والاتهامية وتحضن الرأي الآخر كما الرأي والمعارضة الايجابية مناخات التعددية.
ولأن المرحلة الاستثنائية التي تشهدها المنطقة بحاجة الى تعزيز مناخات المناعة الثقافية والوطنية والتثقيفية الوقائية حتى يصان الفضاء المجتمعي ويحافظ على حالة الفكر الفردي من مع اشتداد الرياح الفوق قطرية والتي تحمل اتربة مسمومة تعمل على التشكيك والخلخلة في انظمة الرأي ونسيج الوحدة الوطنية والمجتمعية، لمآرب معلومة و مقروءة، سياسية وجيوسياسية نتيجة تبدل موازين القوى وتغير التوجهات العامة بتبدل مراكز الاستقطاب الإقليمي.
إن التصدى لهذه الأجواء وظروف تكوينها بحاجة الى مصادات وطنية ثقافية بحيث لا تقوم انظمتها على تغذية الهويات الفرعية كونها محببة لهذه الاتربة الفايروسية بل تعمل على اعلاء مكانة الهوية الاردنية الجامعة وتعظيم جوانب العلاقة الدستورية التي تمزج ما بين الشرعية الملكية التي جاءت مع الخيمة الهاشمية برسالتها الفكرية وأوتادها التاريخية والدينية والثورية مع الشرعية الشعبية حيث الخيارات الشعبية و بيت القرار النيابي، من على هذا المزيج الرأسي والأفقي يعمل الجميع بقيادة رائدة على تحقيق مكانة شرعية الإنجاز التي يسعى لتحقيق أركانها جلالة الملك عبدالله في المملكة الرابعة، وهذا ما بينه كتابي «شرعية الإنجاز والحياه السياسية».
و من هنا تأتي أهمية، اطلاق استراتيجية ثقافيه في هذه المرحلة تعنى بالفكر والنهج والمحتوى وتقوم على آليات عملها على إغناء المحتوى الإعلامي بالرسائل الفكرية والمنهجية و تعظيم دور الرسائل الإعلامية وكيفية اطلاقها، وتمكين دور المنصات التوجيهية فيها للوصول إلى الآلية الملائمة لتحقيق التأثير الأوسع في دوائر الاستهداف، فإن العمل على تعزيز مناخات الثقة و تقديم توجهات الرأي بطريقة نمطية ورسمية بالندوات والمؤتمرات واللقاءات الوجاهية باتت بحاجة إلى إعادة بناء في ظل الظروف السائدة واسقاطاتها، لذا كان اتباع الوسائل الفنية في تقديم الرسالة ومحتواها وطرق علاجها هو الوسيلة الأفضل بتعزيز المحتوى الثقافي والذي بدوره سيعمل على إيجاد مناخات إيجابية تسهم بتشكيل مناخات مجتمعية اكثر تفاعلية، إضافه الى أن هذه الإستراتيجية ستعمل على ايجاد ارضية ملائمة لإطلاق صناعة معرفية سينمائية وفنية عامة، وهي تعد احد روافع العمل للاقتصاد الإنتاجي في إطار الرؤية الإستراتيجية التي تحمل عنوان «نحو مجتمع معرفي وأردن افضل» ، لذا كان هذا الاجتهاد الذي نرجو أن يحقق إضافة.
المقترضون بلا هوادة
قبل عقد من الزمكان (وهو شوربة مكونة من الزمان والمكان) طلعت عندنا صرعة تبناها أحد البنوك المحلية تدعو المواطن للحصول على قرض لتغطية مصاريف ضرورية يحتاجها فورا، فقد استجاب البنك لحاجات السوق، ونشر عروضا تدعو المواطن للحصول على دفعة محددة لتعبئة الديزل من أجل التدفئة(مثلا)، ويتم التسديد بأقساط بسيطة.
في حالتنا ا الكورونية الإفلاسية الحالية، لا عجب أن يعيد التاريخ نفسه مرتين، فلا تندهشوا إن شاهدتم الطريقة القديمة وقد رجعت لعادتها القديمة، وقد تقاسمها التجار وأصحاب البنوك والأطباء والصيدليات المناوبة وغيرهم، فقد تجد شعارات مثل:
= أملا سيارتك بالبنزين وادفع بعد ألفي كيلومتر!!
= أطعم أولادك اليوم دجاجا وادفع غدا!
= دفئ قدميك بجرابات (….) وادفع بعد غد!
= تناول مطعوم الأنفلونزا……!!
= اشتر كتب أولادك وقرطاسيتهم. !!
=أقساط المدرسة.
=احجز نفسك في فندق والدفع بعد انتهاء فترة الزوجي والفردي.
= تزوج اليوم…ويدفع أولادك.
= أجرِ عملية قلب مفتوح والأجر على الله!!
= نقوم بتجهيز جنازتك ودفنك والدفع بعد الرفع!!
أقصد، ان كل شي في حياتنا صار يحتاج إلى قرض ما، حتى تمشي الأمور… طبعا أنا لن استفيد من قرض الديزل أعلاه لأني ما زلت من ذوي الصوبات، لكني قد استفيد مستقبلا حينما تصير التدفئة عن طريق الطاقة الذرية المسحوبة من مفاعلنا النووي للغايات السلمية طبعا.
وتلولحي يا دالية
التعليم العالي والقرار الصائب
في ظل الظروف الحالية التي تسود العالم بسبب وباء كورونا، يظهر جليا المواقف المضيئة من أفراد ومؤسسات، ومن تلك المواقف الموقف الذي اتخذته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في توجيه تحذير للجامعات الأردنية بضرورة وضع الظروف التي يمر بها المواطن والمواطنون على قائمة الاهتمام، ونحن في وطننا الغالي نمر بمرحلة غاية في الحساسية وتحتاج الى تكاتف الجهود بين جميع أفراد المجتمع، والنظر بعين المسؤولية تجاه اي معضلة يمر بها الوطن والمواطن، ومن هنا كانت خطوة وزارة التعليم العالي ممثلة بوزيرها الدكتور محي الدين توق، تنم عن بعد نظر وإحساس عال بالمسؤولية ومراعاة ظروف الطالب الذي يتلقى علمه ويحلم بمستقبل مشرق ينتظره، فليس من المنطق ان يطلب من الطالب تسديد أقساط دراسته الجامعية، والجميع يعيش وضعا اقتصاديا صعبا ومعظم أولياء أمور الطلاب توقفوا عن أعمالهم وخضعوا لقرارات الحكومة ومعهم جميع الأردنيين في هذا الوطن المعطاء بالتزام البيوت وعدم الخروج الا للضرورة القصوى، وانقطع مصدر رزقهم الذي يعينهم على تسديد أقساط أبنائهم الجامعية.
فالطلاب يخضعون لضغوطات شديدة بخاصة بعد ان اضطروا مجبرين لا راغبين على تغيير نظام التعليم الذي اعتادوا عليه منذ بداية تلقيهم العلم واتباع تعليم جديد قائم على التعليم عن بعد، وهذا ليس بالأمر السهل وهناك أيضا معوقات كثيرة يواجهها الطلبة، هذا عدا الضغط النفسي الذي يشعرون به بسبب امر قد استجد على كافة نواحي العملية التعليمية.
فالطالب له الحق بدخول منصة الامتحانات النهائية الالكترونية وهو من صميم دمقرطة التعليم ليشمل كل محتاج للعلم لا ان يخضع لحالة من التوتر والخوف بتوجيه تحذير له بتسديد التزاماته المادية والا سيتم حرمانه من الامتحانات النهائية، فجاءت مناشدات وزارة التعليم العالي باهمية مراعاة ظروف الطالب والظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن لترفع عن كاهل الطالب هم التفكير في كيفية تدبير اقساطه الجامعية، ويحتم على الجميع رص الصفوف والتآزر والتضامن في ظل هذه الاوضاع الصعبة بسبب جائحة كورونا، ولتكون خطوة وزارة التعليم العالي من الخطوات المهمة لتعزيز مفهوم التكاتف والتعاون بين مختلف شرائح المجتمع الاردني، اخذه بعين الاعتبار الظروف المادية التي تمر بها الجامعات.
خلاصة القول:
نحن كأردنيين مهتمون بمراعاة ظروف بعضنا البعض، وعلينا كمسؤولين ومعنيين بأمر الوطن والمواطن ان نظهر قوة اللحمة الوطنية التي نعيشها في هذه الأوقات، حتى نستطيع جميعا تجاوز أزمة وباء كورونا والعبور الى شاطئ الأمان.
الجائحة ووهم الحرية
الجائحة وما لازمها من إجراءات أحدثت هزة وزلزالا اجتماعيا وثقافيا أثر وسيؤثر على علاقاتنا وجوانب حياتنا وتفاعلاتنا وقيمنا وأفكارنا. حتى اليوم لا أحد يعرف تماما حجم التغير الذي سيطال نظمنا ومؤسساتنا وأشغالنا لكن الواضح أن لا شيء سيعود إلى ما كان عليه.
قبل حدوث الجائحة ما كان أحد ليصدق أن بإمكان الناس أن يمضوا أشهرا طويلة في بيوتهم يتجنبون المخالطة والمصافحة والأكل الجماعي والتقبيل. للمرة الأولى تغلق دور العبادة ويتوقف الشباب عن التسكع في المقاهي ويصبح التعليم عبر الشاشات والتطبيقات التي تجاهل الناس وجودها على أجهزة اتصالاتهم. الأسرة التي فقدت أدوارها عادت لتصبح شريكا ورديفا للمدرسة في عملية التعليم.
لم يسبق لهذا الجيل أن عايش تجربة التنازل الطوعي عن حرية الحركة والتنقل ولا الانصياع الاختياري لأوامر الدفاع والتجاوب معها وتأييدها كما حصل في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية. فللمرة الأولى تتحول البلاد إلى ما يشبه معسكرات التدريب، حيث ينطلق الناس لمصالحهم ويعودون لبيوتهم على إيقاع صفارات الإنذار وحسب التعليمات والأوامر التي يجري تحديثها يوما فيوم.
تعاملُ الأردنيين وتجاوبهم مع أوامر الدفاع وإجراءات الحظر والحجر ظاهرة ملفتة وتحتاج إلى الكثير من الدراسة والتحليل. الحظر الشامل الذي طبّق خلال الأيام الأخيرة من رمضان ويوم العيد كان موضعا للنقاش وسط تباين واضح في المواقف والآراء. ففي حين رحب البعض بالقرار واعتبره تمرينا تعبويا مهما للانضباط والعمل الجماعي من أجل حماية الصحة والحد من انتشار الوباء، اعتقد البعض الآخر أن القرار قاس واختطف بهجة العيد، وسلب الفرحة والروحانيات التي يحتاج لها المجتمع في هذه الظروف الاستثنائية الصعبة.
بالرغم من هذا التباين في المواقف إلا أنها تبقى أولية وغير حاسمة، فالناس يتنازعهم نوعان من الرغبات المتعارضة. ففي الوقت الذي يرغب فيه الأفراد بممارسة الحرية وتجنب الإملاءات للتحرر، يشعر الكثير من الأفراد بالخوف والقلق من الأخطار المحتملة والعواقب التي قد تتولد عن ممارستهم للحرية في بيئة وظروف غير آمنة.
في ذاكرة الآباء والأمهات مواقف وأحداث وخبرات طفولية متعددة يسترجعونها وهم يمارسون أبوتهم وأدوارهم الوالدية مع الأبناء والأحفاد. عدد المواقف التي رفض فيها الآباء والأمهات رغباتنا يزيد مئات المرات عن الحالات التي سمحوا لنا فيها بالقيام بما كنا نرغب القيام به. أجيال من الآباء والأمهات أمضوا حياتهم وقاموا بأدوارهم دون أن يعرفوا أصول التربية والتوجيه ولا انعكاسات ما يقومون به ويتخذونه من قرارات على شخصيات الأبناء وسلوكهم المستقبلي. القاعدة الذهبية التي استخدمها الآباء وأصرت عليها الأمهات كانت محصورة في الرفض لكل ما يحاول أن يحصل عليه الأبناء والتفاوض معهم في حالة الإصرار على ما يريدون.
نتيجة لطبيعة المجتمع وبنية السلطة وسيادة النظام الأبوي فلا أظن أن مفهوم الحظر جديد على أي منا. في ذاكرة كل واحد منا عشرات أوامر الدفاع التي أصدرها الآباء والأمهات لمنعنا من اللعب أو شراء ما تعلقت بها أنفسنا أو رغباتنا في المخالطة لأشخاص أحببنا مرافقتهم والتفاعل معهم. إدارة البيوت والأسرة كانت بسلسلة من الأوامر والنواهي الصارمة والتي لا تعترف بالفروق الفردية ولا الرغبات فالمهم هو الضبط للسلوك والقمع للرغبات التي قد تتولد في نفوس الأبناء.
في كل مرة يصدر فيها أمر يذعن الناس ويتمنون أن يكون الأمر في صالح الجماعة، الكثير من الأمم سلمت أمرها لسلطاتها الحاكمة وكلها أمل أن لا يجانب الرشادُ أحكامَها وقراراتِها. ففي مثل هذه الأوقات تحتاج الأمم إلى الدكتاتور الحكيم العادل أكثر من حاجتها إلى سفسطة وجدل الانتهازيين والتجار والمقاولين.
كلفة إغلاق المطار كبيرة يا معالي الوزير
يخرج علينا وزير الصحة الجنرال سعد جابر ويقول إن المطار لن يفتح قبل الأول من تموز المقبل، ويتطرق إلى تفاصيل كثيرة في هذا الملف، الذي يرتبط بعوامل عديدة.
علينا أولا أن نحصي خسائر الملكية الأردنية من توقف الطيران، وقدرة الحكومة أساسا على دعم الملكية الأردنية المدينة أساسا، والتي لديها نفقات تشغيلية والتزامات مالية ليست سهلة، إضافة إلى شركات الطيران الخاص التي قد تواجه الإفلاس إذا بقي الوضع هكذا، والأمر يمتد هنا إلى كل قطاع الطيران، بما في ذلك الشركة المشغلة للمطار، والتي تدفع نسبة من أرباحها ودخلها للخزينة، وهذا يعني أن توقف المطار يضر الخزينة أيضا، إضافة إلى بقية المؤسسات في المطار من سيارات الأجرة، وصولا إلى السوق الحرة، وما بينهما من محلات تجارية، وعلاقة كل هذا بقطاع السياحة والفنادق، وتدفق المغتربين والطلاب والباحثين عن علاج.
لقد قيل مرارا إن عددا كبيرا من المغتربين قد يضطر أن يعيد كل عائلته بسبب الظروف الاقتصادية المستجدة، وأن يبقى رب العائلة في مهجره، هذا على افتراض أن فرصة عمله ما تزال قائمة، وهناك عائلات ستعود بأكملها، الزوجة والأبناء والزوج، وهذا يعني أنه مع نهاية الفصل الدراسي في دول كثيرة، يمكن أن يقال إن هذه العائلات عالقة الآن، وستبقى طوال حزيران، فلا هي عادت إلى الأردن، ولا هي أمضت إجازة الصيف من بدايتها، ولا هي قادرة على الصرف طوال هذه الفترة خارج الأردن، ولعل المثير هنا أن تطبيق وصفة الحجر على العائدين ستكون مرهقة جدا، لعائلات مكونة من عدة أفراد، وعودتها مضطرة ستكلفها آلاف الدنانير من تذاكر سفر، وأجور حجر طبي، إذا استمرت وصفة الحجر على العائدين، وهي وصفة لن تصمد عند فتح المطار، وبدء تدفق عشرات آلاف المسافرين يوميا.
هناك جانب آخر يرتبط بأعداد كبيرة من الأردنيين قد يحصلون على مقاعد دراسية أو منح خارج الأردن، وهذا ملف قد يكون مبكرا طرحه، إلا أن هؤلاء بحاجة إلى فتح المطار للسفر، ومعهم، أعداد ليست قليلة من الأردنيين من حملة الإقامات خارج الأردن، علقوا هنا، وبحاجة للعودة إلى أعمالهم، أو تجديد إقاماتهم، أو إثبات وجودهم في الدول التي تشترط إثبات الوجود للحصول على الجنسية، وتعقيدات هذا الجزء، يجب أن تدخل عنصرا أساسيا عند اتخاذ القرار.
إغلاق المطار، عملية ليست سهلة، وربما الجزء الذي لا ينكره أحد، يرتبط بإغلاق مطارات كثيرة، والكل يعرف أن الطيران شبكة واحدة، لكن يمكن فتح المطار ضمن شروط صحية، وبشكل مبكر وعدم انتظار شهر تموز، بين الأردن والدول التي فتحت مطاراتها على الأقل، تسهيلا على المغادرين تحديدا من الأردن، إضافة إلى بدء التدرج بفتح المطار مع الدول التي فيها أعداد من الأردنيين المضطرين للعودة، مع الإشارة هنا إلى أن إغلاق المطار، بشكل متشدد، يعني خسارة الأردن لموسم الصيف على صعيد عودة المغتربين وإنفاقهم للمال.
الكلفة الاقتصادية لإغلاق المطار، ليست بهذه البساطة، ولا بد من التدرج بفتح المطار، لا مواصلة إغلاقه كاملا حتى مطلع تموز، كما أن كل الإشارات من دول عربية وأجنبية تؤكد بدء فتح المطارات منذ مطلع حزيران، أو منتصفه، ولم نسمع عن التأخر إلى مطلع تموز إلا في الأردن، وهذا قد يفسر على أنه نوع من الحذر الزائد، والخوف على الأردنيين هنا، من نقل العدوى، ومواجهة أزمة كبرى بسبب الوباء، تفوق إمكانات الأردن الصحية.
سيتم الرد منذ الآن، أن هناك تنسيقا بين الدول، حول فتح المطارات، وهذا أمر صحيح، لكن هذه المطالعة تتقصد التأشير على جوانب كثيرة بخصوص إغلاق المطار في الأردن، من عدة زوايا اقتصادية وصحية واجتماعية، وهو إغلاق سيكمل شهره الرابع تقريبا إذا تم فتح المطار في تموز، بما يعنيه ذلك من خسائر مالية للمطار وشركات الطيران، واضطراب أوضاع الأردنيين في الخارج، الذين لن يأتوا بعد تموز، أو قد يضطرون للسفر صيفا إلى دول أخرى إذا ساعدتهم إمكاناتهم المالية، أو قد يطرقون البوابات بعنف لفتح المطار، تحت وطأة خسارة العمل، أو خفض الدخول.
علينا أن نبحث عن وصفة وسطى، تراعي الجانب الصحي، ولا تعتبر إغلاق المطار أيضا، مجرد قرار احترازي عادي.
اعتداءات الديسي.. أين المعتدون؟
عانينا الأمرّين قبل أن نكحّل أعيننا بمشروع جر مياه الديسي وقد اكتمل وأصبح واقعا، يروي عطش المواطنين في شتى المحافظات.
أجيال من الأردنيين كانوا شهودا على ولادة فكرة المشروع قبل أزيد من عقدين، ظلت تراوح مكانها بين التردد والتعثر والتباطؤ، فتضاعفت كلفة المشروع ثلاث مرات عندما عقدنا العزم على التنفيذ.
في نهاية المطاف ولد المشروع الحلم، وتدفقت المياه في خط طويل من أقصى نقطة في جنوب المملكة إلى شمالها. 100 مليون متر مكعب سنويا توزعت على مدن الوسط والشمال وساهمت إلى درجة معقولة في سد العجز بحاجتنا من المياه.
لم يعد ذلك كافيا في الوقت الحالي، وصار لزاما العمل بكل إمكانياتنا لإنجاز مشروع تحلية المياه في العقبة وجرها إلى الوسط والشمال، فمع تدفق اللاجئين والزيادة السكانية، تنامت الحاجة إلى المزيد من المصادر في بلد يعد من أفقر البلدان مائيا في العالم.
المؤسف أننا، مواطنين وحكومات، أخفقنا في صيانة نعمة الديسي، فمنذ بدء الضخ بأنابيب الديسي وهي عرضة دائما لاعتداءات مشينة، كبدتنا خسائر مائية ومادية كبيرة، وعرضت قطاعات واسعة من المواطنين؛ عشرات بل مئات المرات، إلى انقطاع المياه لأيام عن خزاناتهم.
لا ننكر أن المسؤولين بذلوا جهودا لوقف تلك الاعتداءات، وتغليظ العقوبات على مرتكبيها، لكن هذه الجهود لم تكن أبدا حاسمة كما هي إجراءات مراقبة النقاط الحساسة على طول الخط.
في الشهر الماضي، فقط، تعرض الخط لأربعة اعتداءات على ما أفادت وزارة المياه، تسببت في انقطاع الضخ عن محافظات عدة. وقبل ذلك بأشهر وقع الديسي ضحية لاعتداء كبير على إحدى محطاته في الجنوب، تطلب استنفارا واسعا لإصلاحه قبل أن يضج الناس من نقص التوريد.
والمفارقة أن وزارة المياه والجهات المسؤولة تتوعد الفاعلين كل مرة بأشد العقوبات، وتتعهد بتعزيز إجراءات الحماية حتى لا تتكرر الاعتداءات. لكن لم نشهد مرة واحدة محاكمة متورط في اعتداء، لا بل لم يعلن عن القبض على أحدهم، مع أننا لا ننفك عن الإعلان في وسائل الإعلام يوميا عن ضبط مطلوبين في مخالفات بسيطة لا ترقى أبدا لاعتداءات الديسي الآثمة.
حاولت الجهات المعنية كسب دعم المجتمعات المحلية للقيام بمهمات الحماية والحراسة، وتشغيل أبناء من مناطق الجنوب بهذه الوظائف، إلا أن ذلك لم يفلح في وقف الاعتداءات.
العذر الدائم أن الخط يمر في طريق طويل ولا يمكن تأمين حماية له على مدار الساعة. لكن ثمة تجارب لدول كثيرة في هذا المجال تمر في أراضيها خطوط النفط والغاز والمياه ولا تتعرض لهذا الحجم من الاعتداءات.
في تفاصيل الاعتداء الأخير على سبيل المثال تبين من الرواية الرسمية أن المعتدين أخذوا وقتهم في تنفيذه، ومع ذلك لم يتم اكتشافهم أو إحباط العمل أثناء وقوعه.
لم يعد مقنعا بيانات الاستنكار والمناشدة من وزارة المياه، والتحذير من خطورة الاعتداءات وضخامتها. ماذا نستفيد ما دامت الاعتداءات مستمرة والانقطاعات تتوالى. ينبغي أن يكون هناك تحرك جاد وصارم يضع حدا لهذه الاعتداءات، خاصة وأننا نخطط لمد خط ثان ضمن مشروع ناقل البحرين الوطني، فهل سنترك منشآت حيوية كهذه ضحية للتخريب؟