9.1 C
عمّان
الجمعة, 7 مارس 2025, 2:09
صحيفة الأمم اليومية الشاملة
حكمة القيادة في مواجهة التحديات: مقاربة سياسية بين صلح الحديبية وقرار التهجير

كتاب واراء

الطريق الصحراوي

مريم الخالدي

(طريق الموت)
كثر في الأوانه الاخيره الحديث عن حوادث تقشعر لها الأبدان على الطريق الصحراوي وهناك عائلات بأكملها ذهبت ضحيه الطريق المشؤوم وقد ناشد الكثير بعمل صيانه لهذه الطريق ولكن لا حياة لمن تنادي وكأن أرواح البشر لاقيمه لها ولأهمية هذا الموضوع أرتايت ان اتحدث عن أبعاده ومخاطره بدايه لماذا تكون حياة المواطن من آخر أولويات الحكومه ولاتكترث اذا كانت حياته بخطر ام لا جراء هذا الطريق ولماذا كل هذا الاستهتار والإهمال وأين دور البلديات من مجريات الأحداث التي تحصل وهنا تذكرت مقوله الملك الراحل المغفور له جلاله الملك حسين رحمه الله الشهيره بأن الإنسان هو أغلى ما نملك ولكننا في زمننا هذا أصبح ارخص سلعه وليس لديه ايه حقوق ولاقيمه واخيرا اود ان أوجه رساله الى كل مسؤول اتقوا الله وحكموا ضمائركم واعملوا على اصلاح وترميم هذا الطريق المخيف الذي أصبح يشكل كابوسا لكل شخص يعبر من خلاله وننقذ أرواحا بريئه لا ذنب لها حقيقه لست أدري ماذا ننتظر لحل أزمة هذا الطريق وإلى متى سوف نبقى مكتوفي اليدين ولانحرك ساكنا هل عندما تزداد أعداد الوفيات والمصابين سوف يخجل المسؤولين على أنفسهم حينها سوف يكون قد فات الأوان ومن حقي كمواطن بأن أنعم بالأمن والسلامه من كل اذى وهذا هو من ابسط الحقوق وعلى الحكومه توفيرها

Share and Enjoy !

Shares

إشكاليات قانونية في قرار المحكمة الإدارية!

المحامي محمد المجالي

تعليق أولي على قرار المحكمة الإدارية القاضي بوقف قرار إعلان نقابة المعلمين الاضراب المفتوح مؤقتاً.

قررت المحكمة الإدارية في الطلب المستعجل رقم 20/ط/2019 المتفرع عن الدعوى رقم 381/2019 وبتاريخ 29/9/2019 وقف قرار إعلان نقابة المعلمين الاضراب المفتوح مؤقتاً.

إن هذا القرار وأسبابه وأسانيده تثير مسائل قانونية مهمة يجب دراستها بشكل معمق من قبل المختصين والمهتمين من قضاة ومحامين وأكاديمين لما انطوى عليه من اشكاليات تتعلق بإختصاص المحكمة بالنظر في الدعوى التي أقامها إثنان من أولياء أمور طلبة المدارس.

المسألة الأولى: هل يتحقق شرط المصلحة الشخصية المباشرة لطالب إلغاء القرار الإداري؟ حيث تنص المادة 5/هـ من قانون القضاء الإداري (لا تُقبل الدعوى المقدمة ممن ليس له مصلحة شخصية)، وقد استقرّ قضاء محكمة العدل العليا سابقاً والمحكمة الإدارية على أن المصلحة في إقامة الدعوى يجب أن تكون مصلحة مباشرة وتؤثر في المركز القانوني للطاعن أي أن القرار الإداري يؤثر سلباً في المركز القانوني لشخص الطاعن وعدم قبول الطعن في القرارات الإدارية ذات الصفة العامة، فدعوى الإلغاء ليس دعوى شعبية أو دعوى حسبة تقبل الطعن من غير المعني فيها بشكل شخصي ومباشر.

المسألة الثانية: هل تختص المحكمة الإدارية إبتداءً بالنظر في الدعوى وهل يقع قرار إعلان نقابة المعلمين الاضراب ضمن القرارات الإدارية التي تختص المحكمة في النظر في الطعون المتعلقة بها؟ حيث حددت المادة 5 من قانون القضاء الإداري اختصاص المحكمة بالنظر في الطعون المتعلقة بالقرارات الإدارية النهائية وبينت هذه المادة ماهية هذه القرارات على سبيل الحصر في تسعة أنواع من القرارات.

والسؤال المهم هنا: ضمن أيٍ من أنواع القرارات التسعة يقع إختصاص المحكمة في النظر في هذه الدعوى أو هذا الطعن؟

وقد يقول قائل أن المحكمة لم تنظر الدعوى بعد ولم تنظر في مسألة القبول الشكلي للدعوى وانما نظرت في الطلب المستعجل المقدم في الدعوى أولاً وأصدرت قرارها فيه فقط وأنها بالتأكيد ستنظر تفصيلاً في مسألة الإختصاص فيما بعد عند الشروع في اجراءات الدعوى. وهذا قول يخالف صحيح القانون وصريحه، ذلك أن المحكمة يتوجب عليها لقبول الطلب المستعجل والبت فيه أن تقرر إختصاصها في النظر في الدعوى الأصلية إبتداءً ومن ثم تشرع في بحث شروط الطلب المستعجل الأخرى، حيث نصّت المادة 6/أ من قانون القضاء الإداري على ما يلي: (تختص المحكمة الادارية بالنظر في الطلبات المتعلقة بالامور المستعجلة التي تقدم اليها بشأن الطعون والدعاوى الداخلة في اختصاصها)، أن عبارة (الطعون والدعاوى الداخلة في اختصاصها) عبارة صريحة ومباشرة وواضحة الدلالة وتفرض على المحكمة عند النظر في الطلب المستعجل أن تحكم في مسألة الإختصاص وتقرره لنفسها وفق المادة 5 التي تحدد إختصاصات المحكمة.

ومن الواضح أن المحكمة الإدارية لم تعالج هذه المسألة بالشكل المطلوب قانوناً بل تجاهلته تماماً، واكتفت بتبرير إختصاصها بنظر الطلب المستعجل بأن هذا الطلب مُقدّم إليها تبعاً للدعوى الإدارية رقم 381/2019 ولم تبحث في مسألة إختصاصها بالنظر في هذه الدعوى.

والجدير بالذكر هنا أن قرار المحكمة الإدارية بالطلب المستعجل ليس قراراً نهائياً وهو قابل للطعن لدى المحكمة الإدارية العليا خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدوره أو تبليغه حسب مقتضى الحال وفقاً للمادة 29/ب من ذات القانون.

Share and Enjoy !

Shares

مع المعلم

وصفي خليف الدعجة

جاءت هذه الحكومة الحالية عقب سقوط حكومة الدكتور هاني الملقي بمظاهرات شعبية عارمة وكنا نتوقع أن تكون هذه الحكومة أفضل من سابقتها ولكن للأسف الشديد اتضح للجميع أنها لا تختلف كثيرا وان حكومة الملقي كانت أفضل بكثير .

منذ ثلاثة أسابيع ونقابة المعلمين في إضراب مستمر للحصول على علاوة بسيطة تقدر بنحو 120 مليون دينار كنتيجة لارتفاع أسعار السلع والخدمات والحكومة عاجزة عن إقرار هذه العلاوة البسيطة .

هذه العلاوة في حالة اقرارها سوف تعود بالنفع والفائدة على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتساهم بشكل واضح في تحسين النمو الاقتصادي وتقليل التضخم كنتيجة مباشرة في زيادة السيولة النقدية في أيدي المواطنين.

أستطيع أن أؤكد بأن حكومة هاني الملقي السابقة لو تعرضت لهذا الإضراب فإنها سوف تقوم على الفور بإقرار العلاوة دون أي إبطاء أو تأخير بعكس هذه الحكومة برئاسة الدكتور عمر الرزاز والتي لم تتعامل مع إضراب المعلمين بالكياسة والذكاء السياسي المطلوبين في مثل هذه الحالات وذلك لقلة خبرتها السياسية ومحدودية تفكيرها الاستراتيجي وعدم استيعابها لتوجيهات القيادة السياسية العليا.

يتضح من متابعة الأحداث فيما يتعلق بإضراب المعلمين أن لدى النقابة وهيئتها العامة إصرار كبير على ضرورة انتزاع هذه العلاوة لو استمر الإضراب ثلاثة أعوام كاملة فالمسألة مسألة كرامة وحقوق وليست كما يحاول البعض تصويرها بأنها استقواء على الدولة أو محاولة فرض لاجندات حزبية أو ما شابه ذلك.

أنصح الحكومة بالاستجابة الكاملة وغير المشروطة لكل طلبات نقابة المعلمين وإقرار هذه العلاوة والاعتذار للمعلمين عن ما حدث يوم 9/5 وإنهاء هذا الموضوع بأسرع وقت ممكن خشية أن تتطور الأحداث مستقبلا بصورة مفاجئة وتسارع ويحدث أمور لم تكن في الحسبان خاصة أن الأغلبية الساحقة من الشعب الأردني حسب ما تشير إليه استطلاعات الرأي تقف مع النقابة والمعلمين لحين الوصول إلى حقوقهم وإقرار العلاوة المنشودة.

Share and Enjoy !

Shares

الهجوم خير وسيلة للدفاع

د. فايز أبو شمالة

الهجوم خير وسيلة للدفاع، هذه هي السياسة الإيرانية التي اعتمدت الرد على العقوبات الأمريكية الاقتصادية بضغوط ميدانية على أصدقاء أمريكا، والنتيجة البائنة حتى هذه اللحظة هي تصاعد نجم القوة الإيرانية، وثباتها على موقفها الرافض للشروط الأمريكية الجديدة لاستئناف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إيران.

إيران لن تسكت طويلاً على تجويعها وذبح شعبها، ستعاود الكرة هنا وهناك، وستواصل الضغط الميداني، وهي تقدم المفاجآت التي أذهلت المراقبين، وعكست واقعاً عسكرياً جديداً في المنطقة، أجبر العسكريين الإسرائيليين قبل الأمريكيين على أخذ تهديدات إيران على محمل الجد، وإظهار قدر من ضبط النفس خشية تصاعد المواجهات إلى حرب شاملة، وصفتها المملكة السعودية بأنها مدمرة، وستنعكس سلباً على الاقتصاد العالمي بشكل عام.

الدرس الذي تعلمه الإسرائيليون عبرت عنه القناة الثانية حين وصلت إلى الاستنتاج بأن الاحتكار الغربي للأسلحة الدقيقة قد تبدد، وقد تعلمت دول المنطقة كلها، بما في ذلك دولة الاحتلال، تعلموا أن أنظمة الاستشعار والاستكشاف والردع غير كافية لمواجهة التهديدات الجديدة، والتي أمست معها دولة الاحتلال الإسرائيلي غير آمنة على جبهتها الداخلية.

ورغم هذا التطور العسكري الإيراني، ورغم المبادرات الميدانية المذهلة إلا أن سياسة الحصار والعقوبات ما زالت هي السياسة الأمريكية والإسرائيلية السائدة، وما زال الرد الأمريكي يقوم على محاصرة وخنق كل بلد يرفض سياسة الهيمنة والسيطرة على المنطقة.

وحتى اللحظة، نجحت السياسة الإيرانية في تحقيق التعادل الميداني على أقل تقدير، ونجحت في الدفاع عن مصالحها، وفشلت سياسة أمريكا في تركيع الشعب الإيراني، أو تحريك مسيرات غضب واعتراض ضد السياسة الخارجية، وأزعم أن الحكومة الإيرانية لن تسكت طويلاً على العقوبات المفروضة ضد شعبها، ولن تنتظر الموت البطيء، إيران ستبادر قريباً، وتشن هجوماً جديداً، في مكان ما في المنطقة، هجوم يفاجئ السياسة الأمريكية،، ويحمل رسائل الشعب الإيراني المطالب بكسر الحصار، وهو يعتمد سياسة الرد الذكي على صناعة النفط في المنطقة، ضمن منطق سياسي يقول: لن  أسمح لكم بالرخاء الاقتصادي طالما نعيش الضائقة الاقتصادية.

رسالة الشعب الإيراني تمثل درساً لشعوب المنطقة، سياسة الهجوم خير وسيلة للدفاع، ولن نسمح لعدونا أن يعيش الرخاء الاقتصادي طالما نعيش نحن تحت خط الفقر.

Share and Enjoy !

Shares

إضراب المعلمين يفقد مبرراته

فهد الخيطان

لم يعد لتمسك مجلس نقابة المعلمين بالإضراب مايبرره. رد نائب النقيب على قرار الحكومة بزيادة رواتب المعلمين بدا مرتبكا، كما لو أنهم في مجلس النقابة قد فوجئوا بالخطوة الأحادية من جانب الحكومة.

نائب النقيب اعتبر الزيادة التي تبلغ قيمتها الإجمالية 26 مليون دينار مجرد “فتات” وعندما لم يجد ما يقوله لتبرير قرار رفض الزيادة واستمرار الإضراب لأسبوع رابع، صرح بأن “العلاوة لم تعد تعنينا مقابل الاعتذار لأن كرامتنا أهم”. صحيح ان كرامة المرء أهم من فلوس الدنيا، لكن الإضراب ومن قبل الاعتصام كانا من أجل العلاوة فكيف يتخلى عنها نائب النقيب بهذه البساطة، هل شاور المعلمين في الميدان قبل أن يتبرع باسمهم بالعلاوة ويتنازل عنها؟!

قبل قرارات الحكومة الأخيرة كان لسردية مجلس النقابة وخطابها قوة في المنطق والحجة، وكان يمكن للاجتماع الأخير في وزارة التربية أن يدشن اتفاقا شاملا بين الطرفين، يحفظ للنقابة حضورها وزخمها في العمل العام، ويحقق مكاسب إضافية للمعلمين غير الزيادات، فقد كان في نية الحكومة تقديم حزمة مزايا للمعلمين تشمل أمورا كثيرة من بينها زيادة أعداد المقبولين ضمن مكرمة المعلمين.

الجلوس على طاولة المفاوضات يعني الإقرار مسبقا بتقديم تنازلات تفضي إلى اتفاق. هذا هو المبدأ الذي خالفه مجلس النقابة، واستبدله بمنطق الإذعان. حتى في تصريحات المتحدثين باسمهما كانت هناك لغة متعالية، همها إذلال الحكومة والوزراء، لدرجة أن مجلس النقابة كان يصر على تحديد مستوى التمثيل وهوية المشاركين في الوفد الحكومي التفاوضي، بينما لم يسأل أحد عن مغزى تخلف نائب النقيب عن حضور أي اجتماع مع الوزراء حتى عندما حضر رئيس الوزراء شخصيا احدى الجولات استجابة لإلحاح مجلس النقابة. مجلس النقباء اشتكى هو الآخر من تعامل نائب النقيب مع زملائه رؤساء النقابات المهنية، وعدم الرد على اتصالاتهم أو قبول دعوتهم لحضور الاجتماعات.

بهذا السلوك المتعجرف يدفع مجلس النقابة لتأزيم الموقف في البلاد وجرها لأزمة وطنية واسعة، وإجراءات توسع من دائرة الخلاف، وقد سمعنا خطابات في مهرجانات أخيرة تشي بهذه الرغبة، ناهيك عن الكلام غير المسؤول عن “أزمة تتجاوز حدود الأردن”.

المسؤولية الوطنية تقتضي من مجلس نقابة المعلمين قبول العرض الحكومي، وفك الإضراب، وهذا لا يعني التنازل عن المطالبة لاحقا بكامل العلاوة، لكن مبدأ “خذ وطالب” هو التكتيك المنطقي في تعامل النقابات مع الحكومات كما تفيد تجارب عالمية كثيرة.

حتى أيام قليلة كان التيار الغالب يساند النقابة في مطالبها، رغم اتساع دائرة المعارضين لاستمرار الإضراب. بعد قرار مجلس الوزراء الأخير بدا أن كثيرين من المتعاطفين مع النقابة يراجعون موقفهم، وقد شهدنا ذلك في تعليقات “السوشل ميديا”، خاصة وأن الإضراب دخل أسبوعه الرابع، دون اكتراث لخطيئة حرمان أكثر من مليون ونصف المليون طالب من حقهم في التعليم.

يمكن لمجلس النقابة أن يعتبر قرار الحكومة بزيادة رواتب المعلمين نصف استجابة لمطالبهم، ألا يفرض ذلك في المقابل ما يعادلها من طرف النقابة. تعليق الإضراب ومواصلة المفاوضات هي المعادلة المطلوبة حاليا.

Share and Enjoy !

Shares

تعددت متاعب الاردن الراهنة في ظل المشهد الضبابي لادارة الازمات

احمد عبد الباسط الرجوب

بلادنا الاردنية تمر الآن بمتاعب جمَّة، لا ينكرها أحد ويشعر بها الجميع، مع الاختلاف في درجة المعاناة، فالفقراء ومحدودي الدخل يعانون من ارتفاع الأسعار وتضاؤل فرص العمل والتشغيل، والطبقة الوسطى تشكو أيضا من ارتفاع الأسعار بالإضافة إلى البطالة، والطبقة الأعلى تشكو من تضاؤل فرص الربح والاستثمار، والجميع يخافون مما قد يأتي به المستقبل…

متاعب الاردن الراهنة تعددت، ولكن من المفيد التمييز بين درجات تأثيرها على واقع المواطنين والحكومة، حيث يمكن تصنيفها الى نوعين، إذ إن كلا منها يتطلب حلولا مختلفة عن بعضها وللتوضيح نشرح ونقول:

النوع الأول، … من متاعب الاردن الاقتصادية الحالية يتكون من متاعب حقيقية وجسيمة، ولكنها أيضا قديمة. هذه المتاعب تعود إلى الوراء لسنوات كثيرة فهذه المتاعب نتجت في رأيي عن تراكم سياسات اقتصادية حمقاء استمرت لنحو عشرين عاما… وللتوضيح أكثر نقول بأن هذا النوع من المتاعب يشمل استمرار معدل منخفض لنمو الناتج المحلي، وتفاوت فظيع في نمو الدخول، ومعدلا عاليا جدا من البطالة، واستمرار الاختلال الكبير في الميزان التجاري، وفى موازنة الدولة…

لقد قُدِمتْ تفسيرات مختلفة لتفاقم هذا النوع من المتاعب، ولكنى أميل إلى إلقاء اللوم في ذلك على ما بدأ تطبيقه من سياسات اقتصادية منذ أوائل الالفية الجديدة (2000م)، واستمرت دون أي تغير مهم ، هذه السياسات يمكن الإشارة إليها اختصارا بعبارة ” الانفتاح الاقتصادي ” غير المنضبط، ولكنها تشمل أكثر من مجرد فتح الأبواب دون تميز كاف أمام التجارة والاستثمارات والمعونات والهبات الأجنبية، إذ تشمل أيضا نكوص الدولة عن القيام بكثير من واجباتها في التنمية والرقابة، وعلاج ما ينتج عن النشاط الخاص من خلل في مجالات الاستثمار وتوزيع الدخل…

أما النوع الثاني، متاعب نتجت عن الازمات المحيطة بالأردن وبخاصة منذ العام 2011 وقت اندلاع ما سمي بالخريف العربي ومع ما صاحبة من مخرجات الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 واندلاع الحرب في سوريا، ولكنها نتائج طبيعية يجب توقع حدوثها في أعقاب أي ازمات، وقد كان من السهل والواجب توقعها، كما أنه كان من الطبيعي أن تزول بعد فترة قصيرة من حدوث هذه الازمات… والذى أقصده بالنوع الثاني من المتاعب، وهو ما وصفته بالمتاعب ” الطبيعية “، التي يتوقع أن تقترن بأي أزمات في المحيط او الاقليم، وهو ما حدث بسبب ما أشاعه الخريف العربي من مناخ من عدم الاستقراء، لم يكن غريبا إذن أن تنخفض الإيرادات من السياحة، ويخفض معدل الاستثمار المحلى والأجنبي، ومن ثم انخفاض معدل الناتج المحلي، وارتفاع معدل البطالة، وانخفاض الإيرادات الحكومية ومن ثم زيادة عجز الموازنة العامة، والانخفاض في تحويلات العاملين بالخارج، وانخفاض القيمة الشرائية للدينار وتدني نسبة الاستهلاك دون الـ (10%) بسبب جنون ارتفاع الأسعار…

وفي إطار هذا النوع من المتاعب نزيد ونقول … في اقتصاد السوق الذي تحكمه قوانين ثابتة لا يوجد دكاترة اقتصاد، ولكن يوجد اقتصاد الدكاترة الذين يتحكمون فيه بمخترعاتهم فهو اقتصاد تجريبي وعندما دالت حكومات التحول الاقتصادي والاجتماعي في بلادنا، فإن الذي استولى على دفة الاقتصاد هم دكاترة الاقتصاد الذين شبعوا فينا تجارب فاشلة اسلمتنا الى الفقر والديون والتخلف…

وفـــــي زمن اقتصاد السوق لا يزال الدكــــــاترة لهــــــم الهيمنة علـــــى التوجهات الاقتصادية، فهم الــــذين يتولون الاستثمار بتطفيش المستثمرين وهم يرون في القطاع العام مملكة يصعب التنازل عنها مهما كانت الخسائر بالملايين وفي رعايتهم لها في بلادنا ارتفعت نسبة البطالة الى 19% وطارت المديونية الى سقف الـ 30 مليار دينار وانخفضت الصادرات وخرب بيت التعليم وانتا ماشي…

وفي إطار ما قدمت اليه لا يمكن اغفال الاضراب الأطول في تاريخ البلاد منذ تأسيس الدولة الأردنية في عشرينيات القرن الغابر وهو اضراب المعلمين، .. وبعيدا عن كيل الاتهامات للمعلمين والتطرف الى رمي السهام الطائش نحو اضرابهم وللتذكير نقول يُخطئ من يظن أن النهضة التي تقوم عليها الدول، وينشدها الاردن في الوقت الراهن، قائمة فقط على آلات ومعدات ومصانع وإنترنت فحسب، بل أن النهضة الحقيقية التي يتطلع إليها الوطن تبدأ من المعلم في المدرسة في هذا البلد الذي يغطي القطاع التربوي نحو ثلث سكانه…

وحيث ان هذا الاضراب الذي يشمل نحو (100 الف معلم) ومليوني طالب في المدارس الحكومية والذي يجب ان يتم احتوائه وبالسرعة الممكنة ومن جميع الاطراف الحكومية والشعبية والمصلحة الوطنية ان لا يتمترس الطرفين (الحكومة والمعلمين) خلف مواقفهم والتي تعود بالضرر بالدرجة الاولى على ابنائنا الطلبة وان نفوت الفرصة لكي لا تكون مقدمة لحركات احتجاجية اوسع وخاصة في هذه الظروف الاستثنائية الساخنة التي يتعرض لها الاقليم وبوادر اندلاع حرب اقليمية ليست بعيدة الامر الذي يجب تظافر الجهود لاحتواء هذا الاضراب ووضع الحل الذي يتوافق عليه الجميع وتعود العجلة التعليمية الى مقاعد الدراسة وينتظم تلاميذ المدارس في صفوفهم وكفى!… وهنا ندعو الطرفين الحكومة ونقابة المعلمين الى تحكيم الرأي وهو سيد الاحكام…

ولوضع النقاط على الحروف لتفسير ما الت اليه المتاعب التي قدمت اليها ، اكاد اجزم الى ان اختيار من يديرون دفة الإدارة الحكومية والمسؤولين الجدد (منهم القديم في السلطة واعيد برمجته من جديد) ، (بل واختيار رؤساء الحكومة أنفسهم) وكثرة تبدل الحكومات، والذين اظهروا عدم قدرتهم على ضبط إدارة الأمور الاقتصادية يضاف الى ذلك عدم قدرتهم في فهم ما يعاني منه الشعب بكافة أطيافه من حالات الفقر والبطالة والركود الاستثماري، أضف إلى هذا كله مواقف غير مفهومة البتة من جانب الممسكين بالسلطة تجاه الحصول على مساعدات اقتصادية خارجية، سواء من صندوق النكد أو البنك الدولي أو الحكومات العربية، … إذاً ما هذا التضارب والغموض في التصريحات الرسمية حول هذه المساعدات؟ .. وما هو الحديث عن المساعدات الأمريكية؟ هل صحونا من سبات بانها تهدد استقلالنا وحرية إرادتنا؟ وما هو ارتباطها بالابتزاز الأمريكي على هامش صعقة القرن؟ .. فلماذا إذن قبلناها طوال نصف قرن من الزمان؟ والممسكون الحاليون بالسلطة كانوا على أي حال هم من بين الممسكين بالسلطة على الأقل طوال العشرين عاما الماضية…

 ختاماً .. من المؤكد إذن أن متاعبنا الاقتصادية الحالية (مثل متاعبنا السياسية) ليست نتيجة طبيعية لمحيطنا الملتهب ولا هي من تأثيرات الخريف العربي، بل والأرجح أيضا أنها ليست مجرد ” السهو والخطأ “، .. بل هناك من الدلائل ما يشير إلى أنها متاعب متعمدة في ظل المشهد الضبابي لإدارة الازمات، لتحقيق هدف أو أهداف لم تتضح بعد…. قادم الأيام حبلى بالمفاجآت!

باحث ومخطط استراتيجي

Share and Enjoy !

Shares

هل من مخرج لأزمة الإضراب؟

فهد الخيطان

ثمة سوء تقدير موقف من الطرفين،الحكومة كانت على قناعة بأن إضراب المعلمين لن يصمد أكثر من بضعة أيام، والنقابة اعتقدت أن الحكومة سترضخ لمطالبها بعد أيام.

مضى الوقت ولم يتراجع الطرفان عن موقفيهما، ومع دخول الإضراب أسبوعه الثالث،صارت كلفة التراجع باهظة على الحكومة والنقابة.الوقت الذي كان من الممكن فيه التوصل لتسوية نفد تقريبا.وساطات نيابية ومبادرات من عدة جهات وصلت كلها لطريق مسدود.

حوار الحكومة المباشر مع النقابة لم يسفر عن نتائج تذكر،سوى تلطيف الأجواء العامة دون تنازلات جوهرية.يمكن الإشارة هنا إلى مقترح الحكومة لحوار مفتوح مع النقابة حول جميع القضايا التي تهم المعلمين والعملية التربوية، وتنازلها عن المسار المهني مقابل دعوتها للنقابة للتنازل عن علاوة الخمسين بالمائة. الأخيرة من جهتها،أبدت مرونة فيما يخص العلاوة وتقسيطها على عدة سنوات،ووعد من الحكومة بالاعتراف بحق المعلمين فيها، لكن دون تراجع قيد أنملة عن الإضراب المفتوح.

يعتقد بعض المراقبين أن الحكومة كانت ستتصرف بطريقة مرنة مع النقابة لو أنها وافقت على طلب تعليق الإضراب والدخول بمفاوضات محددة بسقف زمني.

النقابة ومن خلفها ميدان متماسك، اكتشفت على نحو مذهل سر قوتها المتمثل بوحدتها،وبات من الصعب عليها التفريط بهذه الورقة، تحسبا من عدم قدرتها لاحقا على حشد المعلمين في حال فشلت المفاوضات مع الحكومة.وزاد من نشوة النقابة وتصلبها إدراكها لفشل الحكومة في كسر الإضراب رغم المحاولات المستميتة.

حسابات الحكومة في مقاربة الأزمة متشعبة ولها أبعاد كثيرة تتجاوز الجانب المالي على أهميته. أي صفقة ممكنة للحل في المستقبل ستطرح سؤال المسؤولية عن استمرارها طوال هذه المدة,وقد تجد الحكومة نفسها في عين العاصفة الشعبية والرسمية أيضا.

وفي الحسابات أيضا سؤال المليون ونصف المليون طالب وطالبة، ممن ضاعت عليهم أسابيع من العام الدراسي وبات مصيرهم في مهب الريح.

وعلى الطاولة مشاريع قرارات وإجراءات مؤلمة ربما تؤدي إلى تأجيج الأزمة وتوسيع دائرتها اجتماعيا ووطنيا.

كيف يمكن إذن الخروج من المأزق بأقل قدر ممكن من الخسائر للطرفين، وبما يضمن استئناف العام الدراسي بأسرع وقت؟

أفضل الحلول وأسهلها أن تعلق النقابة الإضراب وتجلس على طاولة المفاوضات، لكن مجلس النقابة يعتقد أن ما مضى من وقت على الإضراب وما يتمتع به الجسم الميداني من تماسك يمكن أن يحصل مكاسب أكبر من الوعود قبل الإقدام على هذه الخطوة.

الحكومة وإن فكرت بتنازلات للنقابة تخشى من ردة فعل قطاعات أخرى من الموظفين، ومن انكسارها أمام الشارع.

الرأي العام وإن تعاطف بشكل واسع مع المعلمين إلا انه منقسم حيال استمرار الإضراب،لكن التحول في موقفه بطيء وغير مؤثر على ميزان القوى لغاية الآن.

هل يمكن لدخول طرف ثالث أن يساعد في تجنيب الطرفين حرج التنازلات؟

ربما لكن لذلك ثمن على الطرفين أيضا.من الصعب على طرف واحد أن يخرج رابحا مائة بالمائة

Share and Enjoy !

Shares

“إنتا معلم .. منك بنتعلم”

د. صبري الربيحات

في فضائنا الثقافي المكتظ بالآراء والتحليلات البعيدة عن غرف صناعة القرار لا أجد ما أقول للأخوة المعلمين أبلغ مما قاله الفنان المغربي سعد المجرد، في أغنيته التي حققت شهرة قياسية. ايقاع الكلمات التي تقول “انتا معلم..منك بنتعلم” يثير الكثير من المشاعر ويذكرنا بخبراتنا المدرسية وسلوكنا في حضرة من احترفوا تعليم الحروف والاجابة على اسئلة الطلبة التي لاتنتهي.

المعاني والقيم والدلالات التي تحركها الاغنية واللحن في الكلمات القليلة التي تخنزل تجربة الطلبة في غالبية مدارس العالم جعلت الاغنية من بين الاعمال الفنية الاكثر رواجا وأوصلت صاحبها الى مصاف مشاهير النجوم بعدما سجلت متابعتها ارقاما قياسية زادت على الـ 735 مليونا.

الشهرة والرواج العالميان دفعت دور الإنتاج واستوديوهات الفن الى إعادة توزيع اللحن والاداء للاغنية في العديد من اللغات ومن قبل فرق ومطربين في اوروبا والصين وافريقيا وكوريا.

المعلم الأردني الذي استحوذ على اهتمام الشارع الأردني والعربي وسلط الضوء على معاناته وقضاياه من خلال الاضرابات والمهرجانات والخطب والبيانات واللقاءات التلفزيونية والاذاعية والمنشورات والرسائل التي جرى تداولها اصبح حاضرا حضورا طافحا في المشهد الأردني الامر الذي يرتب عليه الكثير من الادوار والمهام التي تتجاوز المطالبة والرد على الرفض الحكومي.

الحكومة والمعلمون والطلبة والاهالي في حالة انتظار ولا حلول في الأفق. اليوم وفي هذه الاوضاع التي يتنامى فيها القلق والحيرة ويتساءل الناس عما يمكن ان يحدث بعد كل هذا السجال والتعنت يتوقع الناس من أحد الاطراف ان يتقدم بمبادرة تتجاوز الاتهام وإبراء الذمة. السجال الكلامي والهتافات والبيانات والاخرى المضادة لا تفيد المجتمع في شيء على الرغم من اهميتها في توضيح المواقف والتواصل البيني والذاتي فهي لا تعوض الطلبة عن ملايين الساعات المهدورة ولا تحقق إنجازات مادية على الارض.

كنت اتوقع وما أزال أن ينظم المعلمون والطلبة أنفسهم لمشاركة الأهالي والمزارعين اعمال قطاف الزيتون وحملات النظافة في القرى والمدن والمدارس ففي القرى والارياف والمدن هناك الكثير من الانشطة التي يمكن للطلبة القيام بها، واستثمار وقت الاضراب في خدمة المجتمع. النظافة العامة للساحات والشوارع وترميم المدارس وصيانتها وقطاف الزيتون بعض من الاعمال التي يمكن توجيه الطلاب والطالبات للقيام بها. فالإضراب عن التدريس لا يعني انقطاع صلة المعلم بالمدرسة ولا يشير الى تخلي المدرسة عن رسالتها التربوية الاجتماعية الانسانية.

موقف المعلمين والطلبة يصبح اكثر قوة واهمية اذا ما بقي المعلم لصيقا بمهامه ورسالته التنموية فالخلاف مع الحكومة لا يعني الخلاف مع المجتمع. والمعلم لا تنتهي رسالته عند بوابة الصف. في الاردن اليوم ما يقارب المليون ونصف المليون طالب متعطل عن الدراسة يمكن ان يقدم كل منهم نصف وقته للخدمة الاجتماعية اذا ما اوجدنا آليات التنظيم والادارة المناسبة وفي استثمار هذا الوقت يمكن ان نقدم لمجتمعنا اكثر من 6 ملايين ساعة عمل تطوعي يوميا لتصبح مدننا أنظف وطرقاتنا اجمل ونسيجنا الاجتماعي اقوى وأمتن وطاقتنا افضل وثقتنا بأنفسنا اكثر.

في أوائل أيام حكومة الرزاز تحدث الرئيس غير ذي مرة عن انفتاح المدرسة على المجتمع وإشراك الطلبة في برامج الخدمة العامة وامكانية مشاركة الطلبة في قطاف الزيتون وممارسة قيم التعاون والعمل الجماعي من اجل ان يستمتع الطلبة بالمواسم ويتعرفوا على بيئاتهم ويساعدوا المزارع ويتعلموا النشاط الزراعي، وقد مر الموسم الاول دون ان يحصل ذلك وها نحن ندخل الموسم الثاني للقطاف دون ان يدخل الطلبة صفوفهم.

Share and Enjoy !

Shares

أحاديث الاقتصاد المغلوطة

جواد العناني

أعتقد أن إعلامنا الرسمي وغير الرسمي مقصّر تماماً في شرح أبسط المبادئ الاقتصادية للناس. ولذلك نرى عبر وسائل الإعلام خلطاً كبيراً في هذه المفاهيم. ولمّا يَبُثّ شخص معروف أرقاماً عبر الانترنت تبين حصيلة الدولة من مصانعها وخدماتها وشركاتها ويصل الرقم فرضاً إلى خمسين مليار دينار، ثم يقول إن الحكومة أنفقت منها (8) مليارات، فأين ذهب باقي الرقم أو الـ(42) مليار دينار، فهو يخلط بين أمور ثلاثة.

هذا يعني أولاً أنه لا يفرّق بين مداخيل الدولة وإيرادات الحكومة. ويعتبر الاثنين واحداً، وهذا يدل على عدم إدراك للفرق بين الحكومة والدولة.

والثاني أنه لا يعرف الفرق بين الدخل الإجمالي والدخل الصافي. فالدخل من السياحة قد يصل إلى (4) مليارات، ولكن الإنفاق للحصول على هذا الدخل يصل إلى (2) مليار فهذا يعني أن الدخل الاجمالي (4) مليار، والدخل الصافي (2) مليار.

ولو كان يقرأ مثلاً جدول المدخلات والمخرجات لَعلِمَ أن حساب الدخل الإجمالي لكل القطاعات قد يصل إلى (70) مليارا، ولكن هذا ينطوي على مغالطة كبيرة وهي ازدواجية الحساب. فلو حسبنا مثلاً الدخل من قطاع الزراعة، (3) مليارات، والدخل من قطاع النقل (3) مليارات، والدخل الإجمالي من الصناعة (5) مليارات، وأخذنا الأرقام كما هي، فإننا نحسب مقدار النقل في الزراعة مرتين، وفي الصناعة مرتين، ودخل الصناعة من قطاع الزراعة مرتين.

ولذلك عند حساب الناتج القومي الاجمالي تلغى الازدواجية في الحساب، ويبقى الرقم الإجمالي الصحيح.

وثالثها أن الحكومة لا تنفق كامل الناتج المحلي الاجمالي، فهناك القطاع الخاص والذي هو أكبر من الحكومة. ثم يجب أن تطرح المستوردات من الناتج المحلي الإجمالي لأنها وإن بيعت في الأردن، إلا أنها لم تنتج فيه، بل في بلدان أخرى.

وعندما نوزع هذه الرسالة الصادرة عن شخصية عامة متعلمة ومعلمة، فإن الناس العاديين سوف يقعون في شَركِها لأنهم سيصدقونها. وبذلك يحصل خلط وتشويش كبير ونصُبّ الكاز على نار الغضب عند الناس، فنخلق حالة من الشك والارتياب.

أذكر مرة في مجلس من مجالس الوزراء التي شاركتُ فيها أن وزير المالية آنذاك نسّبَ إلى المجلس موافقته على نقل مخصصات من فائض لدى وزارة الزراعة لتمويل عجز في وزارة الشباب. فقام أحد الوزراء قائلاً “وما الفرق، ما هيه القضية من العِب للجيبة، ومن الجيبة للعِب”.

وكنت أيامها صغيراً نسبياً في السن، وما أزالُ تحت تأثير عملي كرئيس لدائرة البحوث الاقتصادية في البنك المركزي الأردني. ولما سمعت ما قاله الوزير صرخت محتجاً.” هل هذا هو الأسلوب الذي تصرف به الأمور وتؤخذ فيه القرارات؟” فطلب مني رئيس الوزراء أن أفسر ذلك.

قلت إذا كانت المناقلات من وزارة لأخرى هي نقل من الجيبة إلى العب وبالعكس، فلماذا نتعب أنفسنا في وضع موازنات عامة، ونعمل مخصصات للوزارات؟ والقضية ليست قضية محاسبية، بل اقتصادية، فعند المحاسب، الدينار يساوي ديناراً سواء كان بوزارة الشباب أو الزراعة أو الصحة. أما عند الاقتصادي، فالدينار بوزارة الزراعة لا يساوي ديناراً لدى وزارة الشباب. ومضيتُ قائلاً ولا الدينار بيد الساذج كالدينار بيد الحصيف، ولا الدينار المسروق منك يساوي الدينار الذي سقط من جيبك في بئر ماء.

المنطق بسيط وقوي. ومهما كانت الحقائق الاقتصادية بسيطة إلا أنها عميقة ومعقدة. وكثيرون منا يتمتعون بحكمة اقتصادية قائمة على الحدس، وتجارب شخصية وإن كانت لا تتطابق مع المنطق الاقتصادي الرصين.

يجب أن يكون هنالك منصة إعلامية ترد على هكذا اقوال ومواقف وإشاعات فور ظهورها. ويجب أن تقوم أجهزة الإعلام بإنتاج برامج تجيب على أسئلة الناس، وتوسع مداركهم حول الحقائق، وتتكلم معهم بوضوح وثقة. ويكون للقائمين على هذا البرنامج التوعوي مطلق الحرية لقول الحقيقة سواء ساندت الموقف الحكومي أم وجدته مغرقاً في الضلالة، حتى يكسب ثقة الناس.

كثير من الحقائق المتداولة حول مشاريع البنى التحتية وأكلافها، وموازنات الشركات، حجم الفساد وكُلَفِهِ، وأسعار الطاقة، وحجم الرسوم وغيرها بحاجة إلى توضيح وتعليق بشكل منفتح يضع الأرقام أمام الناس، ويفسر معانيها لهم. أما هذا الفلتان في المبالغات، فهو ضارّ بالمجتمع وناخر في أسسه.

Share and Enjoy !

Shares

الطبيب النبيل واستحضار مبادرة أهل الهمة

د. محمد حسين المومني

كان تفاعلاً جميلاً ذلك الذي تضمنته عبارات الثناء والاعجاب بما فعله طبيب الفقراء النبيل رضوان السعد، الذي عالج الفقراء لما يزيد على أربعين عاماً. لنا أن نتخيل حجم الإيثار والطيب وحب العطاء والانسانية الجمة التي تحلى بها الطبيب الراحل. التقدير والإكبار الذي حظي به من قبل الأردنيين لفعله الإنساني يدل على الخير والقيم والاخلاق الكامنة في مجتمعنا الذي فاخر دوما بإنسانيته، وقيمه المجتمعية، من مروءة وشهامة، وإغاثة الملهوف، وإيواء الدخيل، ونصرة المستضعفين، ومساعدة المحتاجين. العارفون بعمق الدين يخبروننا أن هذا هو المعنى الحقيقي أننا “خير أمة أخرجت للناس”؛ لكوننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وفي ذلك تلخيص لكل معاني الأخلاق والشرف والفروسية التي تتحلى بها أمتنا.

لم يشتهر الطبيب السعد إلا بعد أن وافته المنية، فلم ينل حظه من التكريم وهو حي. لكنه حقق مراده بعد مماته، فبعد أن عاش معطاء رحل وغدا قدوةً ومثالا أعلى للكثيرين الذين رأوا في عطائه أسمى مراحل الحياة وأعلاها، مرحلة تحقيق الذات، التي تتجاوز وتأتي بعد كل مراحل النجاح والبناء المادي والمهني بالحياة. كان حقه علينا ان نحتفي به قبل وفاته، وللتعويض عن ذلك لا بد من أن يكرم بأكثر من تسمية شارع باسمه. لنتخيل إجابة الطبيب النبيل إن كنا قد سألناه ماذا تطلب لكي يؤرخ لما قدمته للفقراء من أبناء شعبك؟ حتماً شخص على هذه الدرجة من الانسانية والإيثار لن يطلب أن نسمي شارعا باسمه، والأرجح أنه كان سيطلب إدامة ما بدأه، أو أن يحذو غيره في طريق الخير الذي اختطه ويعالج الفقراء ويخفف آلامهم.

نستحضر هنا مبادرة “أهل الهمة” التي كرّمت وسلطت الضوء على أردنيين قاموا بأعمال استثنائية تطوعية أو ريادية أو خيرية. لماذا لا تتمأسس هذه المبادرة المتميزة، وتصبح حدثاً سنوياً نحتفي به بخمسة أو عشرة أردنيين قدموا لمجتمعهم الخير الوفير الخارج عن المعتاد؟ سيكون لذلك وقعاً طيباً على الناس، وستبث في النفوس روح العطاء الإيجابية، وسيعلم الجميع حجم الخير والفضيلة المختبئ في مجتمعنا. المبادرة وقتها حققت نجاحا منقطع النظير، وأصبحت حدثاً وطنياً متابعاً حقق الكثير من الاهداف السامية، وأعطى المكرمين حقهم، وقدم قدوة للنشء، ودروساً في العطاء والنجاح. نحن بحاجة لهذا النوع من المبادرات التي تبث الإيجابية والإيثار في مجتمعنا، وسط أجواء تعج بالتحديات والسلبيات. بيننا الكثير من الأردنيين الخيرين فواجب علينا أن نعرفهم ونكرمهم ونحتفي بهم.

رحم الله رضوان السعد الذي ترك إرثاً وصيتا عجز عن تقديمه من وصلوا لأرفع المناصب وتقلدوا أعظم المسؤوليات. يكفيه حجم الحب والدعاء الذي حظي به من قبل الآلاف الذين ساعدهم وخفف آلامهم، يكفيه فخراً الجنازة المهيبة التي ودعته بدموع صادقة لا رياء فيها.

Share and Enjoy !

Shares