خلال أزمة تفشي وباء كورونا، ازدادت نسبة السلبية في كل ما نتعاطاه، سواء كان في الشأن العام، أو في ما نفكر به من مستقبل خاص بنا، وأمورنا الشخصية. السلبية أصبحت جزءا أصيلا في كل ما نتعامل به، خصوصا أن التفكير في المستقبل، بحد ذاته، أمر يتعب العقل في كل زمن، فكيف في ظل ظروف كهذه؟
أنا أتحدث هنا عن نفسي، وعمّن هم على شاكلتي ممن استسلموا لليأس والسوداوية، وباتوا عاجزين عن مساعدة أنفسهم، ناهيك عن مساعدة الآخرين.
لكن، ببدو أن هذه ليست هي القاعدة، فلو نظرنا حولنا لرأينا كثيرين ممن تبنوا نهجا إيجابيا، وحاولوا أن يظلوا ضمن حدود اليقين، وأن يعملوا فرقا ما في حياتهم خلال هذه الأزمة الطاحنة. بينما آخرون تجاوزوا مسألة الذات، وذهبوا إلى أبعد من ذلك، محاولين أن يسهموا في ترميم جراحات كثيرين ممن تأثروا بشكل مباشر بهذه الأزمة، وأن يقدموا لهم يد العون، حسب مقدرتهم.
من المبادرات التي اطلعت عليها، وتابعتها على مواقع التواصل الاجتماعي، هي المبادرة التي قام بها خبير مواقع التواصل الاجتماعي خالد الأحمد، حين كتب على صفحته قائلا: «إذا تم تسريحك من عملك بسبب أزمة كورونا، كيف ممكن أساعد. بتحب أكتبلك تزكية على لينكدإن؟ أو بدك أشبكك مع شخص من دائرة معارفي؟ الله ييسر الأمور».
مبادرة تطوعية مثل هذه قادرة على أن تفتح الأبواب أمام كثيرين تقطعت بهم سبل العمل، كما تستطيع أن تعيد إليهم وهج الأمل من جديد.
أنا من المتابعين لخالد الأحمد، وغالبا ما تستهويني إدراجاته التي يخصص معظمها للتنوير بقضايا التنمية الذاتية، أو قضايا السوشال ميديا، وكيفية تطوير مهاراتنا في هذا السياق. ولكن إدراجه ذلك، ورغبته الواضحة بمساعدة الآخرين ونشلهم من ضنك التعطل، كان من أفضل ما قرأت له.
تابعت على مدى أيام الرسائل التي تصل إليه ممن يطمحون بالمساعدة، ولا أدري تماما ما الذي استطاع تقديمه لأولئك، وهو أمر ثانوي حين نتحدث عن روح المبادرة وحب الخير. فالمبادرة بحد ذاتها كشفت عن نفس غنية تحاول أن تصنع الخير في زمن الشدة.
بالنسبة لي، هذا مثال للإيجابية التي تخطت مفهوم إرضاء الذات بتحقيق حلم الذات الخاصة، نحو إرضاء الذات بتحقيق أحلام الآخرين ومساعدتهم على النهوض من كبواتهم، وهو مفهوم إنساني واسع يتجلى فيه الكرم وحب الآخرين والحرص على فعل الخير، ووضع مساعدة الآخرين هدفا أساسيا كضريبة ينبغي أن ندفعها ما دمنا نشارك الآخرين الأرض والهواء والموارد نفسها.
أكتب هنا عن خالد الأحمد، وأعتذر إن كانت هناك مبادرات شبيهة بما أعلنه ولم أطلع عليها، وأنا أكاد أجزم بذلك، فالإيجابيون والخيرون كثر، ولا يمكن الإحاطة بهم جميعهم.
ربما ما قام به الأحمد وغيره يمثل دعوة صريحة إلى التخلي عن السلبية، حتى لو كانت الظروف حالكة وتدعو إلى اليأس والاستسلام، وأن نبادر إلى إنارة ولو شمعة صغيرة في الطريق الحالك، لعلنا نهدي بنورها يائسا ملّ الانتظار، وبات على مشارف فقدان الأمل والدافع.
كتاب واراء
إيجابيون عن سابق تصميم
الحسين وجورج تينت!!
خلال الأيام التى فرض فيها “الجنرال كورونا” جلوسنا في البيت، استثمرتها بالقراءة وركزت بشكل خاص على الكتب التي تناولت تاريخ المملكة في عهد الحسين رحمه الله، وأعدت خلالها قراءة كتاب “مهنتي كملك”، كما أعدت قراءة كتاب “الحسين حياة على الحافة” للصحافي رولان دالاس، وكتاب “حربنا مع إسرائيل” لـ (فيك فانس وبيار لوير)، أما الكتاب الجديد والمثير الذي كنت أقوم بتأجيل قراءته ولسنوات فكان كتاب (في قلب العاصفة) لجورج تينت مدير المخابرات المركزية الأميركية الأسبق.
الكتاب له قيمة كبيرة وغزير بالمعلومات وتناول تجربة تينت كنائب للمخابرات المركزية ثم مدير لها منذ 1996 حتى 2004 واستطيع القول انه سبر غور قضايا مهمة في محطات مفصلية وهي مفاوضات كامب ديفيد “2”، وتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر والحرب على ابن لادن بأفغانستان، والحرب على العراق وإسقاط نظام صدام حسين وما تلا ذلك من أحداث.
جورج تينت في كتابه هذا أشار إلى عدد كبير من الاسماء من ملوك ورؤساء وشخصيات سياسية عالمية ولكن ما لفت انتباهي هو ما كتبه عن الحسين رحمه الله وعن دوره الشجاع في صناعة السلام، أما الأهم ما كتبه عن انطباعه الشخصي عن “الحسين”.
يقول “تينت” عن شعوره لدى لقائه بالحسين في واشنطن لاول مرة: (طالما شعرت عندما أكون مع الملك حسين أنني في حضرة حكمة التاريخ ومع ذلك عندما التقيت به للمرة الاولى في قصره، توجه نحو سيارتي التي أوصلتني وفتح الباب بنفسه وقال لي “صباح الخير يا سيدي، يسعدني أن التقي بك”، ترك في قول الملك لي ياسيدي أبلغ الأثر.
ويتساءل “تينت” الذي وصف الحسين “بالاسطورة” عن التأثير الذي كان يمكن ان تحدثه حكمته رحمه الله “في مساعدتنا جميعا على تجنب الفوضى التى نجد فيها انفسنا اليوم”، وهو تساؤل مهم للغاية يعكس قيمة الحسين والاردن لدى احد صناع القرار الاستراتيجي في اهم عاصمة في العالم في حقبة غيرت شكل هذا العالم.
اما ما قاله عن جلالة الملك عبد الله فهو لا يقل قيمة عما قاله عن الحسين، فقد تطرق الى موقف جلالته بعد احداث 11 سبتمبر حيث كشف عن مقترح لجلالته لارسال كتيبتين لتتبع القاعدة في افغانستان وقال (أن هذا الشبل من ذاك الاسد)، وفي وصف اخر قال “وان تلك التفاحة لم تسقط بعيدا عن الشجرة”.
هكذا هم ملوكنا وهذا هو الاردن.
ثلاث خطوات جريئة لابد منها
تبذل الحكومة جهدا”إجرائيا” للتعامل مع تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد الوطني، وهي إجراءات لا بد منها تفرضها الظروف الملحة، على مختلف المستويات في وقت ما نزال فيه نراوح بين إغلاق جزئي وانفتاح متدرج.
وهذه مرحلة مهمة دون شك وتؤثر بشكل مباشر في حياة الناس على المدى القصير، وكان آخرها بلاغ رئيس الوزراء بخصوص أجور شهري أيار وحزيران.
لكن بموازاة ذلك الجهد ينبغي ألا نتجاهل الحاجة للتفكير والتخطيط لإصلاحات عميقة في ملفات أساسية للتخفيف من الخسائر على المدى البعيد، والتأسيس لسياسات طويلة المدى تستجيب للمخاطر الطويلة لأزمة ستضرب الاقتصاديات العالمية لسنوات قادمة.
والجائحة على فداحتها، ربما تشكل فرصة لا تعوض لاتخاذ خطوات نوعية لم تسعفنا الظروف تارة على إنجازها، أو أننا افتقدنا الإرادة الكافية للمضي فيها.
سأكتفي هنا في اقتراح ثلاثة ملفات يمكن العمل عليها فورا لتحقيق اختراقات إصلاحية عميقة في السنوات الثلاث المقبلة على أبعد تقدير.
الملف الأول، إصلاح هيكلي واسع لقطاع التعليم العالي بهدف معالجة الاختلال الكبير بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.
في الوقت الحالي تنهمك الجهات المسؤولة في وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي بقضية التعليم عن بعد وتطوير قدراتنا على هذا الصعيد. لكن على أهمية ذلك، فالمسألة في المحصلة تقنية، يمكن أن يتولاها فريق فني وينجز ما يلبي احتياجات التربويين.
الأهم هو هيكلة التخصصات الجامعية والتخلص نهائيا من نمط التعليم السائد، ومنح التخصصات المهنية التي يحتاجها سوق العمل الأولوية. إنجازنا في هذا الميدان محدود جدا ولايرقى لحجم المشكلة التي نعاني منها.
أزمة كورونا أعطتنا دروسا مهمة وكشفت لنا طبيعة الإشكاليات التي تواجه سوق العمل، والحاجة لتصويب جوهري في مخرجات التعليم.
الملف الثاني، إحلال العمالة الوطنية مكان الوافدة. هذا تحد كبير يتطلب مقاربات خلاقة لتهيئة أفضل الشروط الممكنة لإقناع الأردنيين بالعمل في قطاعات الإنشاءات والزراعة، واستثمار فرصة إغلاق الحدود في وجه القادمين للزج بالأردنيين محلهم.
لا يمكن لأزمة البطالة أن تتراجع ما لم نحقق اختراقا في سوق العمالة الوافدة.
الملف الثالث، الشروع بوضع خطة متكاملة تضمن عودة أكبر عدد ممكن من اللاجئين السوريين إلى ديارهم. لقد التزمنا بمبادئ الأمم المتحدة الخاصة برعاية اللاجئين والعودة الطوعية، لكن مجتمع المانحين لم يقدر ذلك للأردن. كل المؤشرات الاقتصادية تفيد بأن اللاجئين يمثلون تحديا كبيرا للاقتصاد الأردني لا يقوى على حمله في مرحلة ما بعد كورونا، سواء على صعيد سوق العمل، أو الضغوط على البنية التحتية والمياه والسكن وغيرها من جوانب الحياة.
يتعين التفكير بفتح ممرات إنسانية تضمن عودة اللاجئين إلى ديارهم بأسرع وقت ممكن، وإذا كان للمنظمات الأممية رأي آخر فعليها أن تعود إلينا بحزمة مساعدات مالية قبل الحديث عن الدواعي الإنسانية والعودة الطوعية.
الأردن مل وتعب من ممارسة هذا الدور دون تقدير من الدول الغنية.
هذه مجرد مراجعة سريعة للملفات الثلاثة، تحتاج لمزيد من البحث والنقاش لتستوي كسياسات وخطط عمل في المستقبل، لكنها في كل الأحوال تقر إلى حد كبير مدى قدرتنا على مواجهة مخاطر المرحلة المقبلة.
تزوج المال والسلطة .. فأنجبوا الفساد ..!!
خالد خازر الخريشا
يقال ما اجتمعت الثروة والسلطة إلا وكان الفساد ثالثهما، ويرى البعض أن العلاقة بين السلطة والمال جريمة كاملة ومكتملة الأركان، فمقابل الثروة تتنازل السلطة عن أعز ما تملكه الأمانة والشرف ويكون الوليد مكروهاً، فإذا أردت إفساد أي مجتمع، فما عليك إلا فتح باب الزواج بين السلطة والمال، أي تسمح لرجل الأعمال أن يكون رجل سياسة وعضواً في البرلمان، أو وزيراً أو رئيس وزراء، أو حتى رئيس دولة، وهنا يشارك رجل الأعمال في صنع القرارات التي تخدم مصالحه أولاً وأخيراً .
هذا المولود المسخ وهو الفساد ينجم عنه مظاهر كثيرة ومتباينة ومتعددة على سبيل المثال الرشوة، إقصاء الكفاءات المؤهلة، المحسوبية، التكسب من وراء الوظيفة العامة ، المحاباة، استغلال الممتلكات العامة، الواسطة على حساب الغير، إساءة استخدام السلطة الرسمية، استغلال النفوذ، عدم المحافظة على أوقات الدوام الرسمي، الاستيلاء على المال العام، الابتزاز، وضع الشخص المناسب في غير المكان المناسب، التهاون في تطبيق الأنظمة والتشريعات أو تطبيقها على البعض دون الآخر وغالبية هذه الامور موجودة ومستشريه في مؤسساتنا.
المصيبة هذا المال الحرام حينما يقع في يد السفهاء واللصوص يصبح نكبة عليهم وعلى من حولهم، والسلطة حينما تقع في أيديهم يتحول الواحد منهم إلى «ثور هائج» كل ما يعرفه ويملكه هو استخدام قرنيه وتدمير كل ما حوله.
على الرغم من أن ظاهرة الزواج المحرم بين المال والسلطة هى ظاهرة قديمة إلا أنها عادت فى السنوات الأخيرة لتطفو إلى سطح الأحداث فى مناطق شتى بالعالم ومنها دول شرق أوسطية وعربية والاردن بالطبع أصابه سهام هذا الزواج مما جعل النقاش حولها يفوق كل ما عداها من ظواهر وبدأت الأصوات تعلو للتحذير من اشتباك وتزواج المال والسلطة باعتباره يؤدى إلى فساد المجتمعات.
وراحت قصص هذه الزيجات المحرمة بين المال والسلطة تخرج على صفحات الجرائد ومنصات اخبار المواقع الالكترونية وتنفجر فى نقاشات حامية على شاشات الفضائيات فى كل مرة تنتهى زيجة من هذه الزيجات بفضيحة مدوية.
ونظرا لخطورة هذه القضية الشائكة وما يحيط بها من قضايا فرعية فقد بدا العالم فى إزاحة الستار عن قصص غريبة وفضائح مثيرة فى عملية تتبع لأشهر عمليات ارتماء السلطة فى أحضان أهل البيزنس, أو عمليات مغازلة أهل البيزنس لأهل السلطة, وكيف كانت النتيجة وهى إفساد المجتمعات من نهب للمال العام, وشراء للذمم والضمائر, وضرب للقيم والمبادئ, وخيانة للأمانة التى وضعها الشعب فى أيدي حكامه .
اذا أردتم معرفة وحجم الفساد البائن بينونة صغرى في بلدنا إفتحوا ارشيف تقارير ديوان المحاسبة للعشرة سنوات الاخيرة حيث تشاهدون ان البلاوي والرشاوي والفساد والترهل الاداري يبدأ من مؤسسات الدولة..
هناك قصص شهيرة في الاردن شهدت زيجات المتعة الحرام بين المال والسلطة ويكاد المواطنون يشاهدون مسؤولين وصلوا الى الثراء السريع من خلال السلطة, فى محاولة للتعرف على الطريقة التى تبدأ بها, والخطوات التى تقطعها حتى تصل إلى مبتغاها, ثم تداعياتها, قبل أن يقطع الطلاق بينهما بمجرد انكشاف أمر أصحابها, وتفجر الفضيحة!!
للاسف في بعض الاحيان نرى ان المال فى الاردن هو الذى يقود السلطة يتحكم في بعض المفاصل.. والسبب فى ذلك استراتيجية التنمية والإصلاح الاقتصادى التى تبناها الاردن بعد عام 2000 وكذلك الخصخصة التي دمرت البلاد وأفقرت العباد.. والتى اعتمدت كلياً على بعض رجال الأعمال الذين باعوا المال العام واشتروه.. وبدأت عملية تصعيدهم سياسياً بشكل غير مبرر، حتى ظهرت الصراعات الاقتصادية مغلفة بإطار سياسى، ثم انتقلت إلى استخدام النفوذ السياسى لتحقيق المصالح الاقتصادية، فيما يعرف بسياسات (تكسير العظام).. فى تناقض واضح لقواعد الصراع السياسى نفسه، الذى يعتمد على مبدأ المصلحة، التى تدفع بدورها إلى عدم تدمير الخصم نهائياً، من منطلق إمكانية الاستفادة منه مستقبلاً.. الأمر الذى يقود إلى تساؤل آخر.. هل اتجاه البلاد نحو الحرية الاقتصادية، وبناء نظام اقتصادى قائم على آلية السوق، سبب كاف لتصعيد رجال الأعمال إلى مركز صنع واتخاذ القرارات السياسية ؟!
إن الليبرالية الجديدة التى تعتبر ركيزة فكر لليبرايين المعدلون وراثيا وبعض الحكومات فى جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تفرض على الدولة أن تكون بمثابة منظم للأداء الاقتصادى، وتكون أيضاً مراقب لسياسات الإصلاح الاقتصادى، وتضع استراتيجية لمواجهة الآثار السياسة والاجتماعية المتوقعة جراءها، فيما يعرف نظرياً بـ “الدور الاجتماعى للدولة” وهو أمر يؤكد أن القرار السياسى يجب أن يتخذه الساسة ليس غيرهم.. وأن السلطة يجب أن تقود المال وليس العكس.. حتى وإذا كانت الدولة (بكل هيبتها المفترضة) تحتاج إلى المال وأصحابه لتنهض ، فمن غير المفهوم أو المنطقى أن يتم تفصيل القوانين والسياسات من قبل أصحاب المال والأعمال ونواب البزنس والعطاءات ، وكما قال احد السياسيين ان الزواج بين المال والسلطة هو زواج سفاح يدفع مهره الشعب .
ملف المدارس الخاصة: عدالة غائبة!
غيرُ مفهوم أبدًا السلبية التي تسيطر على الحكومة في تعاطيها مع ملف المدارس الخاصة، رغم النداءات العديدة التي أطلقها أهالي الطلبة والمعلمون، والذين باتوا ضحية خذلان يعكس مدى ضعف الحكومة في مواجهة تغوّل أصحاب هذه المدارس على المواطنين.
منذ بدء أزمة كورونا وتحوّل الدراسة من المدارس إلى المنازل وفق مفهوم التعليم عن بعد، وما سجّل عليه من ملاحظات سلبية كثيرة، كانت النداءاتُ التي يطلقها المواطنون متواصلةً من أجل دفعِ الحكومة إلى إجبار المدارس الخاصة على خصم مبالغ مالية لذوي الطلبة، بنسب محددة تُرحّل إلى العام المقبل، كتعويض عن عدم قيام هذه المدارس بواجبها تجاه تدريس أبنائهم، إلا أن الدولة لم تفعل شيئا، ووقفت عاجزة عن التفكير بالموضوع والتعاطي معه، أو إيجاد مخرج مثالي يُرضي جميع الأطراف.
منذ منتصف شهر آذار الماضي تكادُ تكلفة التشغيل في المدارس أن تكون صفرا، فلا استهلاك للماء، ولا للكهرباء، ولا للأحبار أو الأوراق، ولا وسائل نقل، كما أن المعلمين في عدد كبير من المدارس لم يحصلوا على رواتب كاملة. كل ذلك مَدعاةٌ لأن يكون دافعا للحكومة لأن تجبر هذه المدارس على تحديد نسبة خصم من الرسوم السنوية التي تتقاضاها من الناس، وغير ذلك فمن حقّنا أن نعتقدَ أن ثمة تواطؤا حكوميًا غير مفهوم الأسباب والمبررات. أو أنّ الحكومة ضعيفة جدا أمام هذا التغوّل، وفي كلتا الحالتين الأمر غير مستساغ بتاتا.
انتهى العام الدراسي، ولا شكّ أن آلاف الشيكات التي أودعها المواطنون في المدارس ستردّها البنوك لعدم وجود رصيد يغطيها جرّاء توقف عجلة الإنتاج للدولة منذ نحو أربعة أشهر، ما يعني أزمة مُرتقبة بين الأهالي والمدارس سيكون ضحيتها الطلبة، إذ ستلجأ الأخيرة لعدم تجديد تسجيل هؤلاء في المدرسة إلى حين تسديد جميع الذمم المالية المترتبة على أولياء الأمور، وهذا لن يكون في أغلب الأحيان، وبالتالي سيكون القضاء هو الفيصل في هذه الحالة، ولنا أن نتخيل حجم القضايا التي ستُسجل ضد الأهالي في المرحلة المقبلة، وإلى أين ستؤول الأمور.
غالبية المدارس الخاصة لم تتحكم فقط بذوي الطلبة، بل بكوادرها التعليمية، فبعد أن أجبرتهم على العمل عن بعد دون أن تمنحهم جميع حقوقهم، لجأت إلى عدم تجديد عقودهم السنوية تحت ذريعة عدم معرفتها بأن العام المقبل سيشهد عودة طلبة إلى المدارس أم ستكون عملية التعليم عن بعد.
بل إن بعض المدارس، وعددها كبير، أنهت عقود المعلمين من ذوي الرواتب العالية وأبقت على أصحاب الرواتب المتدنية دون أن تنظر إلى عوامل الخبرة، وجودة العمل وحق الطالب في الحصول على أفضل تعليم على يد معلمين مدربين وقادرين على منحهم معرفة قائمة على التحليل والتفسير والاستنتاج لا التلقين.
المدارس الخاصة، وفي معظمها حققت تكلفتها التشغيلية للعام الدراسي كاملا قبل أن يبدأ، وذلك من خلال الرسوم وبيع الكتب والزي المدرسي، والنشاطات اللامنهجية التي تحوّلت إلى تجارة، وغيرها من الأبواب التي تبدع وتتفنن في الحصول على أموال من خلالها، وهذا من حقّها فهي مؤسسات ربحية أولا وأخيرا، لكن الذي ليس من حقها أن تتباكى الآن وكأنّها هي الضحية الوحيدة لمؤامرة كونية.
على الحكومة أن تتكرّم وتعطي بعضا من وقتها لهذا الملف، وأن تلتفتَ لأوضاع آلاف الأُسر الأردنية ممن أبناؤهم يلتحقون بهذه المدارس، لأنها ستدفع ثمنا باهضا عندما يلجأ الأردنيون إلى نقل أولادهم من المدارس الخاصة إلى الحكومية، وهذا الأمر يرتّب على وزارة التربية ملايين الدنانير لا تقوى خزينة الدولة على توفيرها، إذ ستحتاج إلى بنية تحتية ضخمة، وكوادرَ تعليميةٍ إضافيةٍ في وقت تسعى فيه الدولة إلى هيكلة القطاع العام من أجل ترشيد الإنفاق. الوقت ما يزال مبكرًا لتجاوز هذه الأزمة.
كورونا .. الليلة الأخيرة
الحياة تعود الى عمان. غيمة كورونا يبدو انها انقشعت. الناس يتدفقون الى الشوارع،واخبار سارة عن فتح لدور العبادة مساجد وكنائس، وصالات المطاعم والمقاهي، والمولات، وعودة موظفي الحكومة والقطاع الخاص.
شركات كبرى اعلنت عن تسريح الالف العمال. ورقم البطالة في الاردن يسأل : هل سيبلغ اثني مليون عاطل عن العمل؟ جيش جديد من فاقدي الوظائف يلعنون كورونا ليلا ونهارا سينضمون الى طوابير العاطلين عن العمل.
وهؤلاء لا يعرفوا اين يذهبون ؟ وليس من جراءة وشجاعة للاعتراف بان نصف الاردنيين عاطلون عن العمل. ولو أن كورونا رحلت من بلادنا فهؤلاء سيدفعون وحيدين الثمن، وفاتورة الفايروس.
السيارات نزلت الى الشوارع، وعادت الازمة والاحتباس المروري تدب في شوارعها. شبابيك مطاعم الوجبات السريعة عادت لتمتلئ بزبائن يقفون طوابير وينتظرون لساعات لشراء سندويشة هامبرغز وكأس كولا.
شرطي السير عينه تصيب لوحات السيارات العابرة فردي وزوجي. وصيد المخالفات يعبر للسيارات المخالفة لاوامر السير بخصوص السيارات المسموح لها بالخروج.
الناس تمر من الشوارع تحدق النطر بما اصاب المدينة في زمن كورونا. مواطن يملك منشأة تعليمية كتب على الفيسبوك انه من بداية ازمة كورونا يقدم طلبا للحصول على تصريح مرور من منصة «سند « التابعة لوزارة الاقتصاد الرقمي، وحتى الان مازال الجواب المرسل اليه « المنشاة ليست ضمن القوائم « ما يعني رفض طلبه، رغم انه استوفى كل الشروط المطلوبة.
صديق عبر عن غصبه على فيبسوك حرفيا قائلا : اول قرار بعد ما تحل كورونا عنا شطب كل المنصات الالكترونية عن هاتفي. اكتفي بهذه الكلمات ليعبر عن موقف ثوري من التكنولوجيا الطارئة، لربما يتفق معه اغلبية الأردنيين.
سنهجر حتى الهواتف الخليوية الذكية،و نعود الى نوكيا الاصم. لم نعرف حتى الان ما هو التعليم عن بعد ؟ صديق يسكن في جنوب الاردن قال لي : كل ما اسمع على التلفزيون من اخبار عن مضاربات التكنولوجيا والمنصات احاول الدخول الى التطبيقات، فاول ما اتعثر به عدم الاتصال وتوفر الانترنت.
سياسيا، الناس غاضبون من النواب. فالسؤال العالق والمتكرر على الالسنة اين اختفى النواب ؟ وكما بدا فانهم دخلوا في اجازة مفتوحة من اليوم الاول للوصول كورونا.
لربما لا يحتاج النواب الى اختبارات اضافية ليكونوا شركاء للحكومة في ازمة كورونا. فالكتاب كما يقولون مقروء من عنوانه. ولا احد يعلم ماذا يحمل قادم الايام من تغييرات، واعادة ترتيب البيت السياسي الاردني بعد كورونا؟
فهل سترحل الحكومة قبل ان نصل الى خاتمة كورونا؟ ومن سيعلن عن هروب اخر فايروس من الاردن ؟ وهل سنعود لنسأل عن المريض رقم صفر ؟ كورونا فضحت كل الاوبئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولربما ان هذا الفايروس اخر ما يفكر به انه وباء مرضي، وعلاجه بالعقار والدواء.
حتى الان حكاية كورونا مازالت مفتوحة، والسارد يبدو من عائلة شهرزاد ؟
رحيل حكيم الدبلوماسية
قبل اشهر قليلة استضفت معالي الاستاذ الدكتور كامل ابو جابر في الجمعية الثقافية للشباب لكي يحاورة نخبة من الشباب والشابات وتقديم عصارة تجربته الثرية لهم..جاء حكيم الدبلوماسية الى الجمعية ترافقة ابنته واستقبلنا بكل الحب الذي يليق به فهو الانسان الذي عرفته ايام كنت في رحاب الجامعة الاردنية: هادئا..مبتسما..رزينا.. جريئا.. واثقا من نفسة..قال للشباب كلاما جميلا تظلله خبرته وسنوات عمره وكيف كانت والدته لديها مكتبة جامعة وكيف كان حضوره السياسي والدبلوماسي الذي لم يسعى اليه ولكنه فرض عليه في احيان كثيرة..قال لهم ان الحياة : مواقف ومبادئ وقواعد وذكريات وعليك ان تتمسك بذلك ولا تحيد عنه مهما كانت الظروف..كان يتحدث بكل ثقه ..وعندما سالته احدى الشابات عن سر حضوره وحدة ذاكرته رغم انه بلغ من العمر الثمانية والثمانين..قال مبتسما : راحة البال والصدق في الحياة والاسرة السعيدة..وعدم الحقد على الاخرين..والعطاء الذي تظلله المحبة.. يرحل حكيم الدبلوماسية الاردنية والناس تشيد بتاريخه وحكمتة ووطنيته الصادقة وسجله النظيف.. احر العزاء لاسرته ومحبيه وال ابو جابر الكرام..
نحو مجتمع معرفي وأردن أفضل
عادة ما تتأثر إستراتيجيات العمل بالظروف الموضوعية التي غالبا ما تكون أكبر تأثيرًا من العوامل الذاتية، لذا تجد معظم إستراتيجيات العمل تنحنى أو تتوقف، وبالتالي تعدل مساراتها لزوم التكيف ولغايات التأقلم مع رياح التغيير أو التغير، التي تأتي عبر المناخات الإقليمية أو الدولية، حيث تؤثر على النظم الإستراتيجية وخططها، في النواحي الإصلاحية والتنموية وفي الجوانب المالية أو الاقتصادية أو الإدارية ، أو حتى السياسية، إلا أن إستراتيجية العمل الثقافية لما يحتويه العامل الذاتي فيها من مكانة متجذرة دائما ما يكون أكبر تأثير من الظروف الموضوعية لذا شكلت ذلك الاستثناء خاصة في ظروف التحديات.
و لما تحويه المنزلة الثقافية من جذور عميقة في الموروث الثقافي والمخزون العقائدي والأدبيات الحضارية والمسلكيات الاجتماعية والبيئة المجتمعية الحاضنة، وهي العوامل الخمسة التي تشكل جذورها، لذا كانت استجابتها كبيرة.
في معادلة التكوين، حيث مقدار الأثر الطبيعي وعمق التأثير البشري ومتانة العلاقة المجتمعية بين الإنسان والأرض والمجتمع حيث الوطن والتي تتشكل منها درجة الانتماء فيما تتعزز عبر مناخاتها قيم الولاء للنظام والإطار الناظم من طبيعة مفاهيم العناية والرعاية والحوكمة الراشدة.
ولأن أركان الولاء والانتماء تتشكل من قيم المواطنة وتنمي المنزلة الوطنية، فإن تعظيم قيمها ومبادئها تتعاظم عند بناء حركة المجتمع بالثقافة الوطنية، لأن الإستراتيجية الثقافية لا تتأثر بالظروف الموضوعية بطريقة كبيرة أو تؤثر عليها إلى درجة وقف الحركة كما يحدت في مسارات الاقتصاد والتنمية بل على العكس من ذلك، كلما كبرت التحديات على المجتمع عظمت معها وسائل الإبداع الثقافي وتعززت من فحوها قيم المواطنة والوطنية الأمر الذي يعول عليها دائما بشحذ الهمم وإغناء مستويات الإرادة، تجاه الوصول إلى هدف أو بهدف تحقيق المنجز من هنا تأتي درجة الاهتمام بروافدها ومساراتها.
ولأن الإستراتيجية الثقافية بحاجة لرؤية، ورسالة وآليات عمل، وسياسات، وبرامج تأثير، وتحقيق أثر، وغايات مركزية، فإن العمل على بلورة إستراتيجية ثقافية يستدعي تبيان هذه المفاهيم، وتوضيح عناوينها، وشرح أدبياتها، وتأطير مساراتها، ووضع برامجها، في الأطر التوجيهية الإعلامية وفي المناهج الفنية والأدبية، حتى تنسجم المنطلقات المركزية مع روافد العمل المتنوعة ضمن أدوات عمل تستجيب لها بيئة المجتمع فتتم درجة التأثير وتظهر عناوين الاستجابة بواسطة تفاعلية مبادرة وتفاعلية مناعية.
وذلك لاعتبارات ضمنية لأن رؤية العمل تقوم على صياغة النموذج الثقافي للخصوصية المجتمعية، وفق معادلة مركزيه تقوم على المنطلقات الحضارية للمجتمع، والاستشراف الموصول للبيئة الحاضنة والاستكشاف المأمول للإبداع واستدراك الحركة الاجتماعية من أجل تحقيق درجة التطلع المتوخاة، وهذا يأتي ضمن جملة خبرية تحدث العلامة الفارقة، فإن العمل على بلورتها يتطلب تكوين دلالة مباشرة عن هذا المزيج لتكوين رؤية المجتمع الثقافي وسمته، وهذا بحاجه لفتح أبواب الحوار لإطلاق الرؤية الإستراتيجية الثقافية للمجتمع، والتي يجب أن تبدأ بنحو يمكن استنباطها من رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني»نحو مجتمع معرفي وأردن أفضل».
أما فيما يتعلق في الرسالة ومحتواها والتي من المفترض أن تعمل على هضم حركة المجتمع الفكرية والأدبية والموروثية والمسلكية والمنهجية، فإن العمل على تكوين رسالتها يتطلب الوقوف عند مصطلح من أجل، التي فيها تهضم جميع هذه المركبات وتؤطر في إطار الاستهدافات المرجوة، والتطلعات المنشودة ، بحيث تقوم على توضيح مسارات العمل وجوانبها ضمن محددات مباشرة، حيث يمكن استباطه من فحوى مضامين الأوراق الملكية.
بحيث ينطلق المجتمع الأردني من إيمان راسخ بالله ويهدف إلى تجسيد تطلعات الإنسان والأرض هوية وانتماء في ظل المجتمع المدني و ضوابط سيادة القانون ومن أجل تعظيم مخرجاته قيم العدالة وتكافؤ فرص، ومن أجل ترسيخ النهج الديمقراطي التعددي الذي يحفظ قيم المواطنة، ومن أجل تجسيد المفاهيم الإدارية في اللامركزية والحكم المحلي، ومن أجل تحقيق أطوار الاقتصاد الإنتاجي، ومن إجل إيجاد بيئة أفضل للتعليم والتعلم والمعرفي، وذلك ضمن رسالة وطنية بنائية معرفية تضيف للعمل الإنساني وروافده علوم المنفعة ونماذج المعرفة.
وهي الرسائل الخمس التي احتوتها الأوراق الملكية حيث يمكنها تجسيد رؤية جلالة الملك بالكيفية التي تمكننا من بناء مضمون المجتمع الأفضل أو المتقدم، وهذا يمكنه تشكيل الجزء الثاني من الرؤية التي حملت عنوان « نحو أردن أفضل» فيما تقوم رسالة المجتمع تجاه الإنسانية لتحمل رسالة الأردن للبشرية جمعاء عندما حملت ذات العنوان نحوالمجتمع المعرفي بقيمه وعطائه الإنساني، وهما ما يشكلان معًا كامل الرؤية» نحو مجتمع معرفي وأردن أفصل « .
وهي الرسالة التىي يمكن اعتبارها المحور الأساس والاتكاء عليها في بناء الإستراتيجية الثقافية للدولة الأردنية بحيث تقوم على بناء شرعية الإنجاز، وإبرازها بتعظيم حركة المجتمع وتطوير وسائلها، وتصميم نماذج العمل فيها، وتوظيف السياسات العامة للدولة في جوانبها وأنظمتها وبما يثري حركة المجتمع الثقافية والأدبية ويجعلها قادرة على تكوين سمة منهجية وقيمية تميزها عن بقية المجتمعات، وإن كانت السمة التي باتت تشكل السمة الغالبة على حركة المجتمع الأردني هي قيمة التسامح ونهج الأمان. وهذا ما يقود نماذج العمل الثقافي، من تسليط الضوء
على هذه القيمة والمنهجية البارزه في المجتمع الأردني، من خلال التركيز عليها في كل النشاطات، باعتبارها علامة فارقة، تميز الأردنيين عن غيرهم ويمتاز بها مجتمعنا الأردني عن غيره من المجتمعات، فإن التسامح ما يعنيه من كرم وجود، وحسن خلق، وعظمة منزلة، حيث تتجلى معانيه بالترفع عن الصغائر، وسمو الأخلاق، وحسن التربية، إضافة إلى أنها شكلت ثقافة حكم أصيل بجذوره العريقة يمكن اعتبارها إحدى القيم الرئيسة في المجتمع الأردني كما في «زهرة السوسنة» حيث يتجسد التعبير، ومن واقع تسليط الضوء على نماذجها المجتمعية باعتبارها تشكل أحد الروافد الرئيسة لشرعية الإنجاز المستهدفة. ولأن منهجيهة الأمان تمزج بين الأمن والحرية والتي باتت تعد أحد أهم سمات المجتمع الأردني، كونها تبرز مقدار مناخات الحرية التي يتمتع بها شعبنا في التعبير والحركة والنشر والبيان وفي المحافظة أيضًا على الرأي الآخر في معادلة التعددية كما تتم المحافظة على الرأي
في ذات المعادلة، فإن المحافظة على مناخات الاستقرار كانت بحاجة دائما لإبراز معاني الأمان من واقع تسليط الضوء عليها وعلى روافعها باعتبارها تشكل أحد أهم اركان العمل الثقافي المنهجي.
أما عن الأمن ورسالته، والذي شكل علامة ميزت المجتمع الأردني عن غيره في كل المحطات، فإن نماذج الأمن العديدة التي باتت محط تقدير عالمي في مجالات الدفاع، والوقاية، والاستدراك، والاحتراز، غدت تشكل علامة فارقة للدولة الأردنية لما تقوم عليها منجزاتها ضوابطها الردعية والاحترازية والحافزية والوازعية، فإن إستراتيجات العمل هذه التي أثبتت نجاعتها، إضافه إلى خططتها التنفيذية التي اقترنت بها في الحروب ضد الإرهاب كما ضد الوباء ما قدمته من منهجية حرفية جعلت من رسالة الأمن الأردني مثالية في العمل، ومضرب أمثال بين المجتمعات نتيجة نماذج العمل التي قدمها الأردن في الحرب على الإرهاب والوباء، وما قام به أيضا تجاه حفظ السلم الإقليمي والسلام الدولي بالأفكار والميدان، يجعل برنامج العمل التثقيفي والتقافي يسلط الضوء على محتواه باعتباره جزءًا من شرعية الإنجاز المستهدفة.
وفي إطار آليات العمل التي يمكن توظيفها لإحقاق حاله موضوعية تستند للعملية بالتقدير، والمهنية في الأداء، فإن آليات عملها تقوم على أسس تراعى فيها البيئة المجتمعية الحاضنة لإحداث الأثر وظروف مناخات التأثير، بحيث يتم اختيار آليات ملائمة لميزان التقدير، حيث يتم تحديد آليات العمل بناء على النظم المركزية للعمل، اذا حملت عناوين توعوية و توجيهية، او ارشادية او بنائية او حتى ارشادية، واختيار الوسيلة الملائمة للتعاطي والاطلاق ان حملت عناوين الطرق المباشرة او اتخذت من الطرق غير المباشرة ووسائل لها للتحقيق التقليدية منها او الاجتماعية .
وهذا يتطلب دراسة محتوى الرسالة ونوعية البيئة المستهدفة وتحديد مواقيت الإرسال، واختيار فريق عمل الإرسال على ان يتم ذلك بمهنية متناهية، فإن مقتضيات العمل التثقيفي بحاجة الى مراكز ارسال مهنية ومنهجية وفكرية بحيث تقوم على ايجاد حالة يستثمر عبرها كتّاب الرأي والمسرح والمسلسلات التلفزيونية والبرامج الوثائقية بما فيها الأماكن التاريجية الجغرافية وميزاتها، وتسليط الضوء على الشخصيات التاريخية الوطنية، والقضايا المجتمعية التي تشكل مفاهيم مجتمعية جامعة، فيها من الأصالة والحضارة كما فيها من الحداثة والمعرفة، وهذا يأتي وفق نسق مجتمعي جامع ترسخ فيه الهوية الاردنية الوطنيهة الجامعة، لما لذلك من اهمية في إغناء الموروث الثقافي والأدبي عند الإنسان الأردني.
ومن هنا تأتي أهمية ايجاد صندوق للابداع السينمائي والمسرحي والفني بشكل عام، بحيث يعمل على اكتشاف المواهب الأردنية وإعادة تأهيلها بنظم احترافية، والعمل على تدريب كوادرها من اجل صناعة معرفية تقوم على صناعة الفن والسينما، وتعمل على الاهتمام بالمسرح والسينما الاردنية والمسلسلات الاردنية والنماذج الفنية المتنوعة لكونها تشكل المناخات الايجابية في اغناء روافع رسالة الانجاز الوطني وشرعيته، فإن الظروف الانتاحية بحاجه دائما الى مناخات عمل مشجعة ومحفزهة تقوم على بلوره بيئة صحية للعمل كما بقية مسارات الانجاز لاسيما في المسارات الديمقراطية والمدنية واللامركزية والتعليمية وكما في نماذج الاقتصاد الإنتاجي.
اما السياسات التي يمكن اتباعها فإنها تقوم على مزج النظم الحافزة بالنظم الوازعة، وذلك لاعتبارات تقديرية لها علاقة بطبيعة البيئة الفنية وآلية عملها باعتبارها الأداة الموصلة للرسالة والمشكلة لدوائر التأثير، وهذا يتطلب تشكيل نماذج عمل تدار في البداية، من خلال منصات مركزية حيث تتكون في هذه المنصات من خلال هيئة مستشارية تحوي خبرات تقنية عربية ودولية في الإخراج والتأليف وكتابة السيناريو واللوجستية المتممة حتى يتم تشكيل منظومة عمل مهنية للأعمال الفنية كما المسرحية والسينمائية، من أرضية نصوص توجيهية وتوعويه تهتم في معالجة القضايا المجتمعية، وهذا بحاجة الى ايجاد جوائز سنوية للابداع والابتكار والاغناء الفني والتقني في المجالين الفني والسينمائي ، إضافة الى أهمية توحيد مرجعيات العمل في اطار هيئة مستقلة تقوم على وضع إستراتيجيات العمل ولا تتأثر بعوامل تغير السياسات بتغير الوزارات.
اما عن برامج التأثير وتحقيق الأثر، فإنها تقوم على اختيار نوعية الوسيلة المناسبة للرسالة والصيغة التي يمكن تقديمها عبر برنامج يطلق الرسالة ويتابع وصولها ويقيم مقدار تأثيرها حيز الواقع وعمق الاستجابة المجتمعية الناشئة، ضمن برنامج التقيم والتغذية الراجعة لغايات التصويب واعاده البناء.
إن العمل على تقديم هذه الاستراتيجية وايجاد الخطط التنفيذية لتحقيقها ضمن جدول زمني معلوم ، سيعمل على اعادة الزخم للمنتج المعرفي في صناعة السينما والفن والكتابة، وسيؤدي ذلك الى تبديد المناخات السلبية في المجتمع أينما وجدت، والتخفيف من مقدار التركيز على الحالة السياسية، وتسليط الضوء على قضايا مجتمعية يمكن معالجتها بالطرق التوعوية أو الارشادية دون توجيه نقد وجاهي لكن عبر معالجة تجسيدية وضمن برامج واضحة، تحاكي الواقع بموضوعية، وتقوم على بناء مناخات مجتمعية تلفظ التطرف والانتقاد والتشكيك والاتهامية وتحضن الرأي الآخر كما الرأي والمعارضة الايجابية مناخات التعددية.
ولأن المرحلة الاستثنائية التي تشهدها المنطقة بحاجة الى تعزيز مناخات المناعة الثقافية والوطنية والتثقيفية الوقائية حتى يصان الفضاء المجتمعي ويحافظ على حالة الفكر الفردي من مع اشتداد الرياح الفوق قطرية والتي تحمل اتربة مسمومة تعمل على التشكيك والخلخلة في انظمة الرأي ونسيج الوحدة الوطنية والمجتمعية، لمآرب معلومة و مقروءة، سياسية وجيوسياسية نتيجة تبدل موازين القوى وتغير التوجهات العامة بتبدل مراكز الاستقطاب الإقليمي.
إن التصدى لهذه الأجواء وظروف تكوينها بحاجة الى مصادات وطنية ثقافية بحيث لا تقوم انظمتها على تغذية الهويات الفرعية كونها محببة لهذه الاتربة الفايروسية بل تعمل على اعلاء مكانة الهوية الاردنية الجامعة وتعظيم جوانب العلاقة الدستورية التي تمزج ما بين الشرعية الملكية التي جاءت مع الخيمة الهاشمية برسالتها الفكرية وأوتادها التاريخية والدينية والثورية مع الشرعية الشعبية حيث الخيارات الشعبية و بيت القرار النيابي، من على هذا المزيج الرأسي والأفقي يعمل الجميع بقيادة رائدة على تحقيق مكانة شرعية الإنجاز التي يسعى لتحقيق أركانها جلالة الملك عبدالله في المملكة الرابعة، وهذا ما بينه كتابي «شرعية الإنجاز والحياه السياسية».
و من هنا تأتي أهمية، اطلاق استراتيجية ثقافيه في هذه المرحلة تعنى بالفكر والنهج والمحتوى وتقوم على آليات عملها على إغناء المحتوى الإعلامي بالرسائل الفكرية والمنهجية و تعظيم دور الرسائل الإعلامية وكيفية اطلاقها، وتمكين دور المنصات التوجيهية فيها للوصول إلى الآلية الملائمة لتحقيق التأثير الأوسع في دوائر الاستهداف، فإن العمل على تعزيز مناخات الثقة و تقديم توجهات الرأي بطريقة نمطية ورسمية بالندوات والمؤتمرات واللقاءات الوجاهية باتت بحاجة إلى إعادة بناء في ظل الظروف السائدة واسقاطاتها، لذا كان اتباع الوسائل الفنية في تقديم الرسالة ومحتواها وطرق علاجها هو الوسيلة الأفضل بتعزيز المحتوى الثقافي والذي بدوره سيعمل على إيجاد مناخات إيجابية تسهم بتشكيل مناخات مجتمعية اكثر تفاعلية، إضافه الى أن هذه الإستراتيجية ستعمل على ايجاد ارضية ملائمة لإطلاق صناعة معرفية سينمائية وفنية عامة، وهي تعد احد روافع العمل للاقتصاد الإنتاجي في إطار الرؤية الإستراتيجية التي تحمل عنوان «نحو مجتمع معرفي وأردن افضل» ، لذا كان هذا الاجتهاد الذي نرجو أن يحقق إضافة.
المقترضون بلا هوادة
قبل عقد من الزمكان (وهو شوربة مكونة من الزمان والمكان) طلعت عندنا صرعة تبناها أحد البنوك المحلية تدعو المواطن للحصول على قرض لتغطية مصاريف ضرورية يحتاجها فورا، فقد استجاب البنك لحاجات السوق، ونشر عروضا تدعو المواطن للحصول على دفعة محددة لتعبئة الديزل من أجل التدفئة(مثلا)، ويتم التسديد بأقساط بسيطة.
في حالتنا ا الكورونية الإفلاسية الحالية، لا عجب أن يعيد التاريخ نفسه مرتين، فلا تندهشوا إن شاهدتم الطريقة القديمة وقد رجعت لعادتها القديمة، وقد تقاسمها التجار وأصحاب البنوك والأطباء والصيدليات المناوبة وغيرهم، فقد تجد شعارات مثل:
= أملا سيارتك بالبنزين وادفع بعد ألفي كيلومتر!!
= أطعم أولادك اليوم دجاجا وادفع غدا!
= دفئ قدميك بجرابات (….) وادفع بعد غد!
= تناول مطعوم الأنفلونزا……!!
= اشتر كتب أولادك وقرطاسيتهم. !!
=أقساط المدرسة.
=احجز نفسك في فندق والدفع بعد انتهاء فترة الزوجي والفردي.
= تزوج اليوم…ويدفع أولادك.
= أجرِ عملية قلب مفتوح والأجر على الله!!
= نقوم بتجهيز جنازتك ودفنك والدفع بعد الرفع!!
أقصد، ان كل شي في حياتنا صار يحتاج إلى قرض ما، حتى تمشي الأمور… طبعا أنا لن استفيد من قرض الديزل أعلاه لأني ما زلت من ذوي الصوبات، لكني قد استفيد مستقبلا حينما تصير التدفئة عن طريق الطاقة الذرية المسحوبة من مفاعلنا النووي للغايات السلمية طبعا.
وتلولحي يا دالية
التعليم العالي والقرار الصائب
في ظل الظروف الحالية التي تسود العالم بسبب وباء كورونا، يظهر جليا المواقف المضيئة من أفراد ومؤسسات، ومن تلك المواقف الموقف الذي اتخذته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في توجيه تحذير للجامعات الأردنية بضرورة وضع الظروف التي يمر بها المواطن والمواطنون على قائمة الاهتمام، ونحن في وطننا الغالي نمر بمرحلة غاية في الحساسية وتحتاج الى تكاتف الجهود بين جميع أفراد المجتمع، والنظر بعين المسؤولية تجاه اي معضلة يمر بها الوطن والمواطن، ومن هنا كانت خطوة وزارة التعليم العالي ممثلة بوزيرها الدكتور محي الدين توق، تنم عن بعد نظر وإحساس عال بالمسؤولية ومراعاة ظروف الطالب الذي يتلقى علمه ويحلم بمستقبل مشرق ينتظره، فليس من المنطق ان يطلب من الطالب تسديد أقساط دراسته الجامعية، والجميع يعيش وضعا اقتصاديا صعبا ومعظم أولياء أمور الطلاب توقفوا عن أعمالهم وخضعوا لقرارات الحكومة ومعهم جميع الأردنيين في هذا الوطن المعطاء بالتزام البيوت وعدم الخروج الا للضرورة القصوى، وانقطع مصدر رزقهم الذي يعينهم على تسديد أقساط أبنائهم الجامعية.
فالطلاب يخضعون لضغوطات شديدة بخاصة بعد ان اضطروا مجبرين لا راغبين على تغيير نظام التعليم الذي اعتادوا عليه منذ بداية تلقيهم العلم واتباع تعليم جديد قائم على التعليم عن بعد، وهذا ليس بالأمر السهل وهناك أيضا معوقات كثيرة يواجهها الطلبة، هذا عدا الضغط النفسي الذي يشعرون به بسبب امر قد استجد على كافة نواحي العملية التعليمية.
فالطالب له الحق بدخول منصة الامتحانات النهائية الالكترونية وهو من صميم دمقرطة التعليم ليشمل كل محتاج للعلم لا ان يخضع لحالة من التوتر والخوف بتوجيه تحذير له بتسديد التزاماته المادية والا سيتم حرمانه من الامتحانات النهائية، فجاءت مناشدات وزارة التعليم العالي باهمية مراعاة ظروف الطالب والظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن لترفع عن كاهل الطالب هم التفكير في كيفية تدبير اقساطه الجامعية، ويحتم على الجميع رص الصفوف والتآزر والتضامن في ظل هذه الاوضاع الصعبة بسبب جائحة كورونا، ولتكون خطوة وزارة التعليم العالي من الخطوات المهمة لتعزيز مفهوم التكاتف والتعاون بين مختلف شرائح المجتمع الاردني، اخذه بعين الاعتبار الظروف المادية التي تمر بها الجامعات.
خلاصة القول:
نحن كأردنيين مهتمون بمراعاة ظروف بعضنا البعض، وعلينا كمسؤولين ومعنيين بأمر الوطن والمواطن ان نظهر قوة اللحمة الوطنية التي نعيشها في هذه الأوقات، حتى نستطيع جميعا تجاوز أزمة وباء كورونا والعبور الى شاطئ الأمان.