في سياق استعراض ما تم انجازه في سلسلة المعايير السياسية والتنموية الداخلية فاننا نسجل في العام الماضي 2019 تحولا حقيقيا وتغيرا في آليات التحفيز الاقتصادي التي اتبعتها حكومة الرزاز والتي أدت الى وجود أساليب وادوات جديدة في التعامل مع موضوع التحفيز الاقتصادي والذي ينعكس بشكل مباشر وملموس على الشريحة الأوسع من المواطنين من خلال ما نقرأه وما نلمسه من انعكاس على تلبية احتياجات المواطنين والعمل ضمن خطة اقتصادية تعيد احياء مفهوم المساهمة الشعبية من خلال توفير السيولة بين أيدي المواطنين وهو بالمدى المنظور يشكل خطوة نوعية في الاتجاه الصحيح ويضع انقلابا على الآليات البالية في قراءة المشهد الاقتصادي الداخلي.
طبعا كل ذلك تحقق من خلال الاشراف المباشر من قبل جلالة الملك على الملف الاقتصادي وتحذيره قبل وقت قصير من انتهاء هذا العام بانه على المواطن أن يلمس الآثار الحقيقية للتحول التنموي ومشروع الاصلاح الاقتصادي وهو ما يجعل الحكومة تسرع في اطلاق حزمها والتي ستأتي الى تقييمها بعد ستة أشهر من الآن.
أما من الجانب المطلبي والمعيشي وبعده السياسي فقد كان اضراب المعلمين محفزا حقيقيا لتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في صناعة القرار واستجابة الحكومة في نهاية تلك الأزمة الى مطالب المعلمين تعبر بجانبها الآخر عن دينامية حكومية قادرة على الاحتواء وقراءة النتائج وأيضا تعبر عن أن الالتفاف الشعبي خلف القضايا المطلبية تجعل من الرأي العام الأردني كما أسلفنا مشاركا فعالا في الرقابة والمطالب أما اذا اختصرنا التحولات في التحولات السياسية الخارجية فهي بقيت سياسة ذكية منفتحة تملك دينامية عالية تستشرف من خلال الثوابت الملكية كل مهماتها وآليات عملها وقد نجحت حقيقة في اعادة البوصلة الى القضية الفلسطينية وثوابتها ورسخت مفهوم الوصاية الهاشمية على المقدسات على الصعيد الدولي وعلى الصعيد الاسلامي فقد استهدف جلالة الملك الوعي الجمعي للشعوب الاسلامية قاطبة لتذكيرهم بان القدس حاضرة مركزية وحجر الأساس في السياسات الأردنية وان الوصاية الهاشمية هي الضامن الحقيقي للحفاظ والحصانة المدنية والمباركة مهما كلف ذلك من أثمان مادية أو معنوية أو سياسية فهذا هو عهدنا في الهاشميين، أشراف داخليا يتلمس كل القضايا المعاشية وإدارة واثقة للملفات الخارجية وجعل مصلحة الأردن والوطن العربي العليا هي المحور الأصيل والثابت للهاشميين على مدار التاريخ.
كتاب واراء
عام يتجدد
الصفقة اليتيمة التي يتبرأ منها الجميع!
نجح النواب في ترجمة غضبتهم على اتفاقية شراء الغاز بتقديم مقترح لمشروع قانون يحرم شراء الغاز من دولة الاحتلال الإسرائيلي وبذلك قدموا للشارع الغاضب جرعة أمل مؤقتة بانتظار ترجمة ذلك بمشروع قانون يقدم من الحكومة ويتضمن إلزامها بوقف شراء الغاز اعتباراً من نفاذ القانون بعد مروره بالمراحل الدستورية.
المفارقة هنا أن النواب وفي هذه الدورة تحديداً كانوا وافقوا خلال موازنتين سابقتين على بند التعويضات المتعلقة بمد خطوط الغاز وكأنهم غير متأكدين من وجود اتفاقية أبرمتها شركة مملوكة للحكومة بالكامل وتلزمها بشرط جزائي بقيمة مليار ونصف المليار إذا دخلت حيز التنفيذ ودون أن يفكروا بتحرك استباقي بما في ذلك تقديم مقترح لمشروع قانون كما جرى في جلسة الأحد.
تيار الصقور في المجلس يلوح بالعودة لخيار طرح مذكرة حجب الثقة خلال الأسابيع القادمة إذا لم تتعامل الحكومة بجدية مع المقترح وتقدمه بصفة الاستعجال في محاولة استباقية منهم للتعامل مع سيناريو التأجيل أو الترحيل الذي ربما تلجأ له الحكومة وتستند في ذلك إلى أن صفة الاستعجال ليست ملزمة للحكومة يؤيدها في ذلك العديد من المختصين بالقانون الدستوري بمن فيهم رئيس اللجنة القانونية بأن الحكومة ليست ملزمة بإرساله خلال هذه الدورة وهي الدورة العادية الأخيرة في عمر المجلس.
الحكومة بدورها لن تُسارع إلى شراء المتاعب وتدعو لدورة استثنائية لمناقشة مشروع القانون وبالتالي يتم ترحيل الأمر للحكومة ما بعد الانتقالية التي ستأتي بعد الانتخابات في هذا الصيف، إذا لم تحدث تطورات تتعلق بالتمديد للمجلس وبقاء الحكومة بالرغم من أن هذا الخيار مستبعد إلا في إطار صفقة بين المجلس والحكومة يكون ثمنها قضية الغاز؛ بحيث يتم تجاوز الأزمة بصيغة ما قد يكون من بينها تأجيل تقديم مشروع القانون أو حشد فريق من النواب والأعيان لاحقاً إذا ما رضخت الحكومة وقدمت المشروع وتجاوزت المحاذير الدستورية التي تشير لها أوساط قانونية ودستورية قريبة من الحكومة وتحديداً فيما يتعلق بتعارض المشروع مع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية إذ يصفها البعض بأنها ملزمة سياسياً للأردن امام المجتمع الدولي.
وسط كل هذا الجدل تغيب الحكومة الحالية التي تلقفت هذه الاتفاقية وتتعامل معها على استحياء بالغ ظهر في تنصل وزيرة الطاقة قبل أسابيع من مسؤولية التوقيع عليها والتأشير على الوزراء السابقين الذين وقعوا ذلك وجاء غيابها عن منتدى غاز المتوسط في القاهرة الأسبوع الماضي ليعزز ذلك، الوحيد الذي يخوض معركة الحكومة هو مدير شركة الكهرباء الوطنية إذ يقدم توصيفا فنيا وماليا لدواعي شراء الغاز من شركة نوبل إنيرجي الأميركية وهي الشريك الاستراتيجي للحكومة الإسرائيلية ويبرر حسب فهمه الضرورات التي دفعت الأردن للذهاب لهذا الخيار دون تغطية وشرعنة ذلك سياسياً.
الغياب والصمت الحكوميان لا ينطبقان على الحكومة الحالية فقط بل ينطبقان أيضا على سابقتيها اللتين فاوضتا وأبرمتا الاتفاقية من خلال وزراء الطاقة فيها حيث يتردد المسؤولون فيهما في الخروج وتقديم الرواية الكاملة لهذه الاتفاقية في حين أن مجرد نقد شخصي بسيط لهم يستدعي انتفاضة لا تنتهي من الغضب والردود في حين يغيب الشعور بالمسؤولية السياسية هنا.
صفقة الغاز من أغرب القصص التي واجهت الأردن، فالكل يدينها ويتبرأ منها بمن فيهم من وقع عليها ولكنها تمضي، فماذا يعني الصوم عن الكلام إذا لم يكن رفض تبريرها ممن وقعها الذي يغيب عن السمع نهائياً.
بانتظار تطورات سياسية ربما تحدث في المنطقة قد تدفع الحكومة إلى التراجع عن هذه الاتفاقية كرد فعل على الغطرسة الإسرائيلية المتمادية في استهداف الأردن، يبقى الرهان على حشر الحكومة في زاوية حجب الثقة إفراطا في التوقعات فسجل النواب في حجب الثقة معروف ومرددوه دائماً في صالح الحكومات.
إلى أين نمضي؟ سؤال يبحث عن إجابات مختلفة
يعتقد الكثيرون أن «أليس في بلاد العجائب» قصة موجهة للأطفال، وهذه خدعة كبيرة، فالرواية القصيرة تقدم العديد من التأملات العميقة، ومنها ما يصلح لعالم السياسة، وفي أحد فصولها حكمة ستبقى طويلاً حاضرة في تفاصيل الحياة السياسية، وتتلخص في مقولة أحد الشخصيات للطفلة أليس انها إذا لم تكن تعرف إلى أين تذهب فكل الطرق تؤدي إلى هناك.
لو كانت أليس على شرفة مجلس النواب أثناء الأسبوع الماضي لأعادت هذه الحكمة على مسامع الحاضرين، فالواضح أن الجميع يتحدث دون أن يتقدم أحد ليوضح الاتجاه الذي يجب علينا أن نمضي فيه، فالحكومة تتحدث عن مديونية أقل وعجز يمكن التعامل معه، والنواب يتقدمون الكعكة وبعضهم يضع أمام الحكومة قائمة من الأمنيات لمدارس ومستشفيات ومراكز أمنية وطرق وجسور وأنفاق، والمواطنون يريدون وظائف يعرفون أنها غير موجودة، ولكن على الحكومة أن تتدبر أمورها.
أين نمضي؟
لنعترف بداية بأن هذه الصيغة ليست مناسبة، الأردنيون اليوم لا يمتلكون الخيارات الكافية، والأسئلة أمامنا إجبارية، المديونية والنمو الاقتصادي، وغير ذلك لا يدخل فقط في إطار الأمنيات الاقتصادية ولكن ربما يكون عاملاً معطلاً للجهود المتوجب حشدها في عبور الأزمة الملحة.
وبعد أن تنجز المتطلبات الرئيسية وبعضها بتكلفة عالية للموازنة بين المديونية وتنشيط الأسواق، يجب أن تستغرق في مرحلة من التقييم لإنتاج إجابات واقعية للجهة التي يجب أن نسلكها، وأياً تكن، سياحة أو خدمات أو صناعة، فالخطوة الأساسية هي التخلص من مراهقة الدولة الربيعية التي تلفظها حتى الدول النفطية وهي تطبق إجراءات تحول اقتصادي طموحة.
توجد نماذج اقتصادية مختلفة، ولكن جميعها مرتبط بالإنتاج، بالقيمة المضافة، بامتلاك شيء مطلوب وقابل للتداول، وغير ذلك من مشاريع وطنية مثل مزيد من الجامعات والمستشفيات وكثير من الوظائف فلن يترتب عليه سوى مزيد من الضغوط ووضع حجر الأساس لأزمة جديدة.
لنستثمر في الإنتاج قبل أن نبدأ في تدبيج قوائم المتطلبات والأمنيات، ولنتصرف بحكمة وواقعية ودون شعارات كما يفعل الجميع من حولنا، ومن محصلة الإنتاج تمول المشاريع الوطنية وترتفع سوية حياة المواطنين، وعكس ذلك، لا شيء سوى السحب على المكشوف، والأفراد قبل الدول يعرفون خطورة هذه الحالة.
إلى أين نمضي؟
ليكن ذلك أرضية لحوار وطني مخلص وواسع وصريح وبعيد عن الشعبوية والرغائبية، حوار ناضج ومسؤول سيكون بالضرورة قاسياً وغير مناسب للأطفال.
الأردن يخشى من الأسوأ في الإقليم
العام الماضي حمل بشائر استقرار في الشرق الأوسط، وبدايات مشجعة لنهاية أزمات دول رئيسة فيه. تنظيم داعش الإرهابي اندحر في سورية والعراق، وفقد سيطرته.العراق شكل حكومة بعد مخاض طويل، وسورية بدأت تستعيد أنفاسها، وفي اليمن جهود مثمرة لتسوية وطنية تعيد لحمة البلاد.
كانت كل هذه التطورات أخبارا طيبة للأردن، لاعتبارين مهمين، الأول استقرار الجوار العربي، عامل حاسم في الانتعاش الاقتصادي الداخلي، والثاني، تعافي العرب وتجاوز خلافاتهم عنصر ضروري لوحدة موقفهم في مواجهة التحديات الوجودية التي تهدد قضية الشعب الفلسطيني، مع تعاظم اليمين الصهيوني ومخططاته، ودعم الإدارة الأميركية غير المسبوق لمشاريع تصفية الحقوق الفلسطينية، فيما بات يعرف بصفقة القرن.
لكن كما يبدو، عكس سيئ في الشرق الأوسط لا يعني سوى الأسوأ على خلاف الحال المعهود. الأزمات تنفجر من جديد وتهدد الاستقرار الهش، لا بل أن دولا عربية أخرى مثل لبنان باتت مرشحة للانضمام إلى حالة الفوضى.
العراق يوشك على فقدان السيطرة. مواجهة أميركية إيرانية تتخذ من العراق ميدانا لها، سبقتها أزمة اقتصادية وسياسية داخلية دفعت بالعراقيين إلى النزول للشوارع في تحد غير مسبوق للسلطة والأحزاب الطائفية. استقالة الحكومة التي عمل الأردن معها عن كثب لتطوير العلاقات الثنائية وتحسين مستوى التبادل التجاري وتحريك المشاريع الثنائية المتوقفة منذ سنوات. ولا بوادر حتى الآن على تفاهم قريب لتشكيل حكومة جديدة فيما الجماهير العراقية تغمر الشوارع والساحات.
في سورية وكلما اقترب موسم الحصاد السياسي تطل الأزمة برأسها من جديد، وقد اتخذت في الآونة الأخيرة طابعا اقتصاديا الهدف منه تحطيم الاقتصاد قبل أن ينهض بضرب الليرة السورية، إلى جانب تعطيل الدول الغربية لمشاريع إعادة الإعمار، واحتدام التنافس على النفوذ بين قوى إقليمية في مقدمتها تركيا. في وقت تراوح فيه جهود الحل السياسي عند نقطة البداية.
وعلى الساحتين السورية والعراقية يعود خطر التنظيم الإرهابي مرة ثانية، وقد بات الأردن يستشعر هذا الخطر على حدوده ويحذر منه.
لبنان يمضي وبإرادة مسبقة من ساسته نحو المجهول.لا أحد يعلم كيف تنتهي الأزمة الحالية. تشكيل حكومة جديدة وإن كان هدفا عزيزا، إلا انه ليس نهاية المطاف، فالبلاد تغرق في أزمة نقدية ومالية غاية في الخطورة تهدد بإفلاس الجهاز المصرفي، وضياع المليارات من المدخرات وانهيار اقتصادي ستكون له توابعه على المنطقة ودولها.
الأردن يراقب بحذر مجريات الوضع في لبنان، ويأمل بنهاية تنقذ بنوكه واقتصاده من الانهيار. تشير معلومات مؤكدة إلى أن لأردنيين ودائع في البنوك اللبنانية ليس لها فروع في الأردن، تزيد على 100 مليون دولار طمعا بفوائد مرتفعة على الودائع بالدولار، وقد باتت مهددة اليوم جراء أزمة المصارف.
ليست هذه أكبر مصائبنا في حال تفاقمت الأزمة اللبنانية، بل فيما يترتب على الانهيار الاقتصادي من نتائج سياسية على المنطقة برمتها.
هل يعود الأردن إلى تلك الأيام التي كان فيها محاطا بأحزمة من نار؟
ماذا لو أضفنا إلى هذه المخاطر، الخطر الأكبر، صفقة القرن وقد اقترب موعد طرحها؟
لهذا كله سارع جلالة الملك في خطابه أمام البرلمان الأوروبي لتحذير القوى الدولية من خطورة الأوضاع في المنطقة وتداعياتها العالمية.
يكفي أن نسأل أنفسنا هذا السؤال
ما الذي يشغلنا في هذه الايام؟ المرحلة القادمة بكل ما يحيط بها من استحقاقات وتحديات.
ما الذي فعلته التعبئة الاعلامية والسياسية بنا؟ المزيد من الاحتقانات والاشاعات والجنوح مجدداً نحو التشكيك والتلاوم والخوف والاحباط .
هل يوجد لدينا مؤسسات موثوق فيها تشرف على ادارة وتوجيه سجالاتنا وحواراتنا وضبط «انشغالاتنا» وتحديد اولوياتنا؟
ثمة اشخاص معدودون على الاصابع من طبقة الاعلاميين والسياسيين تتولى هذه المهمة، الى اين وصلت؟ لا ادري، لكن يبدو ان «المعنيين» والمؤهلين شبه غائبين عن المشاركة في هذه المواسم الشتوية الساخنة.
هذه عينة من الاسئلة والاجابات التي يمكن ادراجها على هامش المخاضات التي نتابع حراكها بدهشة احياناً وبقلق احياناً اخرى، لكن المفيد فيها انها تضعنا وجهاً لوجه أمام مجموعة من التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على مجتمعنا، وهي – في معظمها – تحولات على صعيد «القيم» اولا، وعلى صعيد «الادوات» التي نستخدمها لتثبيت هذه القيم ازاحتها او – حتى – تعديل مساراتها لاهداف معينة – ثانياً- .
ومع الاحترام لكل الآراء والاقتراحات، والهواجس والتمنيات التي طرحت، او ما تزال تطرح، لفهم او معرفة ما انتهت اليه تجاربنا من نجاحات هنا واحقاقات هناك، وما تركته بالتالي من تداعيات على مستوى حركة الناس واحساسهم ومعاشهم، فانني اعتقد أننا ذهبنا بعيداً في فهم واستقراء وتحليل ازماتنا ومشكلاتنا، مرة نعلقها على مشاجب الاقتصاد وتراجعه، ومرة اخرى على شماعة «السياسة» وتقلباتها، وثالثة على الاعلام او غياب الحزبية والبرامجية والنخب النظيفة، وقد يبدو كل هذا صحيحاً، لكننا للأسف لم نتلفت الى مسألتين هامتين:
احداهما هذه التعبئة التي نمارسها يومياً ضد انفسنا احياناً، وضد اعداء وهميين او ضد قضايا غير موجودة او غير ملحة، او ضد غيرنا من الامم والدول احياناً اخرى، والمقصود بالتعبئة هنا ما نبذله من جهد، وما نمارسه من انشغال مستمر لاقناع أنفسنا بأننا مستهدفون (لا تسأل من أين أو ممن؟)، وبأن من واجبنا ان نظل واقفين دائماً وحذرين باستمرار وجاهزين فوراً للانقضاض، يحدث هذا في المباريات الكروية، وفي المدارس والجامعات، وفي المساجد والصالونات، الجميع يمارس عملية تعبئة غير مفهومة، ويا ليت انها واقعية، او تجد لدى الناس ما يناسبها من ابواب «لتفريغها» او العمل في سياقاتها للاصلاح والتغيير.
المسألة الثانية تتعلق بافتقادنا لقيم الحوار الحقيقي العميق والمنزه عن الهواجس والاسقاطات والاتهامات المتبادلة، افتقادنا له ولأدواته، وان كانت له اسباب متعددة، الا ان ابرزها غياب «المشروع» الهادي (من الهُدى) والمرشد والمسدد لخطواتنا على طريق المستقبل، صحيح ان لدينا مشروعات كثيرة، لكنها في الغالب نظرية (وهمية: أدق) وبعضها غير قابل للتطبيق، كما ان ترتيب الاولويات فيها يحتاج الى اعادة نظر.
يكفي ان نسأل أنفسنا: ماذا نريد، وما الذي يمكن ان نحققه او نؤجله، ولماذا نجحنا هنا وتعثرنا هناك، وكيف نستعيد توازننا القيمي والسياسي على مستوى الداخل والاقليم والعالم وأي خريطة طريق نحتاجها لتجاوز ازماتنا.. يكفي ذلك للاجابة على ما يتردد داخلنا من حيرة وارتباك.. وللخروج – فوراً – من الانشغال الى العمل.. ومن الاشتباك الى التواصل.. ومن ضيق الاضطرارات الى سعة الخيارات، ومن هواجس الندامة الى طريق السلامة.
موقع نقيب الصحفيين يحتاج إلى تفرغ
كتب علي فريحات
بات مطلب السواد الأعظم من أعضاء الهيئة العامة بمنع الازدواجية لموقع منصب نقيب الصحفيين مع مناصب حكومية أو خاصة تملكها الحكومة واضح ويحتاج إلى تنفيذ ويتوجب تضمينه بمشروع تعديل القانون المقترح من النقابة حاليا والذي سيتم تقديمه للهيئة العامة لإقراره ومتابعته لاستكمال الإجراءات القانونية بخصوصه مع الحكومة ومجلس النواب.
لذلك نتمنى تضمينه بمشروع نقابة الصحفيين حفاظا على استقلالية النقابة احتراما لرغبة الهيئة العامة التي نعتبرها أمر لأن هناك حاجة واضحة وملحة لتفرغ النقيب للقضايا النقابية التي أصبحت تحتاج إلى متابعة لتلبي طموحات ومتطلبات الزملاء سواء فيما يتعلق بتشغيل المتعطلين عن العمل ومعالجة أوضاع الصحف التي تعاني من أزمات مالية وانجاز مشروع الاستثمار الذي ما زال واقفا منذ تأسيس النقابة رغم توفر الأراضي غيرها بالإضافة إلى توفير إسكان وقطع أراضي للصحفيين وخصوصا الذين لم يتم يستفيدوا من توزيع الأراضي وتحسين التامين الصحي وغيرها من المتطلبات الضرورية والملحة .
نتمنى على المرشحين لمنصب النقيب الرد على أعضاء الهيئة العامة وإصدار ميثاق شرف والتزام بعدم قبول أي منصب حكومي لأن التعهد ملزم أمام الهيئة العامة ويعتبر عن المصداقية والشفافية .
شكرا لمن تعهد …. ونتمنى للآخرين المثول لمطلب الهيئة العامة .
أسئلة ” ماذا لو ” !
في خطابه أمام البرلمان الأوروبي طرح جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أسئلة “ماذا لو” التي تعتبر أحد أهم سمات الأسئلة الإبداعية في التفكير الإستراتيجي ، والتي تولد الفرضية والاختيار معا، وتجمع حولها أصاحب المصالح لكي يدركوا المخاطر التي تمسهم جميعا والمسؤوليات المترتبة عليهم، لكي يأخذوا حذرهم، ويتخذوا القرارات التي تجنبهم تلك المخاطر، وتقودهم نحو الاتجاه الصحيح الذي يحقق مصالحهم، ويفتح أمامهم آفاقا رحبة من الآمان والنجاح والإنجاز.
لم تكن تلك الأسئلة وحدها دليل على خطاب إستراتيجي بامتياز ، فقد تم عرض واقع منطقة الشرق الأوسط من حيث أن أسوأ الافتراضات ليست ترفا من الناحية النظرية، بل هي – كما قال جلالة الملك – أقرب ما تكون إلى ملامسة ذلك الواقع الذي يترك أثره على كل مكان حول العالم، وفي هذا السياق وضع جلالته القضية الفلسطينية، وجوهرها القدس، بؤرة للصراعات والانقسامات المتفاقمة بين الشعوب والأديان، حيث يستمر العنف، ويستمر بناء المستوطنات، ويستمر عدم احترام القانون الدولي.
من الأهمية بمكان أن يشير جلالة الملك إلى عنصر أساسي في تلك المعادلة حين طرح سؤال القدس محورا قائم الذات، وضمن تراتبية ذات مغزى عميق من منطلق القيمة التاريخية والدينية للقدس في قلبه، وأهميتها التاريخية الكبيرة للعائلة الهاشمية، ثم يلحقه بسؤال مركزي “هل يمكننا تحمل عواقب سلب المسلمين والمسيحيين على حد سواء من الروحانية والسلام والعيش المشترك التي ترمز إليها المدينة، والسماح لها بدلا من ذلك بالانحدار إلى صراع سياسي ؟ ” في الحقيقة أن السؤالين معا يضع أوروبا والعالم كله أمام المسؤولية بجميع أبعادها الدينية والتاريخية والقانونية، والأخلاقية أيضا.
يأتي بعد ذلك التسلسل منطقيا للأسئلة حول مصير ومستقبل شعوب العراق وسوريا، وليبيا الأكثر قربا من أوروبا، ليضع عدة جوانب أساسية في تأثير ما يجري في منطقة الشرق الأوسط على القارة الأوروبية أكثر من غيرها مثل “النفط، الإرهاب، مآسي اللجوء، مستقبل الشباب” ليصل بعد ذلك إلى رسم ملامح الطريق نحو السلام ولو كان الطريق الأكثر صعوبة، واضعا نظرية سياسية ليست مستخدمة حتى الآن للتعامل مع واقع لم يسبق له مثيل تقوم على أن السياسة ليست لعبة يفوز بها الأسرع،” ففي بعض الأحيان كلما سارعنا، كلما زاد بعدنا عن خط النهاية” !
ولا ينهي جلالة الملك خطابه من دون أن يفهم أعضاء البرلمان الأوروبي أن موقفه مستند إلى الايمان بالله والتوكل عليه، وإلى القرآن الكريم يتعلم منه درس الصبر، ومعنى القيادة ومسؤولياتها في حماية مصالح شعوبها ورفاهيتهم، واعتماد الصبر والتأني في اتخاذ القرار بحذر وروية، لا بتهور وعجالة، وكأنه يوحي بأن مصير المنطقة والعالم مرتبط اليوم وأكثر مما مضى بأولئك الذي يمكن أن يخطئوا في حساباتهم، وأن الحياد في ذلك يعني غياب الردع أو التصويب قبل فوات الأوان.
خطاب جلالة الملك، وفي مناسبة على هذا المستوى من الأهمية، وبالتزامن مع لقاءات هامة مع الأمانة العام لحلف شمال الأطلسي، ومع مباحثات مع ملك بلجيكا، ورئيس فرنسا، يلامس اللحظة التاريخية على يد زعيم عربي، وقائد لبلد تكمن أهميته في موقعه ودوره في الحفاظ على التوازن الإقليمي، ومعالجة الأزمات بأعلى درجات التفكير الإستراتيجي، فضلا عن الحكمة والخبرة، وما يتمتع به من إحترام وتقدير على مستوى العالم كله، فتلك لمن يريد أن يعرف قيمة الأردن الحقيقية، التي ينبغي أن نفهمها ونؤمن بها، ونحافظ عليها!
النواب يخسرون المعركة الأخيرة!
“الحكومة أمام الله وأمام الشعب في تحمل مسؤوليتها تجاه هذا المقترح”.. بهذه الكلمات المقتضبة توّج رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة أمس إسدال الستارة نيابيا على المطالبة الشعبية بإسقاط وإلغاء اتفاقية الغاز مع كيان الاحتلال، على إثر تصويت النواب بالإجماع على إحالة مقترح قانون حظر استيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي إلى الحكومة.
لكن هذه الكلمات والاكتفاء بإقرار مقترح القانون من قبل النواب لن يعفيهم من غضبة الحملة الشعبية الواسعة لرفض اتفاقية الغاز خاصة وأن التوقعات الآن تذهب باتجاه لجوء الحكومة إلى التهرب من الالتزام بالمقترح النيابي وترحيله والمماطلة بإقراره، يساعدها في ذلك اقتراب حل الدورة العادية والأخيرة لمجلس النواب ومرورها سالمة من نفق إقرار قانون الموازنة العامة، وبالتالي فإنها تراهن على شراء الوقت والمماطلة لعدم الالتزام بوضع مشروع القانون فيما هي تعرف أن النواب لم يعودوا يمتلكون أي أداة للضغط الحقيقي عليها بعد أن أسقطوا مبكرا سلاح طرح الثقة بها والاكتفاء بإقرار مقترح القانون “أمام الله والشعب”!!
قد يختلف الأردنيون في قضايا السياسة الخارجية على كل شيء وتتباين الآراء والاستقطابات بينهم حولها سواء تجاه القضية السورية أو إيران او ليبيا أو حتى الموقف من الأزمة الخليجية الداخلية وغيرها، لكنهم تجاه العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي ورفض التطبيع معه واعتباره الخطر الاستراتيجي الأول والأكبر تجدهم مجمعين ومتفقين وغير مهادنين في ذلك، لذلك قلما تجد قضية توحد الأردنيين على رفضها والتحذير منها كما هي قضية استيراد الغاز الفلسطيني المسروق من قبل الاحتلال الإسرائيلي واتفاقيتها، وهي اتفاقية تكاد لا تجد من يدافع عنها علنا حتى من قبل الرسميين رغم سريان تنفيذها!
لذلك لا يتوقع أن يجدي موقف النواب وطلقته الأخيرة بإقرار مقترح القانون في كسب رضا الرأي العام الأردني الذي كان ممثلون عنه يحتجون خارج أسوار البرلمان خلال مناقشة جلسة النواب للمقترح أمس على سريان الاتفاقية وبدء تدفق الغاز الفلسطيني المسروق وفرض التطبيع على الأردنيين مع هذا العدو. ويبدو واضحا أن الرأي الغالب شعبيا يذهب باتجاه أن موقف مجلس النواب من هذه الاتفاقية لم يكن على قدر المسؤولية وأنه أسهم بتراخيه مع الحكومة وعدم حشرها بالزاوية في تمرير الاتفاقية ولأن يصبح استيراد الغاز من الاحتلال أمرا واقعا ومفروضا.
من سوء حظ النواب في المجلس الحالي، الذين يستعد كثير منهم لخوض الانتخابات المقبلة المتوقعة قبل نهاية العام الحالي، أن يختتم مجلسهم ولايته الدستورية بهذا الموقف القاصر تجاه إحدى أبرز القضايا الوطنية التي شغلت وما تزال تشغل الرأي العام الأردني وعدم قدرة هذا المجلس، رغم رفضه شبه التام للاتفاقية، على اسقاطها ومنع تمريرها. لن يتذكر الناس مقترح القانون بمنع استيراد الغاز من كيان الاحتلال لأنه سيبقى -كما هو متوقع- مجرد مقترح على رفوف الحكومة! بل سيتذكرون غدا أن النواب عجزوا عن التصدي الحقيقي لفرض هذه الاتفاقية الخطيرة على الشعب الأردني بكل ما تحمله من أبعاد مبدئية واستراتيجية سلبية، ورغم كل ما شابها من التباسات واختلالات دستورية وقانونية وسياسية!
لا يتوقع أن يخفت الصوت الشعبي الرافض لاتفاقية “العار” مع إسرائيل بعد سريانها وفرضها أمرا واقعا على الجميع، لكن إسدال الستار عليها نيابيا، على الأقل حتى قدوم المجلس المقبل بعد أكثر من عام من الآن، يسقط من اليد الشعبية أداة مهمة كان يراهن عليها كثيرا لإسقاط وإلغاء هذه الاتفاقية، لذلك لن تصب خلاصة الموقف النيابي في صالح تقييم دور هؤلاء النواب وستسجل على أنها فشل آخر ومهم في حصاد الأربع سنوات الماضية من عمر مجلسهم الذي شارف على الرحيل!
ماذا بعد قرار النواب؟
لم يتطلب الأمر من مجلس النواب سوى بضع دقائق لتبني توصية لجنته القانونية الخاصة بمقترح قانون منع استيراد الغاز من إسرائيل، وإحالتها إلى الحكومة بصفة الاستعجال لإعداد مشروع قانون وتقديمه لمجلس النواب لمناقشته وإقراره.
ينبغي الإشارة أولا إلى أن صفة الاستعجال غير ملزمة للحكومة، فالدستور يمنحها حق تقديم مشروع القانون في الدورة الحالية”الأخيرة” للمجلس أو في الدورة المقبلة.
مجلس النواب بهذا القرار رفع عن نفسه عبء الضغط الشعبي، وسجل موقفا للتاريخ، يتوقع كثيرون أن يظل في ذمة التاريخ ليس أكثر.
مشاعر الحكومة مشتتة حيال الموقفين الشعبي والنيابي من اتفاقية الغاز، لكنها أمام استحقاق قانوني وسياسي، وقد اختارت موقف المراقب الصامت في جلسة النواب أمس، محتفظة لنفسها بحق دراسة المقترح النيابي من جوانبه القانونية والدستورية، وهو ما ستعكف على فعله في الأيام المقبلة.
المعطيات الأولى تفيد بأن المشروع المقترح يرتب تبعات مالية وقانونية على الحكومة، وثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها على طاولة المشرع الأردني، لعل أهمها سؤال الشرط الجزائي في اتفاقية الغاز حال وقف استيراد الغاز من إسرائيل على فرض إقرار القانون المقترح من النواب، خاصة وأن موازنة العام الحالي لم تتضمن مخصصا بهذا الحجم الكبير لتغطية قيمة الغرامة.
وهناك أسئلة أخرى تتعلق بمدى قانونية إصدار تشريع يتعارض مع تشريعات أخرى نافذة أبرزها قانون معاهدة السلام مع إسرائيل الذي صادق عليه مجلس الأمة وأودع في الأمم المتحدة كاتفاقية دولية. ثم هناك من يدفع بعدم دستورية إصدار القانون بدعوى وجود فتوى من المحكمة الدستورية لا تجيز لمجلس النواب حق مناقشة وإقرار الاتفاقية لأنها موقعة بين شركتين وليس حكومتين.
المؤكد أن الحكومة لن تقدم مشروع قانون في الوقت الحالي، وستعمد إلى قنوات دستورية وقانونية عديدة لتأجيل الاستحقاق، رغم مانتوقعه من ضغوط نيابية قد تصل حد التلويح بطرح الثقة في الحكومة.
والطرفان، المجلس والحكومة سيكونان في سباق مع الزمن، المجلس يسعى لإلزام الحكومة بتقديم مشروع القانون قبل نهاية الدورة الحالية، والحكومة تدفع بالمماطلة لشراء الوقت. ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بالنتيجة، إلا إذا باغت قرار حل مجلس النواب الطرفين في موعد أبكر من موعد نهاية الدورة البرلمانية.
لكن ينبغي التفكير بالمستقبل، وعدم الاكتفاء بإزاحة العبء عن الحكومة الحالية ورميه على أكتاف الحكومة القادمة ومجلس النواب الجديد. بمعنى آخر، حسم الجدل الدستوري حول قانونية إصدار التشريع من عدمه، وإغلاق الملف نهائيا سواء بإقرار قانون كهذا أو تجاهل المقترح نهائيا حتى لا يظل سيفا مسلطا على رقاب المجالس والحكومات المقبلة.
والحكمة بأثر رجعي لا تفيد في مثل هذه الحالات، لكن ألم يكن مجديا التفكير بالقانون المقترح من طرف النواب قبل توقيع اتفاقية استيراد الغاز؟ مجلس النواب كان يعلم بالاتفاقية قبل توقيعها، وقد مضت مشاورات التوقيع أشهرا طويلة،ولم يقترح أحد خطوة قانونية كهذه كانت لتجنب السلطتين الإحراج، وتحول دون تكبد غرامات مالية باهظة، نصت عليها الاتفاقية.
نقابة الصحفيين.. (3) نقد الذات النقابية
بقلم: عدنان برية
بَدَت نقابة الصحفيين، على مدى عقد أو أكثر، مؤسسة عقيمة، عاجزة عن استيعاب المتغيرات، وفاقدة لروح المبادرة والتجديد، فيما غلب على أدائها التقليد والاتباع، واجترار فقه السلف في تسكين تعقيدات الحاضر وتحدياته، ووقفت دون تقديم ما يجيب عن أسئلة وسيناريوهات المستقبل المهني.
النهج والممارسة أفقدا النقابة مكانتها، ليس فقط بين منتسبيها، بل على نطاق أوسع، وبدلاً من قيادتها للمشهد الصحفي والإعلامي، باتت في ذيله، ورغم ذلك لم تَنشَأ بيننا – في الهيئة العامة – علاقة نقدية، تعيد النظر في الذات النقابية، وتؤسس لطرائق جديدة في الرؤية والتقييم والتفكير والتقدير والتدبير.
لبناء العلاقة النقدية مع الذات النقابية، متطلبان أساسيان، الأول: دراسة البنية المعرفية للفاعل النقابي (الضوابط والمرتكزات)، ويمكن استخلاصها من سلوك المجالس المتعاقبة، باعتبارها محاكمة للفعل وليست للنوايا، وهي مجال عناية هذا المقال، والثاني: مناقشة المعالجات العملية عبر أمثلة منتقاة، وسيخصص لها مقال أو أكثر لاحقاً.
عموماً، اتسمت البنية المعرفية للفاعل النقابي بـ:
أولاً: فقر منظومة القيم الضابطة، أو حضورها مجتزأة، وبروز التكتيكات المتغيرة والمتعارضة، المستندة إلى مقاربات مصلحية خاصة، لا تُعبّر عن مصالح الهيئة العامة مجتمعة، ولا تخضع لمعايير محددة ومُعلنة، وتتجلى في ازدواجية فجّة.
ثانياً: غياب البيانات الدقيقة لمنتسبي النقابة، والمقصود هنا ليس أرقام الهواتف والعناوين، بل البيانات المتعلقة بماهيتهم وأدق تفاصيلهم، التي يجب الإحاطة بها قبل وضع الخطط واتخاذ القرارات، وهو ما من شأنه أن يشكل فارقاً نوعياً في دور النقابة حيال الصحافيين والصحافيات.
ثالثاً: محدودية أثر المعالجات النقابية للتحديات المهنية، والتعامل معها بالفهم العام لظاهر العَرَض، دون الغوص في أسبابه الجوهرية والحقيقية، وبالتالي اجتراح حلول قاصرة وعاجزة وغير ذات أثر، ما يسهم في مفاقمتها وتعريض منتسبي النقابة لمزيد من الضغوط.
رابعاً: تراجع روح القيادة والمسؤولية والمبادرة والاستقلالية، بما يتضمنه من انحسار للسلطة الأخلاقية، وغياب لأدوار الفعل (توقع التحدي والتحسب له وتبني مقاربات وقائية) في مقابل نمو أدوار رد الفعل (الشعبوي والانتهازي)، ودون مراعاة الأثر السلبي على الهيئة العامة مجتمعة، مضافاً إلى ذلك تعقيدات علاقة المؤسسة النقابية بالسلطات الرسمية.
خامساً: جمود الفاعل النقابي عند الأفكار التقليدية، المستمدة من نهج السلف، الذين نُجلّ ونُقدّر، وارتهانه إليها لدى مجابهة التحديات، مُجتراً مضمونها وجوهرها، ومُعتقداً بنجاعتها في معالجة مشكلات الحاضر المهني، فضلاً عن الخشية من مجرد محاولة التفكير خارج الصندوق.
سادساً: تهميش الهيئة العامة خلال سنوات انعقاد المجلس الثلاثة، نتيجة الاطمئنان لعدم قدرتها على سحب الثقة وتهديد استمراره، وانتهاج مقاربات كيدية، عقاباً على انتقاداتها لقراراته، وفي أحيان كثيرة التمادي والتطاول على الصحافيين والصحافيات ممن يسجلون ملاحظاتهم على الأداء النقابي.
ما سبق، ليس جلداً للذات النقابية، ففيها خِيرة الخيرة، ولا إنكاراً لحجم التحديات، فهي مركبة ومعقدة إلى حد بعيد، وأيضاً ليس انتقاصاً مما تحقق، لكن المؤكد أن بالإمكان أكثر بكثير مما كان، وهنا بيت القصيد ووجه القُصور.
في العمل النقابي مبادئ أساسية، أولها مراكمة الإنجاز، وتتأتى بتثبيت المُتحقق على أرض الواقع وتعزيز ما يصلح منه للحاضر والمستقبل، وثانيها تجاوز الأخطاء، باعتراف العقل النقابي بها ونقده إياها، وتفكيكه نواظمها وأثرها. أما آخرها فانتهاج خطوات وقرارات وتبني مشاريع، قابلة للحياة، تعالج تحديات الحاضر، وتأخذ في اعتبارها المستقبل.
دون مواربة، المطلوب اليوم تحرير العقل النقابي من يقينياته المطلقة، وأفكاره المسبقة، والانتقال به إلى بُعد مختلف، قِوامه أن المستقبل يولد في اللحظة الراهنة، وهذا يتطلب إرادةً وصدقاً وانفتاحاً على الأفكار والمشاريع المبتكرة، ذات الأثر الممتد.